واستطردت الكاتبة الشهيرة حكايتها وقالت إنها بعد أن صعدت لغرفتها بالفندق الذي أُجري فيه الملتقى، تلقت خطاباً من سيدة إنجليزية كانت بالمحفل، تخبرها السيدة أنها من أشد المعجبين بأعمال إليزابيث وأنها ملهمتها، وكان كل هذا قبل اليوم لما تحدثت جيلبرت عن الشغف في مناسبات عدة، وكيف نجح خطاب الكاتبة في تأجيج مشاعر الفشل والإحباط والقصور لدى السيدة الإنجليزية، وكم أشعرها أنها بعد تلك السنين شخص بلا شغف، بلا هدف، ولا يتقن أي شيء، ولا يمارس أي نوع من الفنون وبلا هوية أو وجهة.
سألتها في الخطاب: "ماذا لو كنت شخصاً بلا شغف؟ أو ليس لي هواية بعينها؟ ماذا لو كنت شخصاً يحب أشياء عديدة بنفس الدرجة ولا يستهويني شيء بعينه أمارسه بإتقان ولا أمل منه مطلقاً؟ ماذا لو كان حديثك عن الشغف يحبطني ويشعرني بالتعاسة والفشل اللامتناهي؟ أنت نجحتِ في جعلي أشعر باليأس والعجز بحديثك عن شغفك الذي حقق لك الشهرة والنجاح، ومن الواضح من حديثك أنه شيء موجود عند أغلب الناس، وفيما يبدو أن الشغف يظهر مع كثرة البحث، وأغلب الظن أنه واضح وظاهر عند معظم الناس.. أو كل الناس إلا أنا!.. لقد آيست من شغفي الذي لن يظهر أبداً".
وهنا كان رد إليزابيث في غاية الحكمة، حيث أكدت أن هناك الكثير من الناس يمتلكون العديد من المواهب والقدرات، الشغف ليس له خارطة طريق.. لا يوجد شيء يملي عليك ما تفعلينه، لا يوجد افعل كذا ستجد كذا، كل له طريقه، وكل شخص يحقق أهدافه حسبما رسمت أقداره، وليس هناك مشكلة أبداً في أنك لا تحبين شيئاً بعينه عزيزتي، ولا يتعين عليك الشعور بالعجز، كل منا رحلته مختلفة عن الآخر وشغفه مختلف عن الآخر، إن لم تجدي شغفك الآن فلا بأس، ستجدينه غداً، مَن منا كان يعلم ماذا سيكون حين يكبر، لا يجب أن تتبعي شغفك إن كان هذا مرهقاً، فقط اتبعي فضولك.. وصدقيني ربما أبدو لك كاتبة ناجحة ومشهورة يأتيني الناس فأسديهم النصيحة وأبدو مثالية، لكن الحقيقة غير ذلك… لقد مرت عليَّ أوقات عصيبة لم يحبني أحد، ولم يهتم لأمري أحد وشعرت كثيراً بالفشل والألم والعجز وقلة الحيلة، وحينها لم أجد إلا صديقتي المخلصة رييا، سورية الأصل، التي عانت مع مَن عانوا وتحملت الصعاب وتبدلت أحوالها من مغنية إلى مصففة شعر ثم مصممة أزياء ثم مصورة فوتوغرافية ثم صانعة أفلام ثم كاتبة، والآن سمسارة عقارات، وكل هذه التحولات مرت بالعديد من المحطات والعثرات التي تضمنت إدمان الهيروين لفترة، وكانت من المشردين وأيضاً من زوار المصحة الدائمين… صديقتي رييا الصادقة الحكيمة الحنونة هي من ألجأ إليها، فهي تستمع إليَّ دون أن تهرول لإصدار الأحكام، تحولات رحلتها الشاقة صنعت منها شخصاً رقيق القلب يسمع الشكوى ويهرع للمساعدة، ولديه الكثير من الحكمة والتعاطف، وهي من الأشخاص الذين يسعون بين العديد من الأشياء ويحبون الكثير من الأشياء وليس فقط شغفاً واحداً، وهي مَن أذهب إليه للنصيحة دون خوف من النقد.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.