متى تتمرد النساء على أحذية الكعب العالي؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/08/04 الساعة 14:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/04 الساعة 14:38 بتوقيت غرينتش
نساء يرتدين أحذية الكعب العالي / iStock

أراهنَّ ينتشرن في كلِّ مكان تقريباً، في الشوارع، في قاعات الأعراس، في أماكن العمل، في الأسواق، في المواصلات… إلخ، ينتعلن في أقدامهنَّ أحذية ذات كعب عالٍ، منها ما يكون رفيعاً جداً وشديد الارتفاع مثل المسمار، ومنها ما يزداد في الارتفاع تدريجياً إلى أن يصل إلى نهايته في نهاية كعب القدم (روكي).. أسأل نفسي أحياناً: لماذا ترتدي النساء تلك الأحذية المؤذية في أكثر أماكن الجسد عرضة للإنهاك، وإحداث خلل في توازن الجسم، وتسبباً في المشاكل الصحية التي تنال من الجهاز العظمي والعضلي تحديداً، لماذا تقبله كثير من النساء على أنفسهن، ولا يفعله الرجال ولا يقبلونه على أنفسهم؟

مرات كثيرة سألت زميلاتي ممن يرتدين تلك الأحذية، حتى إن الواحدة منهن تكون وهي تسير وكأنها "تمشي على بيض"، بينما تراني أتنقل من مكاني قفزاً وبسرعة، وأنا أرتدي نوعاً مريحاً من الأحذية الرياضية: بالله عليكِ أجيبيني، كيف تستطيعين المشي طوال ساعات العمل بحذاء كهذا يجعل وزن جسدك يرتكز على رؤوس أصابع قدميك؟ ماذا يحدث لكِ في نهاية كل يوم؟ وكيف يكون وضعك؟.

الغريب في الأمر أن ردة فعلهن جميعاً تكاد تكون متشابهة دائماً، تظهر على وجوههن إمارات الخيلاء والاعتزاز بالنفس، وتجيب ضاحكة: أنا مستغربة لماذا تقولين ذلك؟ الوضع عادي جداً، أنا معتادة عليه، هل تصديقين، لا أستطيع الخروج بحذاء من نوع آخر.. هذا النوع من الأحذية مريح جداً بالنسبة لي!.

أُصاب بالصدمة، وأقول بعيداً عن المجاملات: لا أستطيع أن أصدق ذلك!!

لا يمكنني أن أصدق أن ارتداء حذاءٍ يخلُّ بنقاط ارتكاز الجسد الطبيعية يمكنه أن يجعل الأنثى مرتاحة وهي ترتديه، مهما حاولت إقناعي بذلك بحجة التعود. في بداية مراهقتي حاولت -كما هي عادة الفتيات المراهقات- تجربة انتعال الكعب العالي والخروج به خارج البيت، ولكني وصلت إلى نتيجة سريعة، مفادها بعد أول تجربة" يستحيل عليَّ فعل ذلك، خاصة مع إيماني التام الراسخ بأن "راحة الجسم تبدأ من القدمين"، فكيف سأكون مرتاحة بحذاء يتعب قدمي وظهري، ويجعل وزن جسدي كله يرتكز على رؤوس أصابع قدمي؟ وما يزيد الطين بله أن تلك الأنواع من الأحذية النسائية دائماً ما تكون مقدمتها ضيقة، تشكل مثلثاً حاد الزاوية من الأمام، أي أنَّ أصابع القدمين تُحشر في زاوية الحذاء وترتص فوق بعضها في مقدمته.

يا إلهي!! هل هناك عذاب بطيء أكثر من هذا العذاب؟! والأدهى أن المرأة عليها أن تحتمل هذا الضغط والحشر، بل وتسير فيه أيضاً، وتُبدي السرور، وتتصنع الراحة خلال سيرها، وخلال ارتدائها له في ساعات العمل الطويلة وبشكل يومي!

أنا شخصياً أقول إنني لم أعاود تجربة المراهقة بشأن ارتداء ذلك الحذاء، واكتفيت بارتداء أحذية رياضية مريحة ذات ألوان داكنة تُناسب حرارة الفصول، وشرعت أغرس في بناتي منذ طفولتهن فكرة مفادها: "راحتكِ لا يعوضها شيء، فلا تستبدليها بمظاهر هشة تعجب الناس من حولك، بينما هي تقضّ راحتك أنت وتتعبك.. لا شيء ولا أحد يستحق!" .

صورة شاهدتها تفرض نفسَها على ذاكرتي الآن، في مهرجان "كان السينمائي قبل ما يزيد عن عام" ارتدت إحدى الممثلات الأمريكيات فستاناً عرَّى أجراءً كبيرة من صدرها وظهرها وكتفيها، تقف بين رجلين من نجوم السينما أو الإخراج السينمائي "لا أذكر تحديداً"، يرتدي الرجلان معاطف سميكة بسبب برودة الجو. وقد علَّقت الصحافة آنذاك على تلك الصورة واعتبرتها غير إنسانية، وإلا لماذا كان على تلك الممثلة أن تتحمل البرد القارس وتعرّي أجزاءً كبيرةً من جسدها ليستمتع برؤيتها الرجال، بينما هم يحتفظون لأنفسهم بحقّ الدفء وراحة الجسد.

لماذا يجب على المرأة انتعال حذاء ذي كعب عال يؤذي أقدامها وعمودها الفقري، لتبدو أنيقة متغنّجة تفيض أنوثة في مشيتها، ليستمتع الآخرون بمنظرها، بينما تعاني هي في نهاية اليوم وعندما تشيخ، مَن سنَّ هذه القوانين ووضع هذه القواعد؟.

من وجهة نظري، لا أحد ولا شيء يستحق، راحتي وصحتي أولاً، وأدعو النساء أن يتمردن على هذا النوع من الأحذية ولا ينتعلن إلا ما يريحهن.

ودمتنَّ بود.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زهرة خدرج
كاتبة وروائية وناشطة فلسطينية
كاتبة وروائية وناشطة فلسطينية
تحميل المزيد