حينما كبرنا وواجهنا الحياة الحقيقية وتحدياتها ظهر احتياجنا لكثير من المهارات الحياتية والاجتماعية، وجدنا بعضها وحاربنا مع بعضها ولم نجد بعضها، وتمنينا وتخيلنا كيف سيكون شكل حياتنا وتعاملنا مع أنفسنا والآخرين ومع الحياة وتحدياتها لو كنا نملك تلك المهارات، كيف كانت حياتنا ستختلف إن كنا نملك مهارات حل المشكلات أو فهم مشاعرنا والتعبير عنها أو إدارة الأزمات أو تحمّل المسؤولية أو الإرادة والإنجاز.
مهارات كثيرة أصبحت ضرورة لا غنى عنها في تعاملاتنا اليومية في الحياة، سواء تعاملنا مع أنفسنا أو مع الآخرين أو مع مشاكل وتحديات الحياة. مهارات كثيرة توفر لنا فرصاً أفضل ونجاحاً ورضا وسعادة أكثر.
والآن وقد أصبح لدينا أطفال صغار نتمنى ألا يعانوا ما عانيناه ونريد لهم حياة أفضل ومستقبلاً مختلفاً، فهل يمكننا تنمية تلك المهارات لديهم؟ هل من الممكن أن نحول مواقف وتحديات الحياة اليومية إلى مهارات يتعلمها الأطفال ويتدربون عليها بشكل يومي في حياتهم، بحيث تصبح جزءاً من تفكيرهم وطريقة تعاملهم في الحياة؟
الإجابة هي: بالطبع، يمكننا تنمية العديد والعديد من المهارات من خلال التعامل والتحديات اليومية مع أطفالنا. هيا نستعرض بعض المواقف اليومية وكيف نتعامل معها لننمي مهارات أطفالنا.
1- مهارة حل المشكلات
يمكنك تدريب طفلك على تلك المهارة بأشكال مختلفة، فبدلاً من إعطاء الحلول لطفلك في المواقف المختلفة، اسمح له بالتفكير في الحلول من خلال الأسئلة. هل تعلم مثلاً أن موقفاً بسيطاً مثل سكب اللبن أو الماء على الأرض قد يتحول إلى مهارة أو أكثر! عندما يحدث هذا الموقف، اسأل طفلك بنبرة محترمة ومتفهمة: "ماذا ستفعل مع ذلك اللبن المسكوب؟"، ستفاجئ بأن طفلك بدأ يفكر في حل وينفذه فوراً.
كنت ستحصل على النتيجة نفسها إن أمرته بأن ينظف هذا اللبن أو أعطيته حلولاً جاهزة، ففي كل الأحوال سيتم تنظيف اللبن المسكوب، ولكن لماذا نضيع على أطفالنا فرصاً هامة لتعلُّم مهارات تفيدهم في كل حياتهم وتساعدهم على مواجهة تحدياتها بدلاً من تعلّم أن هناك دائماً من يعطيني حلولاً ولا داعي لأن أفكر!
قِس على ذلك باقي المواقف اليومية، لا تتسرع بإعطاء حلول أو أفكار لطفلك، ولكن اسأله أسئلة تجعله يفكر في الحلول والأفكار المناسبة.
فالمخ يقاوم الأوامر بشكل تلقائي (بالتأكيد، لاحظنا جميعاً ذلك مع أطفالنا). ولكن عند السؤال، يبدأ المخ بالتفكير في حلول ويرغب في التعاون لا المقاومة.
2- مهارة اتخاذ القرار
كيف يتعلم الطفل تلك المهارة ويستطيع استخدامها عندما يصبح شخصاً بالغاً إن لم يتدرب عليها بشكل عملي ويتعرض لمواقف بها تحدٍّ ويتعرض لاختيار قرار واحد والتنازل عن آخر والموازنة بين الاختيارين والتعرض لإخفاقات؟
اجعله يختار ما يخصه من ملابس أو ألعاب أو ما يشتري بماله وكل ما يخصه (في حدود المتاح بالطبع كمرحلة عمرية أو ميزانية أو أي حدود أخرى).
اسمح له بارتكاب الأخطاء، ولا تتدخل فيما حدث، فقط تفهَّم مشاعره، واسأله عن رأيه فيما حدث، واسمح له بالتعلم من التجربة وموازنة المميزات والعيوب، حاوِل مقاومة الجملة الشهيرة التي تلح عليك "لقد قلت لك!".
ومن المهم أيضاً أن تكون قدوة له ويراك وأنت توازن الأمور في أمر ما وتتخذ قرارك. وبعد تنفيذ القرار أيضاً، تكلَّم معه كمناقشة عامة عن قرارك وماذا حدث، حتى وإن اخطأت فهذا يعلمه الكثير.
3- تحمّل المسؤولية
نخطئ كثيراً عندما نتخيل أن الطفل لا يحب المسؤوليات ويريد الهروب منها. ولكن ما لا نعرفه أن مفهوم القدرة والإرادة والإنجاز والتقدير الذاتي يتطور عند الطفل عندما يرى نفسه يقوم ببعض المسؤوليات والمهام.
