بشعرها الورديِّ الفاتح وسروالها الجينز العصري، تبذل دعاء بسَّام مجهوداً كبيراً لإعادة تعريف ما يَعنيه أن تكون امرأة سعودية في العصر الحالي.
حين كانت في الرابعة عشرة من عمرها، تعلَّمت دعاء كيف تغيِّر زيت محرك سيارة والدها، وراودها حلمٌ بأن تمتلك سيارة كلاسيكية من طراز "ترانز إم". وعلى الرغم من أنها اعتقدت حينها أنَّها ستُمنَّع من قيادة السيارة الأنيقة، فقد رغبت في التمتع بتفكيك محرك السيارة وإعادة تركيبه مرة أخرى.
وفي سن السابعة عشرة، تزوجت زواجاً تقليدياً. وخلال عام، وضعت طفلها الأول وطُلِّقت ثم تزوجت مرةً أخرى وطُلِّقت ثانية.
دعاء اليوم 29 عاماً، وهي أمٌّ منفصلةٌ تعمل وتعول نفسها، وتُخطِّط لأن تكون من أوائل السعوديات اللائي يقدن السيارات يوم الأحد المقبل 24 يونيو/حزيران 2018، غير أنَّ دعاء لن تقود سيارة رياضية؛ بل ستقود دراجة هارلي النارية.
تقول دعاء لصحيفة New York Times الأميركية: "كنت دائماً متمردةً وأتشبَّه بالصبيان. أما الآن، فقد بدأ الآخرون يفكرون مثلي. وبدأ الآباء يدركون أن الزواج ليس كل شيء، وأنّ الفتاة قد ترغب في حياةٍ مختلفة. والمجتمع (نفسه) بدأ يتقبل ذلك أيضاً".
New York Times
تنوُّع الاقتصاد يعني دخول المرأة صفوف العاملين والمستهلكين
يرى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وابنه وليُّ العهد محمد بن سلمان ومؤيدوهما الكثر، أن المملكة على مشارف قفزةٍ نسوِّيةٍ كبرى للأمام. ويعكس هذا التغيير التحولات الكبرى التي يشهدها مجتمعٌ ساعد النساء على الوصول إلى ذروة النجاح الأكاديمي والمهني، بالإضافة إلى آثار العولمة التي جلبت مزيداً من التفتح إلى المملكة أكثر من أي وقتٍ مضى في تاريخها الحديث.
ويزيح هذا القانون الجديد، الذي يسمح للنساء بالقيادة، إحدى النقاط التي كان يستخدمها منتقدو المملكة ضدها؛ لاتباعها نهجاً متشدداً تعتنقه جماعات مثل "طالبان" و"داعش". كما أن القانون أيضاً يتسق مع التغيرات الاقتصادية الطموحة للمملكة للانتقال من الاعتماد على النفط إلى تنويع الاقتصاد، وهي تحولاتٌ تتطلب دخول النساء إلى صفوف العاملين والمستهلكين.
ولكنَّ هناك خطاً أحمر يفصل بين المرأة والمساواة
وعلى الرغم من أنَّه لا مجال لإنكار الفرحة التي عمت أوساط عشرات الآلاف من النساء السعوديات بعد منحهن الحق في القيادة، فثمة خطٌ أحمر جلي يفصل بصرامة بينهن وبين المساواة، وهو نظام ولاية الرجل على المرأة. ونظام الولاية هذا خليطٌ بين القانون والأعراف، وبموجبه تظل النساء معتمدات على محارمهن: آبائهن أو أزواجهن أو أشقائهن أو أعمامهن أو أخوالهن أو أبنائهن، طول الحياة.
ويضمن نظام الولاية أن توازن القوى بين الجنسين في المنزل وأماكن العمل؛ بل وربما أيضاً بالطرقات، يصب لصالح الرجال على حساب النساء، من خلال السماح لهم بمنح الموافقة -أو منعها- فيما يتعلق بعمل المرأة أو السفر أو تلقِّي الرعاية الطبية، بحسب الصحيفة الأميركية.
وخلف كواليس حياتها التي تبدو حرَّة في الظاهر، لا تزال دعاء مقيَّدة بصلاحيات الموافقة الممنوحة لأخيها، وهو وليُّها الحالي، الذي دائماً ما كان يحترم اختياراتها. فقد ساعدها أخوها في العثور على مالك عقار ذي أفكارٍ تقدمية يوافق على تأجير شقة لها، وتصرَّف باعتباره ضامناً لها. في هذا الصدد، قالت دعاء: "الناس يشعرون بالتوتر حين يرون سيدات يعشن وحدهن".
