تائهون مأخوذون تماماً أمام الشاشة، وعندما يعلن أحد الوالدين انتهاء وقت المشاهدة تبدأ نوبات الغضب والمشادات. الانتقال من نشاط لآخر يمكن أن يكون صعباً على الأطفال، لكن إبعاد الأجهزة الرقمية غالباً ما يكون مستوى آخر من التعذيب.
تقول الدكتورة والأستاذة المساعدة في قسم الطب النفسي للأطفال والمراهقين بمركز لانجون للصحة التابع لجامعة نيويورك ريبيكا ريالون بيري: "هؤلاء اللطفاء الصغار يظهرون شخصية مختلفة حين تُبعد الشاشات عنهم".
أصوات المحتوى الافتراضي المكثفة، وألوانه، وحركاته السريعة تجعله خلاباً ومثيراً أكثر من العالم الحقيقي، وبالتالي يصبح الانفصال عنه أصعب وفقاً لريبيكا.
التفاعل بلمس الشاشة والقيام بالأشياء يجذب الأطفال على وجه الخصوص.
ويقول الطبيب ديميتري كريستاكيس، أستاذ الطب الحاصل على درجة الماجستير في الصحة العامة، ومدير مركز صحة وسلوك وتنمية الطفل بمعهد أبحاث أطفال سياتل: "سيواصل الأطفال القيام بذلك، فهذا ممتع بشدة".
بالإضافة لذلك، تمنح العديد من التطبيقات وألعاب الفيديو المكافآت في صورة نقاط أو ملصقات افتراضية، والحصول على هذه المكافآت ممتع.
ويتابع كريستاكيس لصحيفة The New York Times: "مصنعو الألعاب والتطبيقات يدركون جيداً أنهم يستغلون انتباه أطفالنا. ويبنون مميزات في تصميمها تُصعب عملية تركها".
إذاً كيف يتم إدمان الأطفال للتكنولوجيا؟
تسبب الأنشطة الممتعة إفراز الدوبامين، الناقل العصبي الذي يرسل إشارة إلى القشرة أمام الجبهية، وهي جزء في العقل منخرط في عملية تخطيط وتنظيم المهام.
ويفسر كريستاكيس: الرسالة هي "افعل ذلك مجدداً، احصل على المزيد من هذا".
إطلاق الدوبامين ليس مقتصراً فقط على قت التعرض للشاشات، إذ يمكن أن يحدث بالنسبة للأطفال عند تعرضهم للمديح من الآباء أو تناول وجبة خفيفة عند الجوع.
وهكذا حين يحاول الآباء إيقاف الألعاب أو مقاطع الفيديو على يوتيوب، ينهار مستوى الدوبامين عند الأطفال، وعليه يقول كريستاكيس: "انسحاب الدوبامين يشكل ألماً. تختبر انسحاباً مؤقتاً كما لو كنت تهبط من ارتفاع عالٍ".
الأطفال لا يستطيعون تنظيم مشاعرهم
لا يملك الأطفال الصغار القدرة على تنظيم هذه المشاعر لاجتياز هذا الانتقال المستمر دون فزع.
في دراسة أجراها باحثون بجامعة واشنطن، تضمنت آباءً عددهم 27 لأطفال يبلغون من عام إلى خمسة أعوام، قال 93% من الآباء أن أطفالهم "يصابون بنوبة غضب، وانتحاب أو يقاومون إنهاء الوقت المخصص للتعرض للشاشات في بعض الأحيان على الأقل".
وأضاف 37% من الآباء أن وقت التعرض للشاشات "غالباً ينتهي بمشاجرة".
تنصح الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال ألا يتعرض الصغار الذين يبلغون أقل من 18 إلى 24 شهراً إلى الوسائط الرقمية، باستثناء المحادثات عبر الفيديو، وألا يتعرض الأطفال من عمر 2 إلى 5 سنوات للشاشات أكثر من ساعة واحدة في اليوم.
وتوصي أيضاً أن يشاهد الآباء هذه الوسائط مع أطفالهم ليساعدوهم على فهمها.
وربطت دراسات بين الاستخدام المفرط للوسائط في مرحلة ما قبل المدرسة بزيادة احتمال التعرض للسمنة، والحصول على فترات نوم أقصر، والتأخر المعرفي واللغوي والعاطفي.
كيف نبعد الأجهزة بلا نوبة غضب؟
يقول بول دوناهيو، الطبيب الحاصل على الدكتوراه في علم النفس السريري من بلدة سكيرديل بنيويورك، إن جعل وقت التعرض للشاشات جزءاً متوقعاً ومحدداً في نظام الأطفال اليومي يساعد في ذلك؛ على سبيل المثال، السماح بحلقة واحدة أثناء إعداد وجبة العشاء.
في دراسة أخرى أجراها باحثو جامعة واشنطن على 28 عائلة لديهم أطفالاً تبلغ أعمارهم من سنة إلى خمس سنوات، سجلت العائلات يوميات عن انتقال أطفالهم إلى وقت التعرض للشاشات وانسحابهم عنها على مدار أسبوعين.
