قد يحتاج البعض لإطالة مدة ممارسة الجنس لحدوث الحمل.. العلم يفسر كيف تستجيب المرأة للجماع

يعتقد معظم الناس أن حيواناً منوياً واحداً فقط هو ما يتطلَّبه تخصيب بويضة المرأة من أجل حدوث حمل صحي. ويدعم هذا الاعتقاد نظرة شائعة لكل الحيوانات المنوية الأخرى -وكل ممارسات الجنس الأخرى- على أنَّها فائض عن المطلوب، على الأقل فيما يخص حدوث الحمل.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/01 الساعة 09:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/01 الساعة 09:12 بتوقيت غرينتش

تطورت العملية الجنسية عبر ملايين السنين باعتبارها آلية لإيصال الحيوانات المنوية للذكر إلى بويضات الأنثى وبدء الحمل، ولكن الجنس أكثر من مجرد التقاء مجموعتين من الجينات.

وفي هذا الإطار، تفحص سلسلة مقالات "ما هو المغزى من الجنس؟"، التي تُنشر على موقع The Conversation، بعض الجوانب الاجتماعية والجسدية والبيولوجية للجنس.

إذ يسلط هذا المقال الضوء على كيفية استجابة النظام المناعي للمرأة للجماع، وتسهيله إتمام حدوث حمل صحي.

يعتقد معظم الناس أن حيواناً منوياً واحداً فقط هو ما يتطلَّبه تخصيب بويضة المرأة من أجل حدوث حمل صحي. ويدعم هذا الاعتقاد نظرة شائعة لكل الحيوانات المنوية الأخرى -وكل ممارسات الجنس الأخرى- على أنَّها فائض عن المطلوب، على الأقل فيما يخص حدوث الحمل.

إلا أن علماء الأحياء يعتقدون الآن أن الاتصال الجنسي ليس مجرد عملية إيصال الحيوان المنوي إلى البويضة وحسب، لكنه أيضاً نوع من الاتصال البيولوجي.

وبغض النظر عما إذا حدث التخصيب أم لم يحدث، فإنَّ الحيونات المنوية والمكونات السائلة الأخرى التي تصاحب القذف، تتسبب في إحداث تغيير طفيف في الجهاز المناعي للنساء.

كما أن للنشاط الجنسي المنتظم آثار على تخطيط التخصيب، والتلقيح الصناعي، وأي من أشكال الإخصاب التي تتم بوسائل مساعدة، والتي لا تنظر عموماً بعين الاعتبار إلى الممارسات الجنسية أو تاريخها.

الحيوانات المنوية تسبح في حساء من الرسائل الجزيئية


قادت الدلائل التي توصلت إليها البحوث على الحيوانات والدراسات السريرية الباحثين إلى استنتاج أن السائل المنوي -وهو السائل الذي تسبح فيه الحيوانات المنوية عقب القذف- يلعب دوراً هاماً في الخصوبة.

إذ يحتوي السائل المنوي على جزيئات صغيرة تؤدي وظيفة الإشارات البيولوجية. وعندما تندفع نحو مهبل المرأة وعنق الرحم، يقنع السائلُ المنوي الجهازَ المناعي لدى المرأة بأن يتخذ بروفيل مناعياً يتحمل البروتينات التي تحتوي عليها الحيوانات المنوية (أي تتعرف عليها وتقبلها)، والتي تُسمى بـ "المستضدات الزرعية" (Transplantation Antigens).

يعد البروفيل المتحمل ذا أهمية في حال حدوث التخصيب، إذ تتعرف الخلايا المناعية على المستضدات الزرعية نفسها في مراحل نمو الجنين، ومن ثم تدعم العملية التي من خلالها يُزدرع الجنين على جدار الرحم، ويُكوّن مشيمة وجنيناً أصحّاء.

لذا بمرور الوقت، يؤدي تكرار التواصل بين المرأة والشريك الذكر نفسه دوراً لتحفيز وتعزيز استجابة بروفيل التحمل الذي يتخذه الجهاز المناعي تجاه المستضدات الزرعية الخاصة بالذكر.

في المقابل، يستجيب الجهاز المناعي الخاص بالأنثى للسائل المنوي الخاص بالشريك الذكر؛ لكي يبني تدريجياً فرص حدوث حمل صحي على مدى 7 أشهر على الأقل من ممارسة الجماع بانتظام.

حمل صحي بعد شهورٍ من الجماع


تقدم حالة مَرَضية تُعرف بـ"مقدمات الارتعاج" فهماً أعمق عن كيفية تأثير التعرض للسائل المنوي في نجاح الحمل، إذ تعد "مقدمات الارتعاج" اضطراباً التهابياً بالحمل يؤثر على نمو الجنين، وفي الغالب يتسبب في ولادة مبكرة. وقد يهدد حياة الأمهات إن لم يُعالَج.

يشيع حدوث "مقدمات الارتعاج" عندما يقل عدد مرات الاتصال الجنسي مع الأب قبل حدوث الحمل؛ إذ إنها ترتبط بالتأسيس غير الكافي لبروفيل التحمل الذي يتخذه الجهاز المناعي لدى الأم.

ويبدو أن طول فترة العلاقة الجنسية بين الزوجين أهم من تكرار مرات الجماع. ففي دراسة عن الحمل الأول أُجريت على 2507 سيدات أستراليات، أصيبت 5% منهن بمقدمات الارتعاج. وكانت احتمالية ممارسة الجماع مع الأزواج لفترة قصيرة (أي فترة أقل من 6 أشهر) لدى النساء اللاتي أُصبن مضاعفة عند مقارنتها مع النساء اللاتي تمتَّعن بحمل صحي.

