لا تعيش المرأة التونسية وحدها حالة الجدل الحادة التي أعقبت قرارات الرئيس السبسي الأخيرة، بشأن الإرث والزواج، فقد انتشرت هذه الحالة عبر الشبكات الاجتماعية، وكأن الأمر يبدو جديداً، على الرغم من وجود خطوات أخرى سبقته منذ خمسينات القرن الماضي.
يرجع الفضل في ذلك لحركات الإصلاح التي بدأت في عهد بورقيبة، وعلى رأسها حركات نسائية من مختلف التيارات الفكرية، لتأتي في مقدمة هذه المكاسب ما تضمنته مجلة الأحوال الشخصية من حقوق أسهمت في الحد من مظاهر التمييز، مثلما جاء في كتاب "المرأة في الحركات الإصلاحية".
قوانين أنصفت المرأة التونسية
The Islamists Are Coming: Who They Really Are"، يرجع الكاتب الأميركي "روبين رايت" أسباب اهتمام رؤساء تونس (بورقيبة، بن علي) بحركات التجديد الديني الخارج عن المألوف إلى محاولتهم فرض سيطرة الدولة على جوانب واسعة من الدين، بدليل القوانين التي صدرت في عهدهما.
وقد بدأت حزمة التشريعات والقوانين التي أعطت للمرأة ميزات جديدة، منذ عام 1957 مع صدور قانون الأحوال الشخصية، الذي منحها ترسانة هامة من القوانين التي تدفع نحو المساواة مع الرجل، لكنّ الانتقادات ما زالت توجه له من الناشطين في الحركات النسوية.
جرّم قانون 1957 تعدد الزوجات، ومعاقبة الزوج الذي يتقدم بطلب زواج من امرأة أخرى بعقوبات قد تصل للحبس ودفع غرامات كبيرة. وبعد أن عادت دعوات لأنصار التيارات السلفية في تونس، إلى إباحة تعدد الزوجات، أثار ذلك ردود فعل متباينة، بين من يراها تراجعاً عن المكتسبات التاريخية للمرأة، ومن يعدها حلاً لمشكلات اجتماعية، مثل العنوسة والطلاق.
وأعطى القانون للمرأة الحق في تزويج نفسها دون ولاية من أحد، وكذلك حرية تطليق نفسها، وحدَّد سناً أدنى للزواج ليضع حداً لتزويج القاصرات، مثلما أعطى لها حق إسناد الجنسية لأبنائها من أب أجنبي أو أب مجهول أو لا جنسية له أو مجهول الجنسية، وأعطاها كذلك حق الإجهاض دون أن يضر ذلك بصحتها.
وينص القانون التونسي على أنه "يعاقب بالإعدام كل من واقع أنثى باستعمال العنف، والسجن مدى الحياة لكل من واقع أنثى من دون رضاها"، لكن على مستوى التطبيق، فإن عقوبة جرائم الاغتصاب تتراوح بين 10 و15 عاماً من السجن. ونجحت الأصوات المطالبة بإلغاء زواج المغتصب من ضحيته، التي تقتضي منع الزواج القسري من الضحية لفقدان شرط الرضا الحر بالزواج من جانبها، لكونها تحت تأثير أسرتها والمجتمع.
ولعل هذه الخطوة تسهم في دحر العنف الذي تعاني منه 50% من النساء في تونس، حسب دراسة أجرتها جمعية تونسيات، معلّلة ذلك باستمرار نظرة المجتمع التقليدية للمرأة.
وفي مجال العمل، منحها القانون الحق في تأسيس أعمال تجارية، وفتح حسابات مصرفية دون الحاجة لموافقة الزوج. بالإضافة إلى ضمان الرعاية الصحية لها، وساوى بينهما في حق التقاعد، وفي فرص الارتقاء وفي الضمانات عند الطرد.
لكن تظل مشكلة هيمنة الفكر الذكوري في المجتمع، الذي لا تعالجه القوانين وحدها، حسب رأي بعض النشطاء، قائمة، لنجد أن أكثر نسبة للبطالة تكون بين النساء، وحوالي 38% فقط ينجحن في الحصول على عمل، مقارنة بـ 51% من الرجال، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة اليونسكو، ويقل معدل الأجر العام للنساء بنسبة 14% عن أجور الرجال.
