"الأطفال مشاعرهم صادقة وشهادتهم موثوق بها" لا تثق في هذه العبارة كثيراً، فمعظم الأطفال يكذبون، بل ويخلطون بين الحقائق والوهم، ربما لا يتعمدون الكذب ولكنهم يتوهمون بعض الأحداث ويعتقدون في كونها حقائق مهما حاولت اقناعهم بعكس ذلك.
تقول جوليت غلبريت عبر تدوينتها لموقع Parenting، إن ابنتها ذات الـ 4 سنوات أخبرتها دون تردد "أبي يقوم بارتداء حمالة صدرك من وقت لآخر". فأجبتها: "ماذا؟ متى كان ذلك؟"، لتخبرني ابنتي أن والدها يرتدي حمالات الصدر عندما أكون نائمة. واسترسلت في الحديث عن والدها، الذي يستيقظ في صباح يوم السبت، ليقوم بالقفز على الترامبولين الصغير مرتدياً حمالة الصدر فوق قميصه. وتمسكت ابنتي بروايتها في ذلك اليوم، مما دفعني إلى أن أسأل زوجي، الذي كان يعمل مدرساً، عمّا إذا كان قد ارتدى أحد أغراضي الشخصية من باب المزاح، إلا أنه نفى ذلك تماماً.
كان الموقف مضحكاً للغاية، لكنني شعرت بأن الأمور لا تسير على ما يرام، حيث قد أتفهّم قيام ابنتي بالكذب من أجل تجنّب العقاب، أو حتى أعطيها قطعة إضافية من المرطبات. بيد أن ابنتي ليليان كانت تكذب من أجل المتعة بصفة دورية، كما أنها أبت الاعتراف بأن قصصها المختلَقة لم تكن حقيقية.
في الأثناء، تقول غلبريت "أخذت الكثير من الأسئلة تتبادر إلى ذهني، هل عليّ أن أكون صارمة بشأن قول الحقيقة؟ هل من الممكن أن يتطور هذا الكذب ليصبح حالة مرضية؟ أم أنه يتوجب عليّ تجاهل الأمر لتجنّب التأثير سلبياً على تفكيرها الإبداعي. أعتقد أنه يتوجب عليّ اعتماد الاقتراح الأخير، حيث لم يُبد الخبراء الذين أخبرتهم بما تقوم به ابنتي ليليان أيَّ استغراب إزاء هذا التصرف".
يقول مايكل برودي، الحاصل على الدكتوراه، وطبيب الأطفال النفسي في بوتوماك من ولاية ماريلاند الأميركية، أنه "ليس هناك خطب فيما يتعلق باستمرار الأطفال في الكذب، حيث لا يحسن الصغار التفريق بين الحقيقة والوهم".
أفادت الدكتورة أنجيلا كروسمان، أستاذة مساعدة في علم النفس في كلية جون جاي للعدالة الجنائية بنيويورك، التي تعمّقت في البحث بشأن هذا الموضوع، أنه "في الغالب، يقوم الأطفال الصغار الذين يمتلكون مستويات ذكاء مرتفعة، بالكذب أكثر من أقرانهم. ويمكن أيضاً الربط بين الكذب في سن مبكرة وبين امتلاك مهارات اجتماعية فذّة في فترة المراهقة".
بطبيعة الحال، لا يمكن التغافل وعدم الاكتراث حيال قيام الأطفال بالكذب بشكل مستمر، حيث يرغب الأهل في تنشئة طفل يقدّر قيمة الصدق والصراحة. وبالتالي، قد تساعدك معرفة أنواع الكذب في صفوف الأطفال، بالإضافة إلى أسباب قيامهم بذلك منذ البداية، في توجيه طفلك بعناية لاكتساب مستوى معين من الصدق وفقاً لعمره.
الأطفال الصغار: بداية الكذب
تعد هذه الأكاذيب التي تخدم مصالح الأطفال، بمثابة المحاولات الأولى للرضع للتملص من الحقيقة. ووفقاً لمعظم الأمهات، يقوم الأطفال في سنتهم الثالثة، وأحياناً الثانية، باختلاق أكاذيب بسيطة جداً، مثل نكرانهم لفعل شيء ما أو من أجل الحصول على غرض ما.
في الواقع، ليس من المنطقي أن تقوم بمعاقبة طفل صغير بسبب تزييفه للحقيقة، نظراً لأنه لا يدرك أن ما يقترفه يعتبر خطأ. في هذا الإطار، أفادت الدكتورة إليزابيث بيرغر، أستاذة علم الأطفال ومؤلفة كتاب "Raising Kids With Character"، أنه "في حال قامت ابنتك البالغة من العمر سنتين، بسحب ذيل قطة، ثم قالت لك إن صديقتها الوهمية هي من قامت بذلك، فإن أفضل جواب هو: "إن القطة لديها مشاعر أيضاً". وترى الدكتورة بيرغر أنه لا فائدة تُرجى من الدخول في جدال عقيم مع طفلك من أجل دفعه إلى الاعتراف بفعلته.
وأضافت بيرغر أن أفضل استراتيجية يمكن اتباعها في مثل هذه المواقف تتمثل في تجنب معاقبة الطفل والصراخ عليه في المقام الأول. في الوقت ذاته، وبدلاً من سؤال طفلك "مَن كسر المزهرية؟"، يتوجب عليك أن تقولي: "انظري، لقد انكسرت المزهرية"، حيث إنه في حال وجهت الأم التهمة مباشرة إلى الطفل، فإنه سيلجأ للكذب لكي يتملص من العقاب.
