نعلم جميعاً مراحل تكوّن الجنين في رحم أمه، كما نعلم أنه عند الجماع يجري نحو 250 حيواناً منوياً إلى البويضة لتلقيحها، فتُخصّب بويضة وهنا يبدأ الحمل، ليكون بذلك احتمال أن يكون الجنين أنثى يساوي احتمال أن يكون ذكراً.
كل ما ذُكر إلى غاية الآن يعتبر أمراً عادياً، بديهياً ومتفَقاً عليه. لكن الأمر غير العادي هو أن تُولدي أنثى في مجتمع عربي ينعت نفسه بـ"المتحفظ"، رغم أن هذا التحفظ يكون مزيفاً في غالب الأحيان!
فهل تدركين -يا عزيزتي- ما معنى أن تولدي أنثى في مجتمع عربي؟
طبعاً، تدركين، ومَن غيرك يدرك هذا؟! فأنتِ التي تعايشين هذا الواقع كل يوم. لكن ومع ذلك، دعيني أذكركِ:
أن تولدِي أنثى في مجتمع عربي، يعني أن تكوني فتنةً، يعني أن تكوني ناقصة عقل وناقصة دين؛ يعني أن تكوني سبباً في الحروب؛ العالمية منها والأهلية؛ يعني أن تُنسَب إليك جل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للبلاد. أن تكوني أنثى، يعني أن يتحدثوا بلسانكِ، أن يُفتوا في لباسكِ ومأكلكِ ومشربكِ؛ يعني أن يحددوا تلك المواصفات التافهة التي تحدد نسبة جمالكِ؛ فمنهم من يرى جمالكِ في طول قامتكِ، ومنهم من يرى أن حياءكِ هو سر جمالكِ، ومنهم من يعتبِرك جميلة طالما تتبعين ديانة أو طائفة معينة.
أن تولدي أنثى في مجتمع عربي، يعني أن يحددوا تاريخ زواجكِ منذ صغر سنكِ؛ يعني أن يُفرض عليك الزواج في سنٍّ معينة؛ حتى لا يفوتك "قطار الزواج" فتصيري "عانساً"، لتضطري بذلك إلى أن تتخلي عن أحلامكِ التي رافقتكِ منذ صغركِ، لتصبح طموحاتكِ في مهب الرياح؛ يعني أنه عليكِ الاستمرار في زواج مهما كنتِ غير راضية عنه. طبعاً، فهذا أفضل من أن تصبحي "مطلقة"؛ يعني أن يخاف أهلكِ وقبيلتكِ على ما ينعتونه بـ"شرفكِ" أكثر مما يخافون على مشاعركِ، وأحلامكِ وطموحاتكِ.
أن تولدي أنثى في مجتمع عربي، هي إعاقة سترافقك طالما لم تتمردي بعدُ على أفكارهم التي تجاوزها العقل البشري منذ زمن بعيد، لكن مجتمعنا العربي لا يزال متشبثاً بها كركن أساسي، ومبدأ من مبادئه المقدسة.
لكن أتعلمين ما الشيء المثير للاشمئزاز في كل هذا يا عزيزتي؟
ليس رؤية مجتمعكِ لكِ؛ لأن هذا الشيء قد كبُر معنا فألِفناه حتى صرنا لا نطمع في أن تتغير رؤيتهم يوماً. المثير للخزي والشفقة معاً في كل هذا يا صديقتي، هو أنكِ أنتِ من تُفسحين المجال لكل هذا في بعض الأحيان. فأن تتبنّي أفكارهم وأن تتقمّصي الدور الذي وضعوه لكِ بإتقان، هو خطأ ستلومين نفسك عليه عاجلاً أم آجلاً. أن تضعي شخصاً آخر غيركِ أنتِ محوراً لحياتك، وأن تضحي من أجل شيء عدا أحلامكِ وطموحاتكِ، يُعتبران تأكيداً لأفكارهم التي من المفترض أن تتجاوزيها؛ بل وألا تعيريها أدنى اهتمام.
أن تكوني أنثى يا صديقتي، هو في الواقع شيء جميل. فأن تملكين حساً مرهفاً لا يملكه غيرك من الكائنات، هو عطاء تُحسدين عليه، فلا تجعليه يذهب سدىً، وكوني أنتِ أينما كنتِ.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.