وفي مجال التعليم، أقرَّ القانون مبدأ التساوي بينهما في حق التعليم، وجعله إجبارياً، مع الحرص على تطوير الصورة النمطية عن المرأة لدى النشء، إلّا أنَّ نسبة الأمية بين النساء أكبر.
وفي 2015، أقر البرلمان التونسى قانوناً جديداً يسمح للمرأة بالسفر مع أولادها القصّر دون الحصول على إذن والد الطفل، لكن تظل مسألة الولاية للأم محل خلاف، ولا تؤول إليها، إلّا في حالات استثنائية يحددها القضاء.
وفي مجال الحقوق المدنية والسياسية، ساوت القوانين بين المرأة والرجل من ناحية الأهلية للقيام بالعقود المدنية والإجراءات القضائية، ومنحتها حق الانتخاب والترشح وتحمل المسؤوليات النيابية والحكومية، والمشاركة السياسية بكافة أشكالها.
ومؤخراً، لقيت دعوة الرئيس التونسي السبسي للمساواة بين الجنسين في الميراث والسماح للمرأة المسلمة بالزواج بغير المسلم، صدى تونسياً وعربياً، تفاوت بين الرفض والقبول.
ومن القوانين التي أشار إليها السبسي في دعوته، المنشور رقم 73، وهو القانون الذي يفرض شروطاً على زواج المرأة التونسية بأجنبي، ويمنع بشكل صريح اقترانها بغير المسلم، وقد أعلن عبد الفتاح مورو، نائب رئيس حركة النهضة عن تأييده لحق المرأة التونسية في الزواج بمن تشاء.
ومع أن كلام السبسي لقي تأييداً من دار الإفتاء بخصوص أحكام الميراث وزواج المرأة من غير المسلم، إلا أنه لم يسلم من انتقادات صارمة، وأثار حفيظة الأزهر في مصر ومؤسسات دينية أخرى في العالم العربي.
لكن على الصعيد الآخر، أطلق معارضو الدعوات لتوقيع حملات لسحب الثقة منه، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بتهمة مخالفته الصريحة للفصل الأول من الدستور.
على خطى تونس
الدستور التونسي لعام 2014 إلى جانبها، مؤكداً على ضرورة مساواتها بالرجل في مختلف المسؤوليات وجميع المجالات.
وكان ذلك بمثابة الشرارة التي انطلقت في بعض الدول العربية، وبالتالي توسعت حركات حقوقية عربية للسير على نهج تونس، خاصة فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية.
ونستعرض فيما يلي بعض المحاولات العربية، التي كان آخرها ما قرَّره البرلمان اللبناني، بإلغاء المادة 522 من قانون العقوبات التي تعفي المغتصب من العقوبة في حال زواجه من الضحية.
وكان الأردن قد سبق لبنان إلى هذه الخطوة، مطلع الشهر الجاري، بإسقاط المادة 308 من قانون العقوبات، التي خصصت للأمر نفسه.
ويعاقب القانون المغربي المغتصب بالسجن من 5 إلى 20 سنة، وكان المغرب قد ألغى في عام 2014 قانوناً يوقف ملاحقة الجاني إذا تزوج بضحيته. لكن أبقى على فقرة واحدة يطالب النشطاء بحذفها، والتي تنص على أن "من اختطف أو غرر بقاصر تقل سنها عن 18 سنة من دون استعمال عنف، ولا تهديد، ولا تدليس، أو حاول ذلك يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة من 200 إلى 500 درهم".
وفي قطر، حددت المادة 198 من قانون العقوبات عقوبة جريمة الاغتصاب بالسجن 10-14 سنة، ولا يتضمن القانون القطري أي نصوص تعفي المهتم من العقوبة في حال تزوج من ضحيته.
أما في حالات الطلاق، فقد أعطى القانون التونسي للمرأة حق تطليق نفسها، وألا يقع الطلاق إلا لدى المحكمة، لكن يعد المغرب هو الأفضل من حيث القوانين بعد تونس، فألغى إعطاء الحق للزوج بالطلاق الشفهي، حسب القانون الصادر في 2004.
ورصدت صحيفة "المغرب اليوم"، تأييداً مغربياً لوضع استراتيجية كاملة للمساواة بين الجنسين، بما فيها المساواة فى الإرث، ولقيت الدعوة ترحيباً من النشطاء والمثقفين المغاربة.