وأعلنت السلطات السعودية في وقت سابق أن النساء لن يحتجن أولياءهن للتقديم على دورات لتعلم القيادة أو للحصول على رخصة للقيادة. غير أن هذا واحدٌ من الاستثناءات التي يندُر وجودها في المملكة والتي لا يكون للرجل فيها حكمٌ على حياة المرأة.
ومن بين النساء اللائي لن يحتفلن في الطرقات صباح الأحد 24 يونيو/حزيران 2018، أولئك اللاتي أخذن زمام المبادرة لكسر التابوهات القانونية والاجتماعية قبل عقود، بتظاهراتهن المطالِبة بالحق في القيادة.
إذ أوقفت السلطات السعودية الشهر الماضي (مايو/أيار 2018) مجموعةً من الناشطات النسوِّيات الشهيرات، من بينهن بعض من شاركن في تظاهرة عام 1990. واعتبر المراقبون هذا الاعتقال بمثابة تحذيرٍ لهن لئلا يحاولن نسب الفضل لأنفسهن في رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، وفقاً للصحيفة الأميركية.
وبحسب منظمة العفو الدولية، لا تزال 8 ناشطات حقوقيات خلف القضبان. وتواجه المحتجزات تهماً خطيرة، من بينها التجسس والتحريض على الفتنة.
وتقول كريستين سميث ديوان، الباحثة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن: "ما من شك في أنَّ السعودية تشهد بالوقت الراهن تحوّلاً عميقاً؛ ولكننا نشهد أيضاً قمعاً لبعض الأشخاص الذين جعلوا تلك التغييرات ممكنة".
New York Times
وتبقى صورة الولاية ضبابية
بعث ولي العهد برسائل متضاربة فيما يخص نظام الولاية. ففي المقابلات التي عقدها مع وسائل إعلام أميركية، أعلن أن هناك مساواةً مطلقة بين الرجال والنساء.
وصدر العام الماضي (2017) مرسومٌ ملكي يوجِّه الهيئات الحكومية بالسماح للنساء بإنجاز العديد من الخدمات دون الحاجة إلى أوليائهن، مع إعداد قائمةٍ بتلك الخدمات؛ لقطع الطريق على أي انتهاكات بيروقراطية، غير أن تلك القوائم لم تُنشر إلى العلن بعدُ.
وتعني تركيبة نظام الولاية، الذي يشبه من عدة أوجهٍ سلطة الحاكم على رعاياه، أن الحرية الفردية للنساء أمرٌ مشكوكٌ فيه. وظهرت العام الماضي (2017) قضية مخيفة، حين هربت سيدة تبلغ من العمر 29 عاماً واسمها مريم العتيبي من منزلها، بزعم أنَّها تعرضت للإساءة على يد أقاربها الذكور.
لاذت مريم بالفرار إلى العاصمة السعودية الرياض، غير أن والدها، الذي يعد وليّها بحكم القانون، تقدَّم بشكوى جنائية، قالت فيها إنَّها "امتنعت عن الطاعة" بعد أن أمرها بالعودة إلى المنزل. سُجنت مريم ما يزيد على 100 يوم قبل أن تحظى بحق التحرر من سلطة أبيها.
رغم ذلك المرأة السعودية متفائلة وتركز على المكاسب بدلاً من القيود
وتفضل العديد من النساء، اللائي يعملن في مجال العمل الاجتماعي وتمكين المرأة وقانون الأسرة، التركيز على المكاسب التي حققتها النساء، وليس على القيود التي لا تزال راسخة.
ومنذ تولى ولي العهد محمد بن سلمان منصبه العام الماضي (2017)، بدأ القضاة الذين كانوا يمنحون الآباء تلقائياً حق حضانة الأطفال في قضايا الطلاق السماح لبعض الأمهات بالحضانة. ولم تعد النساء مُلزمات بإحضار ولي لتسجيل الشركات، وازداد عدد الشركات الخاصة التي تعيِّن النساء لأداء المهام الفنية ومهام العمل اليدوي، مما يساعد في رفع مستوى العائلات الفقيرة أو الأمهات المنفصلات.
