اضطراب التعلق حالة نفسية تشرح نفسها من اسمها. يعانيها الأطفال الرُّضَّع عندما يفشل الكبار في تلبية احتياجاتهم، فيواجهون صعوبة في التواصل والتعلق بالآخرين طوال الحياة، وقد يُظهرون قسوة غير مسوَّغة تجاه البشر والحيوانات.
ففي مرحلة مبكرة من الطفولة يبدأ الأطفال في تكوين مساحاتهم الآمنة سواء مع والديهم أو عائلاتهم أو مُقدِّمي الرعاية، ويُظهر الأطفال قلقاً صحياً عندما يغيب عنهم أولئك الأشخاص.
عندما لا تُلبَّى هذه الحاجات، يصبح الأطفال بالتبعية غير قادرين على الارتباط بهم؛ وهو ما يؤدي إلى اضطراب في التعلق.
التدخل المبكر مهمٌّ، ومن دون علاج قد يعاني الأطفال مشاكل مستمرة طوال حياتهم.
نستعرض في هذا التقرير أسباب اضطراب التعلق وأعراضه، وكيف يمكن التعامل معه.
أهمية التعلق
تساعد التجارب الإيجابية المتكررة مع مُقدِّمي الرعاية للرُّضَّع على تطوير ارتباط آمن، فعندما يستجيب شخص بالغ لصرخات الطفل عن طريق إطعامه أو تغيير الحفاض له أو هزّه، يتعلم الطفل الثقة بهذا الشخص للحفاظ على سلامته.
يميل الأطفال المُرتبطون بشكل آمن إلى:
1- تشكيل علاقات أفضل مع الآخرين.
2- حل المشكلات التي تواجههم بسهولة أكبر.
3- القدرة على تجريب الأشياء الجديدة، والقدرة على الاستكشاف بشكل مستقل.
4- تكون لديهم ردود أقل تطرفاً وحدَّة عندما يتعرضون للتعب والإجهاد.
اضطراب التعلق
قد يصاب الأطفال الذين يعانون ردوداً سلبية أو غير متوقعة من مُقدِّمي الرعاية باضطراب التعلق، فيشعرون بأن التعامل مع الآخرين غير آمن، وقد يرون أن البالغين غير موثوق بهم، ويفقدون ثقتهم بالمحيطين بهم بسهولة.
بإمكان هؤلاء الأطفال: تجنُّب الناس، والمبالغة في الضيق وإظهاره، وإظهار الغضب والخوف والقلق، ورفض التواصل مع الآخرين.
أعراض اضطراب التعلق
عدد قليل من الأبحاث أُجري حول حالات ما بعد مرحلة الطفولة المبكرة، وتظل إثباتات حدوثه لدى الأطفال الأكبر من 5 سنوات غير مؤكدة.
تتضمن العلامات والأعراض ما يلي:
1- انسحاب من أي تفاعل اجتماعي، أو خوف أو حزن أو هياج غير مُسوَّغ.
2- مظهر حزين وفاتر.
3- عدم طلب الراحة والعاطفة من المحيطين، أو عدم الاستجابة عند منح الراحة أو العاطفة.
4- الإخفاق في الابتسام.
5- مراقبة الآخرين من كثب دون المشاركة في التفاعل الاجتماعي.
6- الإخفاق في طلب الدعم أو المساعدة.
7- الإخفاق في التواصل عند التعارف مع شخص آخر.
8- عدم الرغبة في المُشاركة في الألعاب التفاعلية.
أنواع اضطرابات التعلق
هناك نوعان من اضطرابات التعلق:
1- اضطراب الارتباط الاجتماعي
هناك علامة كلاسيكية على هذا النوع، وهي التعاطف مع الغرباء. قد يلجأ الطفل إلى إظهار الشعور بالراحة مع شخص غريب، وقد يجلس الطفل ويستكين تماماً في حضنه، ولا يُظهر أي شعور بالضيق عندما لا يكون مُقدِّم الرعاية موجوداً.
2- اضطراب الارتباط التفاعلي
وهو اضطراب قد يظهر في الطفولة المبكرة، وينطوي على فشل الطفل في أن يجد الراحة مع مقدم الرعاية.
قد يقاوم الطفل المُصاب للشعور بالراحة الجسدية تجاه مُقدِّم الرعاية، وقد يتجنب الطفل الاتصال بالعين.
نتائج أكثر تعقيداً
من المحتمل أن يعاني الأطفال المصابون باضطرابات التعلق أكاديمياً واجتماعياً وعاطفياً وسلوكياً، ويكونون أكثر عُرضة لخطر إحداث مشكلات والتورط في قضايا قانونية خلال فترة المراهقة.