فالنساء اللاتي خُضن الجماع مع شركائهن لفترة أقل من 3 أشهر بلغت احتمالية إصابتهن بمقدمات الارتعاج 13%، أي أكثر من ضعف المعدل المتوسط لحدوث تلك الحالة.

ومن بين النساء القليلات اللائي حملن مع أول اتصال جنسي مع الأب، بلغت نسبة حدوث مقدمات الارتعاج 22%، أي أكثر من المتوسط بـ3 أضعاف. وشاعت أيضاً حالات إنجاب أطفال ذوي وزن منخفض بين هذه المجموعة.


فيما لم تُدوَّن أي ملاحظات حول العلاقة بين تكرار الجماع خلال فترة الحمل ومخاطر الإصابة بمقدمات الارتعاج، لذا فإن ما يهم أكثر هو الفترة التي يستغرقها الشريكان في ممارسة الجماع قبل الحمل.

أما النساء اللاتي يلجأن إلى طرق منع الحمل مثل الواقيات الذكرية أو أغطية عنق الرحم (التي تقلل حدوث مواجهة بين المهبل وعنق الرحم، والسائل المنوي والحيوانات المنوية)، ثم يحملن بعد فترة قصيرة من إيقاف استخدام أساليب منع الحمل- فإنهنّ أكثر عرضة للإصابة بمقدمات الارتعاج.

في المقابل، اكتُشف أن النساء اللائي يستخدمن اللولب الرحمي أقل عرضة لمخاطر الإصابة بمقدمات الارتعاج.

الجماع خلال التلقيح الصناعي يزيد من فرص الحمل


لوحظت أيضاً أهمية ممارسة الجماع لتوفير البيئة السليمة لحدوث حمل صحي في الدراسات السريرية المتعلقة بالتلقيح الصناعي وطرق الإخصاب الأخرى التي تتم عن طريق وسائل مساعدة؛ إذ تتحسن الخصوبة عندما يحدث الجماع بين الشريكين في الفترة التي ينتقل خلالها الجنين إلى الرحم.

وأظهرت البيانات المجمعة لأكثر من 2000 مريض عبر 7 دراسات، أن حدوث حمل زاد بنسبة 24% بعد الاتصال بين المهبل والسائل المنوي عند اقتراب وقت سحب البويضة أو نقل الجنين. كما أظهرت دراسة لأزواج أستراليين وإسبان أن الجماع في الأيام التي تسبق نقل الجنين مباشرة، أو التي تليها مباشرة، عززت من معدلات الحمل بنسبة 50%.

فيما ركزت هذه الدراسات على المراحل الأولى من الحمل، مع وجود حاجة إلى دراسات أكثر لقياس ما إذا كان الجماع يؤثر على فترة الحمل الكاملة بعد عمليات الإخصاب التي تتم عن طريق وسائل مساعدة.

فقد يكون عدم التعرض للسائل المنوي أحد العوامل التي تشرح سبب ارتفاع حالات الإصابة بمقدمات الارتعاج بعد استخدام بويضات أو سائل منوي من متبرع، حيث لا يحدث اتصال بين الأنثى والمستضدات الزرعية للمتبرع، كما يمكن أن تقل المخاطر المصاحبة لاستخدام المني من متبرع في حال حدوث دورات تلقيح سابقة من المتبرع نفسه.

أمَّا فيما يخص الأزواج الذين يستخدمون نسخة معدلة من التلقيح الصناعي تسمى "الحقن المجهري" (ICSI)، فترتفع نسب الإصابة بمقدمات الارتعاج لدى النساء اللاتي لم يستقبلن سوى كمية قليلة من المستضدات الزرعية لدى شركائهن؛ بسبب انخفاض عدد الحيوانات المنوية.

ويمكن كذلك أن يواجه بعض الأزواج احتمالية تسبب اختلال توازن السائل المنوي أو بعض العوامل المتعلقة بالجهاز المناعي في منع تأسيس بروفيل التحمل المناعي عند النساء أو إبطائه. ويمكن أيضاً أن يواجه بعض الأزواج عدم توافق مناعي يعيق حدوث بروفيل التحمل، بغض النظر عن الوقت الذي قضياه الزوجان معاً.

قد يحتاج بعض الأزواج فقط إلى قضاء فترة أطول في ممارسة الجنس معاً حتى يحدث الحمل.

النظام المناعي يلعب دور الحارس أمام حدوث حمل



من المثير للاهتمام التفكير في سبب الارتباط وثيق الصلة بين الجهاز المناعي والإنجاب.

تقول إحدى النظريات إن الإناث طورن قدرة لديهن لاستشعار الإشارات التي يرسلها السائل المنوي والاستجابة لتلك الإشارات؛ لكي تتبين جودة الجينات الخاصة بالشريك الذكر وملائمتها. فيما يسعى العلماء في الوقت الحالي لتعريف الإشارات الرئيسية، على الجانبين الذكوري والأنثوي، التي تعزز من حدوث التحمل المناعي.

وفي ظل تدخل كون الذكر مدخناً أو زائد الوزن أو أي عوامل أخرى، في تشكيل كيفية استجابة المرأة للجماع من الناحية البيولوجية، يساعدنا هذا في شرح السبب الكامن وراء اعتبار صحة الأب على قدر أهمية صحة الأم نفسه؛ من أجل الاستعداد للحمل.

– هذا الموضوع مترجم عن موقع The Conversation. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد