أن تكوني أماً لطفل مريض بالسرطان!

عربي بوست
تم النشر: 2019/07/11 الساعة 16:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/11 الساعة 16:19 بتوقيت غرينتش
هؤلاء الأمهات الحِلوات بحكاياتهن التي لا تنتهي يستحققن منا دعماً وحضناً ودعوة حلوة

بدأت مراسم الاحتفال بتشغيل بعض الأغاني وتوصيلها على سماعة ذات صوت صاخب، وكعادة السيدات في التجمعات بدأت كل واحدة في التعبير عن سعادتها سواء بالرقص أو بالزغاريط المبهجة، وبدأت الأجواء تزيد صخباً وفرحة بتشغيل أغاني المهرجانات السريعة، ليقوم الأبناء بمنافسة أمهاتهم فى الرقص. 

لم يقاطع هذا الجمع سوى وضع الحلوى، فالتفَّ الجميع حول المائدة، ليغنوا أشهر أغاني الأمهات وابتساماتهن تتعلق بها دمعة أمل، وبين بهجة الأمهات وفرحة الأطفال بتناول الحلوى يتغير الحال، فتقوم إحدى الأمهات مهرولة بعد أن أخبرتها المشرفة بأن ابنتها بدأت أعراض السخونية تظهر عليها، ولأن سمر تعاني زيادة مفرطة في وزنها وبتر إحدى قدميها نتيجة المرض، حملتها أمها وإحدى الأمهات وساعدتاها لدخول الحمام، ثم أخذت قسطاً من الراحة، ثم تستأذن إحدى الأمهات مع ابنها للذهاب إلى المستشفى وأخذ جرعة الكيماوي وقضاء الليلة بالمستشفى.

فما بين لحظات سعادة وبهجة خالصة ولحظات ألم ومرض، كثير من الحكايات والشَّقاء تحملها كل أمٍّ، هن أمهات الأقاليم اللاتي تصالحن مع صدمة أن يكون لديهن أطفال مصابون بالسرطان، فأصبحت حربهن ضد المرض والغربة، فتركوا أقاليمهن البعيدة وهن يحتضنّ أولادهن بيد واليد الأخرى يحملن بها حقائب السفر وبواقي أمل بالشفاء التام..

هل كانت أم محمد تعلم أن صغيرها الذي اعتبرته تعويضاً لها عن كل الصعوبات التى مرت بها سيصاب بهذا المرض اللعين؟!

تتكلم بمنتهى الهدوء وهي تقول: أنا وحيدة.. ليس لديَّ أخوات، من البحيرة، وتوقعت أن الدنيا أرادت مصالحتي بزوج رائع وابن صالح، وكنت أحلم بأن يصبح لي دستة عيال، فلم نكن نحمل أنا وزوجي أي هموم في الدنيا، وكنا على يقين بأن الله سيرزقنا برزق عيالنا، وأن العزوة والعيلة أهم شيء حتى تُوفي، ووقتها تماسكت من أجل محمد؛ فهو عمله الصالح. 

ورغم أنني لم أعتد العمل، فإنني اضطررت إليه، حتى أصرف على محمد وأقوم بتعليمه.. كنت أربي الدواجن فى البيت وأبيعها في السوق وأقلي الطعمية وأعمل سندوتشات الفول بالشارع، فأكسب قوت يومي وأشكر ربي، ولا أتمنى أكثر من ذلك حتى جاءت الضربة الثانية، ولكنها كانت الأشد.. مرِض محمد، واحترنا ما الذي يمكن أن يصيبه ويجعله دائماً هزيلاً ومصاباً بالغثيان والدوار هكذا؟! حتى تأكد مرض ابني بالسرطان، وقررت أن أحمل ابني وانتقل إلى القاهرة، ليباشر علاجه بمستشفى 57357 للأطفال وهو يتناول الكيماوي لمدة سنة، ولا يزال لدينا 7 أشهر من العلاج.

وعن سر تماسكها تقول: السر في الرضا، فأنا مؤمنة بأن الله لا يعطي أحداً أكبر من طاقته، وأنا لو سمعت عن شيء مثل هذا قبل مروري به، فلن أتخيل نفسي في هذا الوضع، ولكن الله دائماً يرسل إلينا قلوباً طيبة تحتضن وجعنا، فالأمهات كلهن أخواتي، وأبناؤهن أخوات محمد.

أما أم أسماء فملامح وجهها تشبه طيبة وشوش أمهاتنا وسماحتها، فهي لديها خمسة أطفال غير أسماء وزوج مشلول يحتاج عكازاً، وليس لديها ما يكفي لشرائه للأسف، ولكنها تركت جزءاً من الأبناء، وجاءت بالصغار منهم مع أسماء من الصعيد، ولديها أمل في علاج ابنتها وتيسير حال أسرتها.

وعن سمر، تلك الشابة الجميلة التي أثبتت أن الأمومة لا ترتبط بالحمل والإنجاب، سأحكي لكم، باختصار.. سمر وُلدت يتيمة الأب والأم، وتحملت مسؤولية أدهم أخيها وأختهم الصغيرة التي ماتت والدتها وهي تلدها، تزوجت وأنجبت ولا تزال تلعب دور الأم والأب لإخوتها بجانب أولادها، حتى تعرَّض أدهم لسرطان بالمخ.. لم تفكر كثيراً، بل تركت كل حياتها بالإسكندرية وجاءت بأدهم إلى القاهرة، ليكمل علاجه منذ عام ونصف العام.

أدهم قام بأكثر من عملية بالمخ، وتضاعف وزنه ليصبح غير قادر على الحركة، ورغم ذلك كان لديها إيمان ويقين بأنه سيتجاوز هذه المحنة، وبالفعل تعافى وأصبح شاباً صغيراً وسيماً، واستعاد رشاقته ووزنه، والآن هو في المراحل الأخيرة من العلاج، وسمر وراءه بلستة أحلامهما في أن يتخرج في الجامعة وتراه عريساً وتحمل أولاده أيضاً!

أم لميا.. هي أمٌّ شابة جميلة، مليئة بالحيوية والشقاوة، مظهرها العصري ورشاقتها وخفة حركتها لا توحي أبداً بأنها أمٌّ لثلاثة أطفال، من ضمنهم لميا الصغيرة التي تعتبر نسخة مصغرة من أمها ولكن بخفة دم وشقاوة زيادة.. تتكلم مع الجميع وفجأة تردد أغنية "لأ لأ" وهي ترقص، ثم تعاود الكلام مرة أخرى، أم لميا أيضاً تعتبر مرض لميا محنة، متأكدة من تجاوزهم لها وهي تحمل ابتسامتها وشقاوتها.. ربما السبب رائحة البحر التي تشمها بمجرد رؤيتك لهما، فهما من رأس البر، ولا تخلو حكاياتهما عن البحر واللسان وحلوى دمياط التي لا تزال أحلى وأطعم ما تذوقوه.

هن نوع مميز جداً من النساء.. يحملن من التناقضات الكثير طبقاً لظروفهن، فليس غريباً أن تجد إحداهن ترقص بحرارة أو تطلق زغروطة بإحدى حفلات أعياد ميلاد الأطفال، وبعدها بدقائق تحتضن ابنها الذي قاء وسخن من آثار جرعة الكيماوي الأخيرة، فهؤلاء الأمهات الحِلوات بحكاياتهن التي لا تنتهي يستحققن منا دعماً وحضناً ودعوة حلوة.

* الصور والمصادر من الاحتفال بعيد الأم لنزلاء "دار الحبيب المصطفى لضيافة أطفال مرضى السرطان".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مي نجم الدين
مدونة وأم لتوأم وصحفية سابقة
تحميل المزيد