كذلك فإن الأطفال الذين يعانون اضطرابات التعلق يميلون إلى انخفاض معدل الذكاء، وهم أيضاً أكثر عُرضة لوجود مشاكل في اللغة، وخطر الإصابة باضطرابات نفسية.
دراسة نُشرت عام 2013، فحصت الأطفال الذين يعانون اضطرابات التعلق، وتوصلت إلى:
52 % من الأطفال تكون لديهم مشكلات فرط الحركة ونقص الانتباه.
29 % منهم لديهم اضطرابات تتعلق بالتحدي والمعارضة.
29 % لديهم اضطرابات في السلوك.
19 % لديهم اضطراب ما بعد الصدمة.
14 % لديهم اضطراب طيف التوحد.
14 % لديهم رهاب مُعين.
بينما 1% منهم لديهم اضطراب التشنج اللاإرادي.
الأشخاص الأكثر عرضة
غالباً ما يتم اكتشاف اضطرابات التعلق في عيد الميلاد الأول للطفل، وتتضمن علامات التحذير المبكرة الفشل في التطور الاجتماعي أو عدم الاهتمام بالتفاعل.
ومن بين الأطفال الأكثر تعرضاً للخطر:
1- الأطفال الذين لديهم عديد من مُقدِّمي الرعاية البديلة.
2- الأطفال الذين قضوا بعض الوقت في دار للأيتام.
3- الأطفال الذين عانوا أحداثاً مؤلمة متعددة.
4- الأطفال الذين نُقِلوا بعيداً عن القائم بأعمال الرعاية الأولية بعدما شكَّلوا رابطة صحية معه.
سلوكيات تمتد لمرحلة البلوغ
لا يُشفى الأطفال من اضطرابات التعلق بمفردهم، وهو شيء لا ينبغي إهماله، لأن أعراضهم قد تتطور مع تقدُّمهم في العمر.
وإذا تُرك هذا الاضطراب دون علاج، فمن المُحتمل أن تستمر مشكلاته وصولاً إلى مرحلة البلوغ، وقد يتمثل هذا الاضطراب حينها في صعوبة تنظيم المراهقين لعواطفهم.
تشير أبحاث إلى أن بعض الأطفال والمراهقين المصابين باضطراب التعلق تبدو عليهم سمات طائشة، تنقصها العاطفة، وضمن ذلك مشاكل سلوكية، وقسوة غير مسوَّغة تجاه البشر والحيوانات.
علاج اضطراب التعلق
الجانب الأكثر أهمية في مساعدة الطفل على تطوير ارتباط آمن هو توفير بيئة مستقرة وصحية، فمن غير المحتمل أن يستطيع الطفل الذي يستمر في الانتقال من الحضانة إلى المنزل أو من يُقيم بدار للأيتام تكوين روابط صحية مع مُقدِّم الرعاية.
حتى عندما يتم وضع طفل مُصاب باضطراب التعلق في منزل مُستقر وآمن مع مقدم رعاية ثابت، فإن الأعراض لن تُحل فوراً، لأن الأطفال في هذه الحالة يميلون إلى دفع مُقدِّمي الرعاية لهم بعيداً عنهم، فيرفضونهم ولا يتقبلونهم بسهولة.
وغالباً ما تقف مشكلات السلوك لدى الأطفال حائلاً بينهم وبين مَن حولهم، فهذا الاضطراب يتطلب العلاج المُستمر المُكثف.
مع العلاج، قد تصبح علاقات الأطفال المصابين باضطراب التعلق مع القائمين على رعايتهم ومع غيرهم علاقات صحية تتسم بمزيد من الاستقرار.
وتشمل العلاجات: المشورة النفسية، أو استشارات وتثقيف للوالدين أو مقدمي الرعاية، وتعلُّم التفاعلات الإيجابية بين الطفل ومقدم الرعاية، وخلق بيئة مستقرة وحاضنة.
كيف يمكنك حماية طفلك من هذا الاضطراب؟
1- خذ دروساً أو تطوَّع مع الأطفال: إذا كنت تفتقر إلى الخبرة أو المهارة للتعامل مع الرُّضَّع أو الأطفال، فسيساعدك هذا في تعلُّم التفاعل بطريقة إيجابية.
2- تفاعَل مع طفلك بنشاط: عن طريق اللعب والحديث والتواصل البصري والابتسام.
3- تعلَّم تفسير إشارات طفلك: مثل أنواع البكاء المختلفة، فتلبِّي احتياجاته أو احتياجاتها بكفاءة.
4- توفير التفاعل الدافئ: الذي يتمثل في الاهتمام بتناول الطعام أو الاستحمام أو تغيير الحفاضات.
5- أداء استجابات لفظية أو غير لفظية: من خلال اللمس أو تعابير الوجه أو نبرة الصوت.