رحلات سياحية ولكن لحقن البوتكس وتصغير الأنف!

عربي بوست
تم النشر: 2019/07/21 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/21 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش
خضعت أكثر من 15 مليون امرأة حول العالم لعمليات التجميل المختلفة

إذا كنتِ تشعرين بأنكِ لستِ راضيةً عن مظهَرِكِ ووزنك فمرحبا بكِ وسط 89% من نساء العالم، طبقاً للدراسات الموسَّعة التي أجرتها شركة "دوف" على 13 دولة في مختلف القارات.

منذ أن أصبحت أغلفة المجلات العالمية هي مصدر معايير الجمال التي تُصدَّر للعالم أجمع، باتت المرأة في صراع دائمٍ مع المرآة، للوصول إلى المظهر المثالي المزعوم، ومع استحالة تطابُق جميع النساء مع الصور التي يتم الترويج لها، لجأت العديد من النساء إلى الجراحات التجميلية وجراحات تنحيف الجسد.

فطبقاً لآخر الدراسات الدولية خضعت أكثر من 15 مليون امرأة حول العالم لعمليات التجميل المختلفة، التي تسافر من أجلها النساء إلى بلدان بعينها، مشهورة بالبراعة في إجراء عمليات التجميل، وأصبح هذا مع مرور الوقت مدرجاً تحت بند السياحة العلاجية، التي تمثل نسبة 10% من حركة السياحة العالمية، ويستوي في هذه السياحة النساء والرجال، خصوصاً في جراحات تجميل الأنف والتنحيف، وشدَّ الجلد، وحقن البوتوكس. واللافت تزايُد نسبة إقبال الرجال على هذه الجراحات بنسبة 40%.

انخفاض الثقة بالجسد أصبح ظاهرةً عالميةً، حتى في الدول التي تُصدر وتضع معايير الجمال، مما دفع العلماءَ إلى محاولة الوصول إلى مصدر الخلل الحقيقي الذي دفع بهذه الظاهرة للطفو على السطح، مع تتبُّع هذه الظاهرة وُجِد ارتباط لصيق بينها وبين ظهور صناعة السنيما في العشرينات من القرن الماضي، وازداد بدخول شاشة التلفاز إلى المنازل، وصناعة الإعلانات التي استُخدمت فيها المرأة للترويج والتسويق لهذه السلع، فكانت هذه الظواهر حافزاً كبيراً في شراء السلع المُعلن عنها، أو المتوافر حتى وجودها في الأفلام. ساهم ذلك في بروز صناعة المواد التجميلية، التي تحوَّلت من مجرد سلعة ترفيهية إلى سلعة لا غنى عنها، لاسيما في طبقات اجتماعية معينة، على الرغم من أن تاريخ صناعة المواد التجميلية يعود إلى ما قبل خمسة آلاف عام!

يُعد استخدام المرأة في صناعة الإعلان من الأسباب الرئيسية لرواج صناعات التجميل والتنحيف، وقولبة المرأة في صورة واحدة لا تقبل التبديل، وهي المرأة النحيفة البيضاء، ذات الأشقر الفاتح، فقدَّمت الإعلانات نموذج المرأة الشيء "objectification"، وتم ربطها بصورة المنتَج المقدَّم، مما أدى إلى تهميش كيانها كأنثى منتجة، وفرد مساوٍ في المجتمعات، وذلك لصالح الاستهلاكية التي صنعها تطاول الرأسمالية الفجّ على كل شيء، منذ منتصف القرن العشرين بالتقريب.

لعبت هذه الصناعات على رغبة المرأة في أن تشعر بالجمال بشكل دائم، فلا مجال لترك النساء يتماشَين مع مشاعرهن الطبيعية، فعلى سبيل المثال لم يعد من الطبيعي أن تبدو المرأة متوعّكة، أو تظهر بشكل مَرَضي بعد قيامها بعملية كبيرة تكاد تودي بحياتها كالولادة، فلا بد من وضع مستحضرات التجميل أثناء الذهاب إلى المستشفى للولادة، وإن لم تتمكن من وضعها بنفسها تتكفل بها الصديقات والقريبات، على سبيل إظهار المحبة، وكأنَّ الظهور بمظهر طبيعي، يدل على الحالة التي تمرُّ بها المرأة، من شأنه الانتقاص من وضعها.