وترى الدكتورة بيرغر، أن حكايات الأطفال قبل سن الدراسة تكون من قبيل اللهو فقط، وقد تكون في بعض الأحيان انعكاساً لما يتمنّاه الطفل. في هذا الصدد، أوردت والدة لوسي أن الأخوات الوهميات لابنتها امتنعن عن أكل الفطر تماماً مثل لوسي. والجدير بالذكر أن إصرار الأطفال على أن عالمهم الوهمي موجود فعلاً، مثلما فعلت لوسي، يعد أمراً طبيعياً، ولا يستوجب القلق حياله.
وذكرت الدكتورة بيرغر أن "الأمر ليس من باب الكذب في الواقع، حيث يرغب طفلك عند إصراره على كون هذا العالم حقيقياً، في أن تتفهمي المكانة البارزة والأهمية التي يحتلها امتلاك أصدقاء وهميين بالنسبة له، بالإضافة إلى المشاعر الجميلة التي تتولد عن ذلك".
ووفقاً للدكتورة إليزابيث بيرغر، وفي حال أزعجتك إحدى القصص التي تأبى أن تنتهي بالنسبة لطفلك، فينبغي عليك أن تتناولي الأمور من منظوره الخاص. من هذا المنطلق، وفي حال كان طفلي يتمتع بعلاقات حقيقية مع الأشخاص المهمين في حياته، فليس هناك أي مبرر لمخاوفي بشأن تخيلاته. بالإضافة إلى ذلك، يتوجب على البالغين أن يدركوا أن الأمور التي تبدو غريبة بالنسبة لهم، قد تكون طريقة الطفل في استيعاب المعلومات الجديدة التي يتلقاها. فعلى سبيل المثال، فارقت عدة شقيقات خياليات لوسي، بعد أن علمت أن جدّها قد توفي قبل مولدها. وفي هذا الصدد، أقر والد لوسي بأن ابنته "باتت تتكلم عن الوفاة الوهمية لشقيقاتها وكأنها أمر حقيقي".
في بعض الأحيان، قد يقوم الطفل الذي يواجه صعوبات في حل المسائل الرياضية بالكذب عليك، وإخبارك أنه ليس لديه واجبات في مادة الرياضيات. وقبل أن ترسل الطفل إلى غرفته أو تحرمه من مشاهدة التلفاز في النهار، حاول أن تتبيّن الأسباب التي دفعته للكذب، على أن تأخذ دوافعه بعين الاعتبار.
غالباً، يتستر المراهقون عن تفاصيل حياتهم الخاصة التي سبق وأفشوها في بعض المناسبات. لذلك، لا تستغرب من قيام طفلك بالتكتم على أشياء كانت تخبرك إياها قبل سنة أو سنتين، على غرار الأحاديث التي جرت بينها وبين صديقاتها خلال آخر لقاء للغداء. ولا تعني سياسة التكتم الجديدة هذه أن طفلك يضمر أمراً سيئاً، تعكس مثل هذه التصرفات النضج المتنامي. وفي هذا الصدد، أقرّ طبيب الأطفال النفسي، مايكل برودي بأن "الأطفال الذين يخبرون آباءهم بكل شيء في سن الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة لا يعتبرون ناضجين".
وبطبيعة الحال، مع اكتساب طفلك للمزيد من الاستقلالية، قد يقوم بالانتفاع من ذلك عن طريق الكذب عليك بين الفينة والأخرى.لا يعتبر قيام الطفل بالكذب بشأن واجباته المدرسية أو المنزلية، أو حتى بشأن تنظيف أسنانه بين الفينة والأخرى أمراً غير معهود. وفي هذه الحالة، يتمثل أفضل حل يمكنك اتباعه في إخبار طفلك بمدى استيائك إزاء هذا الأمر. في المقابل، إذا كان طفلك المراهق يكذب بصفة مستمرة، ربما قد يحتاج إلى مساعدة جهات مختصة من أجل التخلص من هذه العادة.
في هذا الصدد، أوضحت الدكتورة إليزابيث بيرغر أن "الأطفال الذين ينتابهم القلق، والذين يشعرون بأنهم غير قادرين على التعامل مع بعض المسائل، عادة ما يلجؤون إلى الكذب. وقد يكون ذلك دليلاً على أن الطفل يعيش في ظل العديد من الضغوط، أو أن الطفل على درجة كبيرة من الذكاء، لكنه يعتمد الكذب، على اعتبار أنه استراتيجية مقنعة".
ولكن ما أفضل طريقة لتوجيه طفلك المراهق إلى قول الحقيقة المطلقة؟ في الواقع، ينبغي عليك أن تكون قدوة جيدة لطفلك، وذلك من خلال تصرفاتك، حيث من المستحسن ألا تكذب بشأن سن شقيقه الأصغر، من أجل أن تدفع ثمن تذكرة أقل. حاول إرساء حوار بنّاء حول تأثير الكذب على مصداقية الإنسان، ومدى قدرة هذه العادة على تدمير علاقاته الاجتماعية.
من جانبها، أفادت الدكتورة أنجيلا كروسمان، أن "مثل هذه الدروس لا يقع استيعابها بشكل فوري. ولكن من المرجح أن طفلك سيتمكن في نهاية المطاف من التخلص من عادة الكذب، ويكبر ليصبح رجلاً مسؤولاً وصادقاً".