سيدي صاحب العمل
سيدي صاحب العمل، كنت في يوم من الأيام لا تملك الزيت ولا الطحين، فأصبحت بغفلة من الزمان من أصحاب الملايين!
تقول عن نفسك إنك عصامي، وإن كل ما تملك يمينك من تعبك وجهدك، صادق أنت أم كاذب؟
لا يهم إن كنت عصامياً أم "حرامي" أو كنت "حرامي" وتحولت إلى عصامي أيضا لا يهم!
ولكني أنا الموظف البسيط الذي يكد ويتعب، ينام نصف نوم، يأكل نصف أكل ، يحلم أن تطير الأيام ويأتي آخر الشهر ويقبض راتبه الموعود، الذي بالكاد يساوي ثمن نظارتك الشمسية، ومن هذا الراتب المتهالك يجب أن يسدد كل التزاماته من إيجار البيت وفاتورة الكهرباء والمياه ومصروف البيت والأولاد، التزامات كثيرة لا عد لها ولا حصر.
أنا الموظف البسيط الذي يكدح طوال اليوم بكل إخلاص؛ لتتضاعف ملايينك أملاً بأن تمنحني مكافأة أو حتى زكاة من أموالك المكدسة، ولكنك كلما ربحت مليوناً زاد بخلك وجشعك ونكران الجهد، كانت مكافأتي التوبيخ على تقصيري وكسلي، أنا الموظف البسيط المقصر في عملي يا صاحب الكرش الكبير!
أنا الذي أطلقت العنان لقهقهاتي المصطنعة على نكاتك التافهة، أنا الذي أبديت إعجابي بقصص كفاحك المزيفة، واسترسلت بمدح نزاهتك واستقامتك، مع أنني أرى بعيني طمعك وجشعك وتفننك بالكذب والغش، ولكني مجبر، فأنت كالكل كلهم أنت.
وبعد كل هذا تقرر، وفي لحظة طردي من عملي، وتبدأ بسرد معاناتك مع إهمالي واستغلالي لقلبك الطيب.
يا صاحب المليارات، تذكرت كل السلبيات ولم تتذكر لي إيجابية واحدة، كم مرة تأخرت بعد دوامي لساعات لإنجاز عملك الذي يجب أن يكون جاهزاً في صباحك الباكر.
أنا الموظف البسيط، أقول لك: يا صاحب المليارات، أيها العصامي المزيف، ضاعف أموالك، فالكفن لا جيوب له، وكل ما ستأخذه معك دعواتي والآخرين مثلي بأن لا يسامحك الله أبداً.
وأنت يا صاحب العمل الذي لم تصبح بعد من أصحاب الملايين، ما زلت تكتنز الأموال وتبخل عليّ، وتفعل المستحيل لاستغلالي واستنفاد كل طاقتي مقابل راتب خجلاً من نفسي، لن أذكر قيمته ونظير هذا المبلغ الضخم يجب أن أعمل داخل المكتب وخارجه، وبدل الثماني ساعات يجب أن أعمل عشراً، وإذا اعترضت وبحقوقي الإنسانية طالبت بأن أكون أنا الموظف البسيط "الأكال النكار"، وإذا لم يعجبني الباب يفوت مائة موظف وموظفة مستعدين للعمل 24 ساعة دون تذمر.
أقول لك يا صاحب العمل: لست عبداً عندك مهما كبرت حاجتي للمال لن أسمح لك أن تستعبدني، أنا إنسان لي كرامة، لن أهدرها مقابل مرتب "لا يسمن ولا يغني من جوع".
وأنت يا صاحب المشاريع الوهمية لا أعرف ما التسمية الصحيحة التي تليق بك "نصاب"، "مغامر"، أم واهم أم حالم أراد أن يبني أوهامه على أكتاف تعبي.
أنا الموظف البسيط، صدقت مشروعك المزيف، اشتغلت بإخلاص وانتظرت يومي الموعود، واستقبلته بفرحة سرعان ما تبددت عندما بدأت باختلاق الأعذار " صعب أسلمك الراتب هذا الشهر ، والله الوضع كتير صعب، والشركة جديدة وما جابت همها".
أنا الموظف الغلبان ما ذنبي؟ كيف سمحت لنفسك باستغلالي طوال الشهر، وأنا أعمل مثل "الحمار"، أنا الغبي أو أنت النذل الغدار، الله لا يسامحك ويجعلك ما تتوفق بموظف مثلي.
أما أنت يا صاحب العمل ذو الشأن الرفيع، يا صاحب الصوت العالي والذي طالما ادعيت أنه وقف مع الشرفاء والفقراء والمظلومين.
كم تفاخرت أنك لا تخاف ولسانك ينطق بالحق ولا يخشى ملامة اللائمين، هل تعلم أنني صدقتك انخدعت بتلك الصورة الكبيرة التي رسمتها بأكاذيبك والتي نزفت ألوانها بعد أيام من العمل معك، لم تكن سوى واحد منهم، بل أسوأ، فالموظف بالنسبة لك مجرد خادم يؤمر فيطيع لا مجال لإظهار أي نوع من الكرامة، أنت إنسان من الدرجة الأولى، والموظف تحاول أن تتعامل معه على أنه إنسان، ولكن بدرجة رابعة أو خامسة؛ لذلك يجب أن يتحمل سخطك وغضبك وتعكر مزاجك في زحمة الطريق.
أنا الموظف البسيط الذي دنس بشرفه طهارة مكتبك، أقول لك: يدنس الشريف بحذائه المقطع الذي تلوث بالطين سجادة مكتبك الباهظة الثمن، فهو لا يملك سيارة ولا أجرة التاكسي أم أولئك الذين يؤمّون شركتك فأحذيتهم نظيفة وبدلاتهم لم يبللها المطر، ولم تنغمس أرجلهم؛ لأنهم يملكون أطناناً من الأموال، تلك الأموال التي لو قضوا فوق أعمارهم أعماراً فلن يستطيعوا أن يغسلوها من دم وجهد وعرق مئات الشرفاء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.