واكتشفوا أن التخطيط لموعد التعرض للشاشات، يجعل غضب الأطفال أقل عند انتهائه.
تنصح ريبيكا بوضع خطة مع أطفالك للقيام بشيء ممتع عند انتهاء وقت التعرض للشاشات، مثل الحصول على وجبة خفيفة أو الذهاب للمتنزه.
وقبل أن يبدأ وقت مقطع الفيديو أو التطبيق، ذكر أطفالك أنهم سيستطيعون مواصلة القيام بهذا النشاط فقط في حالة الحفاظ على هدوئهم عند غلق الجهاز اللوحي.
كما أن السماح للأطفال بالقيام بشيء ممتع عقب وقت الشاشة يسهل العملية أكثر من ذهابهم مباشرة لتناول العشاء أو الحمام أو النوم.
توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بمنع التعرض للشاشات أثناء الوجبات وإغلاقها قبل موعد النوم بساعة على الأقل، وربما يفيد أيضاً وضع خريطة مكافآت، يحصل الأطفال فيها على ملصقات لو أنهوا وقت استخدام الأجهزة دون فزع.
التنبيه المسبق يسهل الانفصال عن الأجهزة
وتنصح أليكسيس هينيكر، الطبيبة الحاصلة على شهادة الدكتوراه، وقائدة مجموعة البحث، والأستاذة المساعدة بكلية المعلومات التابعة للجامعة بدمج الأسر الأطفال في العملية بالسماح لهم باختيار وقت التنبيهات.
على سبيل المثال، عبر تخيير الأطفال بين التنبيه قبل 5 أو 10 دقائق من انتهاء وقت التعرض للشاشات، وتركهم يضبطون جهاز التوقيت، ويبدون رأيهم في النشاط الذي يفعلونه عند انتهاء مقطع الفيديو أو اللعبة.
بدأت سيريتو باستخدام جهاز التوقيت على جهاز أمازون إيكو المخصص للعائلة لتخبر أولادها بالوقت المتبقي من الفيديو.
وتقول إن جهاز التوقيت ساعدها، وتفسر: "يتركون الأجهزة بسهولة أكبر. يبدو الأمر كأنه خاضع لقانون بافلوف".
تقول سارة دوموف، الطبيبة الحاصلة على شهادة الدكتوراه أستاذة علم النفس المساعد في جامعة سنترال ميشيغان، التي طورت مع زملائها في جامعة ميشيغان وجامعة آيوا مقياساً لتحديد درجة إدمان شاشات الوسائط بين الأطفال من عمر 4 إلى 11 عاماً.
تتابع أليكسيس التي أجرت دراسة اكتشفت فيها أن تحديد إو إنهاء وقت التعرض للشاشة يصبح أصعب حين يُشغل مقطع الفيديو القادم تلقائياً.
وتوضح جيني راديسكي، أستاذة الطب الأستاذ المساعد في طب الأطفال بجامعة ميشيغان، أن الآباء في حاجة إلى الحفاظ على قوتهم والالتزام بخطتهم حتى لو تلقوا تذمراً صاخباً.
الوقت المناسب للمشاهدة والاندماج
وتفسر جيني، المؤلفة الرئيسية إلى جوار أليكسيس، في كتيب إرشادات استخدام الوسائط للأطفال الصغار التابع للأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال: "يصبح الانتقال المستقبلي بين الشاشات والواقع أصعب، لو لبيت طلب أطفالك بإطالة وقت التعرض للوسائط من حين لآخر، وعلموا أن الأم قد تجيب على مطلبهم بنعم".
ويضيف دوناهيو أن قصر وقت التعرض للشاشات الشديد يمكن أيضاً أن يقود إلى نوبات الغضب ويشرح: "يحتاج الأطفال إلى وقت للاندماج والتركيز فيما يفعلونه. إذا قلت: "يمكنك القيام بذلك لخمسة دقائق ثم سآخذ الجهاز من يديك، سيسبب ذلك الكثير من الإحباط".
ويقترح أن تدوم حصة التعرض للشاشات من 30 إلى 45 دقيقة.
وماذا لو استمرت مقاومة الأطفال؟
ما الذي يحدث إذاً لو اتبعت كل هذه النصائح وظل طفلك غاضباً صاخباً؟
تنصحك ريبيكا بالحفاظ على هدوئك والابتعاد. ويقول دوناهيو إن عليك اتخاذ إجراءات صارمة لو حدثت نوبات الغضب بشكل متكرر، إذ يشرح: "ربما عليك قول أمر مثل: "لن نستخدم الجهاز لفترة. فإيقاف استخدام الجهاز لفترة يفي بالغرض، و "يساعد الطفل على فهم أن التعرض للشاشات امتياز إضافي".
وبعدها، حين يعاود الآباء إعطاء الأجهزة لأطفالهم، يقترح دوناهيو أن يشرح الآباء أن إعادة الأجهزة ليس إلا "تجربة ليروا إن كان الأطفال مستعدون للتعامل معها مجدداً".