فالتغييرات الأخيرة دعمت الأمان المالي والعاطفي للنساء
وأشارت سلمى الراشد، الرئيسة التنفيذية للبرامج في جمعية النهضة الخيرية للنساء بالرياض، وهي جمعية تعمل منذ أكثر من 50 عاماً لخدمة النساء والعائلات المتعسرة، إلى التغييرات القانونية التي حدثت مؤخراً والتي حسَّنت من الأمان المالي والعاطفي لغالبية السعوديات، اللاتي لا تشبه حياتهن على الإطلاق الصورة السائدة عن المواطن السعودي الثري.
ووفقاً لسلمى، فمن بين مظاهر التغيُّر الاجتماعي تنامي عدد السعوديات اللاتي يتخرجن في الجامعة، ويسافرن في منح دراسية إلى الخارج ويدخلن سوق العمل.
وقالت سلمى: "السعودية ليست محصورة بين الأبيض والأسود (الرجال والنساء)، نحن مختلفون بشكل لا يصدَّق. والمحرك الأكبر لتلك التغييرات كان الاقتصاد، وهو محركٌ مشتركٌ في جميع العالم كما يظهر التاريخ".
والتقدُّم للوظائف صار أسهل
وفي مدينة الخُبر بالمنطقة الشرقية في السعودية، تعد سهام العامري، التي تبلغ من العمر 39 عاماً، واحدةً من نساء كثيرات استفدن من التغييرات الأخيرة للحصول على حياةٍ أفضل.
ومنذ أن كانت سهام صغيرة، كانت تتميز بذكائها عن سائر أفراد أسرتها. التحقت بجامعة حكومية ودرست الأدب العربي، وتزوجت وهي في الـ19 وربَّت 5 أطفال إلى جانب عملها مُعلِّمة بمدرسة للبنات.
وقبل 3 أعوام، حين كانت المملكة تدفع الشركات لتعيين المزيد من السعوديين، سعت إلى العمل بالقطاع الخاص، حيث الرواتب أعلى بكثير والفرص في تزايد أمام النساء. عرضت عليها شركة اتصالات رائدة منصباً بقسم المبيعات، غير أن زوجها، أو وليَّها الشرعي رفض أن يمنحها الموافقة.
ذهبت سهام دون علمه، واصطحبت شقيقها إلى الشركة ليكون وليَّها، وحصلت على الوظيفة. وبسبب سجلها المميز في المبيعات، كانت مرشحة بقوةٍ خلال موسم الربيع من العام الحالي (2018) للحصول على منصب في إحدى شركات السيارات التي كانت تسعى إلى توظيف النساء السعوديات للمساعدة في بيع السيارات؛ لمواكبة الزيادة الهائلة المتوقعة في عدد السائقين في الفترة المقبلة.
وقالت سهام إنَّ زوجها لا يزال كارهاً للفكرة، غير أن الشركة الجديدة التي التحقت بها، والحاصلة على رخصة العلامة التجارية "رينج روفر" في السعودية، لم تطلب منها موافقة الوليّ.
والرجل السعودي بدأ يتقبل عمل زوجته ويفتخر بها مع بعض الأصوات المعارضة
وخلال الأسابيع الثلاثة الأولى من عملها باعت 7 سيارات. وتقول سهام إنَّ زوجها مسرورٌ لزيادة دخلها، كما أنَّه قَبِل بعملها على مضض؛ لأن الأقارب والجيران لم يلوكوا الأمر بألسنتهم. وفي هذا السياق، تقول سهام: "لم يكن يريد إلحاق أي عارٍ بالعائلة. بالنسبة لعائلتي، فإنَّها فخورةٌ بي أيما فخر".
وأظهر استطلاع للرأي لصالح شركة أوبر في فبراير/شباط 2018، أنَّ أكثر من 90% من المشاركين كانت لديهم مشاعر إيجابية حيال رفع الحظر عن قيادة النساء.
غير أن هذا لم يقلل من التحيز ضد النساء. فقد هاجم داعيةٌ شهيرٌ، العام الماضي (2017)، السماح للنساء بالقيادة، بزعم أن لهن نصف عقل الرجال. وقال العديد من الرجال هذا الأسبوع، إنَّهم سيمكثون في البيت يوم الأحد 24 يونيو/حزيران 2018؛ لاقتناعهم بأن حوادث السيارات، التي تشكِّل مشكلة كبيرة بالفعل في البلاد، ستزداد بشدة.