فهم يتوقون إلى الشعور بالقيمة والأهمية والمشاركة الإيجابية في عالمهم المحيط. ثق بأطفالك وبقدراتهم اللامحدودة وستتفاجأ بأنهم يتحملون المسؤوليات بقدر ما تتيح لهم وتعطيهم صورة إيجابية عن أنفسهم.
وإليك بعض الخطوات البسيطة لتزيد مهارة تحمُّل المسؤولية عند طفلك:
أولاً: اصنعوا روتيناً معاً وبه بعض المهام الخاصة به وبشكل مرح يناسب عمره.
ثانياً: علِّم طفلك أنه مسؤول عن تصرفاته مع الآخرين. فعندما يضرب طفلك أخاه الصغير وبعد التعاطف مع الطفل المعتدى عليه، لا تجبره على الاعتذار له، فهو لن يفهم جدواها ويعتبرها كلمة عابرة للتخلص من المواقف دون تحمّل أي مسؤولية. فالأفضل أن تَسمعه وتفْهم مشاعره المضطربة التي جعلته يضرب أخاه. وعندما يهدأ ويصبح في حال أفضل اسأله عما يمكن فعله لإصلاح الموقف. قد يختار الاعتذار أو قد يلعب مع لعبة أو يقرأ له قصة أو يحضنه. يعلّم هذا الطفل أنه مسؤول عن إصلاح ما فعله في علاقاته مع الآخرين.
ثالثاً: ساعِد طفلك في دفع ثمن ما أفسده. من دون إجبار منك، عليك أن تجعله يختار وسيلة للتعويض عن بعض الخسائر، مثل إتلاف كتب غيره أو زجاج كسره في أثناء اللعب بِكُرته.
رابعاً: لا تتسرع في إنقاذ طفلك من أي موقف صعب. اجعله يتعامل مع مشاكله بنفسه وإيجاد الحلول والإصلاحات المناسبة. اجعل وجودك فقط لمساعدته على التعامل مع مشاعره ومخاوفه أو مساعدته على التفكير، ولكن لا تنقذه ولا تعطه حلولاً أو تتحمّل مسؤولية خطئه بدلاً منه.
خامساً: كن قدوة في تحمُّل المسؤولية والمصداقية. مثلاً: "هذا المقعد مخصص لكبار السن. لا يمكننا الجلوس عليه"، أو "هيا ننظف ما فعلناه في الحديقة قبل الذهاب للمنزل". وطبعاً، التزم باتفاقاتك معه ووعودك له؛ لتعلِّمه وتدرِّبه على ذلك.
سادساً: اجعل منزلك خالياً من "اللوم". نريد جميعاً بشكل تلقائي أن نلوم أي شخص إذا حدث خطأ ما. وكأن اللوم يضمن عدم تكرار المشكلة أو يخفف عنا مسؤولية ما حدث! ولكن في الحقيقة، يجعل اللوم الجميع في حالة دفاع بدلاً من إصلاح الأمر وحل المشكلة. ولكن أسوأ ما في اللوم، أنه يجعل الطفل يفكر في كل الأسباب الممكنة لإثبات أنه ليس مخطئاً أو أنه لم يتسبب فيما حدث، حتى وإن كان هذا بداخله، وبذلك فهو لا يتحمل مسؤولية ما فعله. علِّمه تحمُّل مسؤولية أفعاله وإصلاحها بدلاً من إلقاء اللوم على الآخرين، وهذا يكون أولاً بالقدوة، فابدأ بنفسك أولاً.
4- مهارة الاستماع
عندما نسمع أطفالنا بشكل منتظم خلال اليوم ونوفر لهم فرصاً للمناقشات المحترمة وإبداء الرأي، يتعلمون هم بالقدوة مهارة الاستماع.
أنصِت لما يحكيه طفلك باهتمام، مهما بدا لك صغيراً وتافهاً، انزل لمستوى عينيه وانظر مباشرة في عينيه، هذا يكسبه ثقة بنفسه ويعلمه كيف يستمع للآخرين .
5- مهارة العصف الذهني والتفكير في حلول
فمن خلال مشاركتهم بعض المواقف اليومية وسؤالهم عن مقترحاتهم وما يمكن فعله في تلك المواقف، يتعلمون من خلال تلك المواقف البسيطة مهاراة العصف الذهني والبحث عن حلول.
فمثلاً، إذا جاءك بعض الضيوف فجأةً أو نفد أحد الأطعمة الهامة في المنزل، يمكنك استغلال مثل هذا الموقف البسيط والجلوس مع طفلك للبحث عن الحلول المتاحة ومدى قابلية تطبيقها.
حاوِل النظر إلى المواقف البسيطة اليومية بنظرة مختلفة، ففي الحقيقة تعتبر تلك المواقف والتحديات كنزاً يمكنك من خلاله تعليم أطفالك العديد والعديد من المهارات الهامة، فالأطفال لا يحتاجون إلى برامج خاصة معدَّة لتنمية مهارات الحياة، ولا هم يتعلمون عن طريق الوعظ المباشر والكلام من دون قدوة وفعل.
استغل هذه الفرص اليومية الثمينة.