يعتقد الكثير من الآباء والمعلمين خاصة في عصرنا الحديث أن العقاب البدني له آثار سلبية كثيرة ولذلك فهم يتجنبون استخدامه ويستخدمون أساليب أخرى للعقاب مثل كرسي العزل أو ركن العقاب واللوم والتوبيخ والحرمان والمنع وما إلى ذلك من الأساليب التي يعتقد معظم من يستخدمها انها طرق جيدة ولا تؤذي الطفل.
لكن ما لا يعلمه من يستخدمون هذه الطرق أن هناك عوامل مشتركة بين تأثير هذه الطرق وتأثير العقاب الجسدي على الأطفال. مما يجعل أثر الطريقتين واحد.
1. اوضح تصوير خلايا المخ ان تأثير التجارب النفسية المؤلمة مثل العزل أو الرفض واللوم والتوبيخ يبدو مشابه لتأثير الألم الجسدي على الخلايا أي أن المخ يتعامل في الحالتين بنفس الطريقة.
2. في الحالتين يرتفع مستوى الكورتيزول الذي يوقف عمل الجزء الخاص بعلاج الذكريات في المخ ويعتبر الكورتيزول مادة سامة للخلايا العصبية إذا ارتفع مستواه لفترات طويلة حيث يعيق نمو وتواصل بعض المناطق في المخ ويدمر الوصلات العصبية والخلايا العصبية خاصة في فترات النمو.
3. تُرى كيف ستكون قرارات الطفل عن نفسه وعن البالغين الذين يعاقبونه وعن العالم كله؟ هل تعلم أن الأطفال يبدأون منذ الولادة في تكوين المنطق الخاص بهم في الحياة؟ هل تعلم انهم يبدأون منذ سن صغيرة جدًا في اتخاذ قرارات عن أنفسهم وعن البالغين وعن العالم حولهم؟ّ! هل تعتقد أن هناك فرق في القرارات والقناعات التي يكونها الطفل في حالة وقوع عقاب جسدي عن حالة وقوع عقاب نفسي؟!
هيا نفكر في ماهية القرارات والقناعات التي يكونها الطفل. انا غير مقبول أو انا لا استحق قد يكون قراري إني لا أثق في الكبار الذين يذيقونني هذا الألم ولن الجأ لهم في حالة وقوعي في أي مشكلة. قد يكون القرار انهم يفوزون الآن ولكني سأنتصر لاحقًا. إنه عالم غير آمن. المشاعر غير هامة وغير مقبولة ويجب دفنها وعدم التعامل معها. آلاف الاحتمالات عن القرارات والقناعات التي يكونها الطفل في الحالتين.
الآن عرفنا أنه لا فرق بين العقاب الجسدي وبين وسائل العقاب الأخرى مثل العزل والحرمان والمنع واللوم وما إلى ذلك. ولكن كيف نعالج آثار هذه الطرق على أطفالنا إن كنا نستخدمها؟ هل من سبيل لمحو تلك الآثار السلبية؟
الحمدلله الذي منحنا عقلًا ذو مرونة عصبية أي أنه قابل للتشكل والتغير وإعادة تركيب وترتيب الوصلات بداخله على مدى الحياة. ويمكننا استخدام هذه النعمة الكبيرة في تغيير الآثار والوصلات السلبية التي تكونت داخل دماغ طفلي كنتيجة لتعرضه لأنواع العقاب المختلفة.
أولًا:
تعلّم أدوات جديدة للتعامل مع تحديات أطفالك اليومية بطريقة تحترم وتحافظ على مشاعر الجميع. مثل عقد الاتفاقات ووضع قوانين وروتين معًا وليس فرضها على الطفل وإقرار مشاعر الطفل مع الحزم واحترام الآخرين والموقف وغيرها الكثير.
ثانيًا:
تعاطف مع احتياجات ومشاعر طفلك وتفهم ما وراء سلوكياته التي نراها مزعجة. حيث ان هذه السلوكيات في الاصل ما هي إلا عرض يعبر به الطفل عن ما بداخله من احتياجات نفسية وعاطفية. وكمثال لذلك فالطفل الذي يريد جذب انتباه اهله طوال الوقت بتصرفات تبدو لنا مزعجة مثل البكاء المستمر والطلبات الكثيرة جدًا فهو في الأصل يعبر عن احتياجه الداخلي بان نلاحظه ونشركه في أمور مفيدة ونجعله يشعر بقيمته وتأثيره داخل الأسرة. أو الطفل الذي يؤذي من حوله بشكل يبدو لنا انتقامي وبه عنف شديد، فهو يعبر لنا عن ألمه الداخلي ويحتاج لمن يشعر بألمه ويتعامل مع مشاعره ويتفهمها فهو متألم في الأصل.
ثالثًا :
وهو أهم خطوة هي ان تسترجع مع طفلك مشاعره أثناء تلك المواقف العصيبة. نعم تذكر معه المواقف المختلفة وتكلم عنها معه وعن ما شعر به. ساعده في تعريف المشاعر وتسميتها. لا تبرر تصرفك. فقط تكلم معه عن مشاعره وقت الموقف وانك تتفهم انه بالتأكيد شعر بها وأنها بالفعل مشاعر مؤلمة. ساعده مرة بعد مرة على سرد المواقف العصيبة بالتفصيل وما حدث في الموقف وما قمت به انت وما شعر به هو. اعتذر له واحتوي مشاعره الحقيقية جدًا واظهر له التعاطف والتفهم لما شعر به.
استرجع مع طفلك موقف محدد تعاملت معه بشكل خاطئ وابدأ في سرده
الاب: هل تتذكر يا بني عندما صرخت بوجهك البارحة عندما سكبت الماء على الطاولة؟ انا اعلم انك شعرت بالخوف الشديد بسبب صراخي. صحيح؟
الطفل: نعم يا أبي
الأب: اعلم ذلك (بتعبيرات وجه ونبرة صوت تعبر عن التفهم والتعاطف والاعتذار مع الحضن ان امكن) بماذا شعرت أيضًا؟
الطفل: شعرت بالحزن الشديد ولهذا بكيت كثيرًا.
الأب: لديك حق يا بني فقد كان صوتي مرتفع جدًا. انا اعتذر لك على ارتفاع صوتي وصراخي بهذا الشكل واتفهم جدًا انك شعرت بالخوف والحزن الشديد.
لا يعني ذلك بالطبع أننا سنتحول لملائكة لا تخطيء. ولكن هي دعوة لفهم أعمق لمشاعر أطفالنا. وهناك فارق كبير بين من يخطئ ويتعامل مع أطفاله في بعض المواقف بشكل خاطئ – وهذا يحدث وسيظل يحدث لنا جميعًا – وبين من يعتقد ان العقاب يعالج سلوك الأطفال ويتعامل بطرق تؤذي الطفل عن قصد وهو واهم أنها طرق تقويم صحيحة.
دعونا نعامل أطفالنا كما نُحب أن نُعامل.