شاحنات للأكل وأطباق نباتية.. المرأة السعودية تبدأ ثورة في قطاع المطاعم

بمجرد أن قرَّرت رَمَح نصيف وشريكتها التجارية وضع رخام أخضر على الطاولات في مطعم نباتي سعودي افتتحاه، كان من الضروري خوض رحلة داخل مصنع الرخام الذي لا يعمل به إلا الرجال.

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/04 الساعة 06:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/04 الساعة 06:42 بتوقيت غرينتش
بفضلها انتشرت المطاعم النباتية/ istock

بمجرد أن قرَّرت رَمَح نصيف وشريكتها التجارية وضع رخام أخضر على الطاولات في مطعم نباتي سعودي افتتحاه، كان من الضروري خوض رحلة داخل مصنع الرخام الذي لا يعمل به إلا الرجال.

قالت وهي تصف كيف أنَّهما كانتا المرأتين الوحيدتين في المكان: "بمجرد أن دخلنا، كان الناس ينظرون إلينا كما لو كنا فضائيين. كنا هناك نجادل ونُفاصِل في الأسعار، لكن أحياناً كنتَ تشعر بأنَّك تعاني لمجرد أن تصمد وتجعلهم ينصتون إليك. إنَّهم غير معتادين التعامل مع النساء".

المرأة السعودية تقتحم قطاع المطاعم

 مطعم نباتي سعودي
حافظت المرأة السعودية على صورتها التقليدية/ istock

وفي مجتمعٍ محافظ واجهت فيه المرأة تقليدياً قيوداً صارمة في حياتها اليومية، تلفت رَمَح ومثيلاتها الأنظار.

بدأت المرأة السعودية اختراق قطاع صناعة الطعام، لتضع نفسها في طليعة ثورة تختمر في أماكن العمل بمباركةٍ من حكام المملكة.

يقف خلف هذه الثورة الحاكم الفعلي للمملكة ولي العهد محمد بن سلمان، الذي ينظر كثيرون إلى قيادته باعتبارها مُتناقِضة.

فمن ناحية، سجنت الرياض بعض أبرز الناشطات، في حملة قمعٍ استهدفت المعارضة، وتلقَّت سمعتها ضربة بقتل الصحفي جمال خاشقجي.

ومن الناحية الأخرى، جعلت إدخال مزيدٍ من النساء إلى قوة العمل أولوية لها، في ظل سعيها لخلق وظائف بالقطاع الخاص، باعتبار ذلك جزءاً من إصلاحات اجتماعية واقتصادية شاملة.

صناعة الأغذية أحد القطاعات التي تريد الدولة "سعودتها"

تتخرج نحو 200 ألف خرِّيجة من الجامعات سنوياً، بحسب إحصاءات وزارة التعليم.

لكنَّ المُوظَّفات يُشكِّلن أقل من 20% من مجموع العمالة، وقرابة ثلث النساء الراغبات في العمل عاطلات.

وحدَّدت الحكومة صناعة الأغذية باعتبارها أحد القطاعات التي توجد فيها إمكانية للتغيير، إذ كشفت دراسة حديثة أجرتها مجموعة تجارية محلية، أنَّ 87% من العمال في المطاعم والمقاهي أجانب.

وأعلنت الحكومة في فبراير/شباط 2019، خططاً لمضاعفة عدد السعوديين في القطاع عن طريق إضافة 50 ألف مواطن بحلول عام 2023، ولن تكون قادرة على عمل ذلك من دون النساء.

شاحنات الطعام المتنقلة ظاهرة جديدة في شوارع السعودية

وبدأت بعض رائدات الأعمال في الرياض وجدة ارتياد آفاق جديدة بأكثر من طريقة.

وذلك بأن يصبحن جزءاً من ظاهرة مألوفة أكثر في شوارع المدن الأمريكية: شاحنات بيع الطعام.

لم يكن من الممكن التفكير في المطابخ المتنقِّلة التي تديرها النساء قبل سنواتٍ قليلة، ببلدٍ لم يرفع حظر قيادة السيارات الذي كان مفروضاً على النساء إلا الصيف الماضي.

لكنَّ الشباب السعودي تشبَّث بهذا الاتجاه، فتابعوا الشاحنات على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتبُّع مواقعها ومعرفة محتويات قوائم الطعام.

فطائر بان كيك في جدة بيد شابات سعوديات

تحمل إحداها اسم Razi's Truck، وهي مَركبة يصعب عدم ملاحظتها؛ فهي مطليّة باللون الوردي الفاتح، ومُزيَّنة بأضواء ساطعة، وتعتمد على مُولِّد صغير (حين لا تكون سائرة على الطريق) في مدينة جدة الساحلية.