لم يتوقف الوضع على مجرد استخدام المرأة للترويج للمنتجات النسائية، بل تطوَّر الأمرُ إلى استخدامها في الترويج للأدوات الرياضية، والأدوات الصحية الخاصة بالرجال، والسيارات، والهواتف المحمولة، والأجهزة المنزلية، وأدوات المساج، ومواد التخسيس، والعطور. وعلى الرغم من كل ما تم ذكره فهناك نسبة تصل لأكثر من 60% من النساء غير راضيات عن تقديم المرأة في صورة سلعة، والترويج لمظهر معين يضع المرأة في قالب واحد للجمال.

وبناء على ذلك، طالبت بعض منظمات حقوق المرأة بتنظيم حملات للضغط على الحكومات، لاتخاذ موقف حاسم تجاه ما يحدث من استغلال للمرأة للترويج عن السلع، كما حدث في بعض الدول التي تم الضغط عليها لمنع إعلانات السجائر، فما كان منها إلا منعها أو السماح بعرضها بعد التاسعة مساءً، فهذه المناشدات غرضها الحماية، لأن هذا النمط من الإعلانات يُسهم في تدمير الصورة الذاتية للمرأة، ويجعلها تشعر بنقص دائم، ومن شأن هذا أن يتسبب بحالة دائمة من الاكتئاب، مما يؤدي إلى مشاكل سلوكية ونفسية في الأسرة، إضافة إلى أنه يُغيّر نظرة الرجل إلى المرأة بشكل عام، مما يُولِّد صورة ذهنية لا تتفق مع الواقع، وهو أن كلَّ امرأة تحظى بجمالها الخاص.

هل النحافة هي المعيار السليم للجمال والصحة الجسدية؟ بالطبع لا، فقد أثبتت العديد من الدراسات أنَّ النحافة كلما كانت مبالغاً فيها أثَّرت على الوظائف الحيوية للجسد، فعلي سبيل المثال عندما توغَّلت معايير المبالغة في النحافة في سبعينات القرن الماضي، ظهر لأول مرة مرض فقدان الشهية، وكان له تأثير مخيف على صحة النساء إلى درجة الهزال، والوهن أحياناً، وتطوَّر الأمرُ في السنوات الأخيرة لدرجة جعلت من المستحيل مواكبتها، وتسبَّب ذلك في خلق جوٍّ دائمٍ من نقمة النساء على أجسادهنَّ، فطبقاً للإحصائيات الحديثة هناك نسبة 65% من النساء اللاتي يتمتَّعن بجسد طبيعي يرونَ أنَّ أجسدَاهنَّ سمينة وممتلئة.

ويعدُّ هذا ضريبةً تدفعها المجتمعات، نتيجة للسماح لهذه الثقافات الترويجية بالاستمرار، ففي النهاية لم يُخلق الكون بغرض التماثل والتشابه، بل الاختلاف والتنوع جزء أساسي من ماهية الكون، وتباين سمات الجمال في البشر وسائر المخلوقات جزءٌ تكاملي من النظام الكوني المُحكم، والخضوع للمعايير الزائفة المروَّج لها لا يصبُّ إلا في مصلحة أصحاب الإمبراطوريات الرأسمالية، والمتضرر الحقيقي هنا هو سائر المجتمع، الذي لا ينصلح له حال من دون علاقة قوية سوية بين المرأة والرجل، اللذين تمّ الزجّ بهما في معركة وهمية للبحث عن الجمال المقولَب.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

هند عزت
كاتبة في عدد من المواقع المصري
هند عزت، مصرية الجنسية، عمري 36 عاماً، متزوجة، ولديّ طفلان، تخرجت في كلية التجارة وإدارة الأعمال، جامعة القاهرة، قسم المحاسبة المالية، قمت أيضاً بدراسات حرة بكلية الفنون الجميلة قسم التصوير الزيتي. عملت مذيعةً لعامَين براديو أونلاين أرابيسك، ولديَّ خبرات عمل أخرى عديدة، لكن بعيداً عن الصحافة. عضو حزب الدستور، وأمين اللجنة الإعلامية بحزب الدستور، بمقر الدقي منذ عام 2013 وأكتب في مجلة نون الإلكترونية التابعة لجريدة الوطن.
تحميل المزيد