لكن تنظيم القانون اصطدم بعقبات كبيرة كالعدد والاختلاط
ورغم الاستعدادات التي دامت أشهراً، فقد اصطدمت عملية تعميم وجود سائقات سيدات والمخطط لها، بعدة معوقات، من بينها أن برامج التدريب على القيادة لا تتوافر بالعدد الكافي وكذلك الإجراءات الحكومية المتداخلة اللازمة لتنفيذ المرسوم الملكي.
وقالت الحكومة إن النساء اللائي يحملن رخص قيادة سارية من دولة أخرى غير المملكة يمكنهن أن يحصلن على الرخصة السعودية بأقل جهد ممكن. وستكون بضع مئات من النساء جاهزات للقيادة يوم الأحد 24 يونيو/حزيران 2018.
ولكن بالنسبة لعشرات الآلاف الأخريات، لا يزال الطريق ممتلئاً بكثير من المعوِّقات. فلم يُتح للنساء سوى عدد محدود من الدورات التدريبية، ونظراً إلى منع الاختلاط بين الجنسين، المطبق بصرامة من جانب الحكومة في المدارس والهيئات الحكومية، فمن الصعب توظيفهن.
والتحديات تشمل الخوف عليها وتكلفة دروس تعليم القيادة
وفي الوقت نفسه، يشعر الآباء والأمهات وأفراد العائلات بالقلق مما يمكن أن يحدث في حال تعطُّل السيارة أو أوقفتهم الشرطة. وكذلك، فإن التعرض للتعامل مع الرجال الغرباء أمرٌ مربكٌ لكثير من السعوديات. كما أن بعضهن غير مستعدات للتعرض لأي خطر بدني جراء حدوث مكروهٍ لهن وهن وحدهن.
ومن بين المشكلات الأخرى تكلفة تلقِّي دورات تعلُّم القيادة للسيدات، والتي تزيد بـ4 إلى 5 أضعاف مقارنةً بدورات الرجال.
ويعطي محمد الغانمي، مدرب الغوص بالبحرية السعودية، دروساً في القيادة لزوجته بأماكن نائية بعيداً عن إزعاج الشرطة أو المارة الآخرين. ويعمل محمد بالمساء سائقاً لدى شركة أوبر، ويرغب في أن تتمكن زوجته من اصطحاب الأطفال إلى الطبيب أو إلى أي مكان في حالات الطوارئ، في أثناء فترات غيابه التي تطول.
وقال الغانمي: "لديها القدرة على تعلُّم القيادة، إنَّها إنسانة حريصة وسائقة جيدة".
والحماسة لا يُثنيها شيء حتى مخالفات المرور المضاعفة ذلك اليوم
في الوقت نفسه تخطط مجموعات من الصديقات للاحتفال بأول يوم للقيادة لهن. تعلَّمت رزان بن حسين، التي تبلغ من العمر 29 عاماً، القيادة حين كانت بالسادسة عشرة من عمرها في رحلات التخييم بالصحراء مع عائلتها. وتنوي أن تأخذ مفاتيح سيارة الأسرة يوم الأحد 24 يونيو/حزيران 2018، وتذهب في نزهة إلى أحد المقاهي.
وفي الخُبر، تُخطط دعاء بسَّام، التي تحب الدراجات البخارية؛ لأن تقطع الطريق برفقة صديقاتها من نادي هارلي-ديفيدسون المحلي. ومن بين أعضاء النادي، الذين يبلغ عددهم 700 عضو في المنطقة الشرقية بالسعودية، لا توجد سوى حفنة قليلة من النساء هن من يُحببن الدرجات النارية من علامة هارلي-ديفيدسون.
وفيما يبدو أنه محاولةٌ لإثناء النساء اللاتي لم يحصلن على رخصة القيادة عن النزول يوم الأحد، أعلنت وزارة الداخلية أن الشرطة ستفرض غرامة قدرها 900 ريال سعودي، أو ما يقارب 240 دولاراً، على من يقود دون رخصة.
لم يثنِ من عزم دعاء بسَّام أنَّها لا تحمل رخصة قيادة رسمية وقد تدفع مخالفة، فقالت: "سيكون هذا اليوم أحد أكثر أيام حياتي إثارةً".