تُشغِّل بشاير بهرمز، وهي مُحاسِبة خِرِّيجة تبلغ من العمر 26 عاماً، الشاحنة مع صديقتها التي جاءت بفكرة بيع فطائر بان كيك صغيرة مُغطَّاة بطبقات من شوكولاتة النوتيلا والفستق، وهي الحلوى التي اعتادت إعدادها لعائلتها.

وقالت لصحيفة The Financial Times إنَّ المبيعات تتأرجح بين يومٍ وآخر، لكنَّ المكسب الحقيقي يتحقَّق في أثناء المهرجانات والفعاليات.

وأضافت: "حققنا ربح شهر في يومٍ واحد خلال حفلة المغنية ماريا كاري الشهر الماضي (مارس/آذار 2019)".

بعض الرجال منزعجون من وقوف المرأة مع الزبائن

وقالت بشاير إنَّ معظم الزبائن كانوا ودودين وداعمين، لكنَّ البعض أظهروا رفضهم.

فقالت: "قال لي رجل لطيف كبير: (أشعر بالحزن حين أرى فتيات يعملن في وظيفةٍ كهذه)".

وبالنظر إلى اعتزازها بكونها رائدة أعمال، جعلها هذا التعليق في حيرة.

فقالت: "لا أفهم هذا. هذا مشروعي!".

وسجَّل رجلٌ آخر رفضَ الثورة في أماكن العمل، مقطع فيديو لامرأتين في شاحنة طعام بالرياض في ديسمبر/كانون الأول 2018، ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال مالِك الشاحنة، وهو رجل أعمال شاب وظَّف المرأتين لإدارة الشاحنة، إنَّه سيقاضي الرجل بتهمة التشهير.

تعكس ردود الفعل تلك انزعاج بعض السعوديين المحافظين الذين يشعرون بالاغتراب المتزايد الناتج عن التغييرات التي تكسر المحظورات (التابوهات) حولهم، بدءاً من ظهور النساء في المجال العام وحتى تشغيل موسيقى البوب والروك بالمقاهي.

قلة الوظائف الرسمية أجبرت السعوديات على دخول معترك القطاع الخاص

قلة الوظائف دفعت السعوديات للبحث عن فرص/ istock

بالنسبة لغالبية السعوديين، كان العمل تقليدياً يعني الحصول على وظيفة في القطاع العام تُوفِّر راتباً وأمناً لائقَين.

لكنَّ فرص العمل الحكومية تتقلَّص بالسنوات الأخيرة في ظل شد المملكة الحزام، فاختار كثير من الشباب بدء مشروعاتهم الخاصة.

قالت كريستين ديوان، الباحثة الأولى بمعهد دول الخليج العربية في واشنطن: "هناك تعطُّشٌ حقيقي إلى العمل الذاتي الأكثر تحقيقاً للذات لدى جيل الألفية. والحكومة السعودية تتبنّى هذا التغيُّر الثقافي".

ورغم ذلك.. ما زالت القوانين غير واضحة ومتضاربة مع المجتمع

وفي بلدٍ كانت سلاسل الطعام السريع الأمريكية تهيمن عليه من قبل، بات ظهور جيلٍ جديد من الطُّهاة السعوديين يمنح الزبائن أيضاً مجموعة أوسع من أنماط المطاعم المُطوَّرة محلياً.

ولن تبدو مطاعم Social Kitchen الشهيرة، بمواسيرها المكشوفة وجدرانها الطوبية، غير متناغمة مع محيطها في أماكن مثل بروكلين أو برلين، لكنَّها في جدة تمثِّل مغامرة تخوضها بسمة الخريجي.

فعلى سبيل المثال، كانت قلقةً في البداية من ألا يُعجَب الزبائن بالتقارب بين الطاولات، لأنَّ كثيراً من العائلات السعودية تُفضِّل تناول الطعام في أماكن خاصة، حتى لا تُرى النساء وهُنَّ يرفعن النقاب من أجل تناول الطعام.

وصُدِم البعض لرؤية بسمة، التي تلقَّت دوراتٍ في الطهي بالمملكة المتحدة، ترتدي ملابس الطهاة السوداء وتدير المطعم.

وقالت إنَّ موقف السلطات هو: "امضي قُدُماً وافعليها". لكنَّ هذا لم يعنِ أنَّ القواعد واللوائح المتعلِّقة بالنساء واضحة.

فقالت بسمة وهي تقضم شطيرة صغيرة من تاكو التونة: "كان غياب الوضوح هو الأمر الأكثر إزعاجاً: فما هو المسموح وما هو غير المسموح؟".

وأضافت: "ظل الناس يقولون: هل بإمكانك حقاً فعل هذا؟ حسناً، هذا مطعمي، وأعتقد أنَّه يمكنني فعل هذا".

تحميل المزيد