"الشرف" هو ذلك المفهوم الذي يبدو مبهماً وغير واضح، والذي نصر نحن في مجتمعاتنا الشرقية على جعله مرادفاً لسلوكيات المرأة تبعاً للتقاليد والأعراف، أو ربطه عموماً بكل ما يتعلق بالحياة الجنسية للأفراد، هو نفسه المفهوم الذي يتوسع في مجتمعات أخرى أكثر تقدماً؛ ليشمل سلوكيات أخطر بكثير، والتي أصبحنا نتعايش معها بشكل يكاد يكون طبيعياً.
الشرف في مجتمعات ذكورية كتلك التي نعيش فيها مرتبط بشكل كبير بالمرأة، لذلك لا عجب أن أقصى إهانة قد يتعرض لها المرء هي أن يعاير بشرف أمه، فتوصف بالعهر مثلاً، في نفس الوقت الذي يتزلف فيه الكثيرون للمرتشي، ويصل سارقو المال العام إلى أعلى المناصب في الدولة، ويحظى فيه تجار المخدرات والسموم في كثير من الأحيان بالاحترام والتبجيل، ويحسد المتلاعبون والمحتكرون على "امتيازهم" هذا.
هذا المفهوم -كما ذكرنا آنفاً- مرتبط بطبيعة المجتمعات الشرقية ذات البنية الذكورية؛ حيث ما زالت النساء في بعض الدول تُمنَع من أبسط حقوقهن، هذا المنع يعود بلا شك إلى طريقة تفسير مفهوم الشرف، هذا التفسير المبني بدوره على العادات والتقاليد التي يدعي المدافعون عنها أنها نابعة من صميم الدين، إلا أن الملاحظ لا يمكن إلا أن ينتبه إلى أن الدين الحنيف جعل مفهوم الشرف أوسع بكثير مما يحاول البعض حصره فيه.
وبطبيعة الحال، فإننا لا ننفي أبداً أن عفَّة المرأة أمر بالغ الأهمية، وهو أمر لا يختلف فيه اثنان، ولا ننفي كذلك أن على هذه المرأة التشبث بالأخلاق الكريمة في تناغم تام مع تقاليد وأعراف مجتمعها، فنحن لسنا ممن يدعون إلى هدم التقاليد بشكل كامل لأي سبب من الأسباب، إلا أن المنطق يدعونا لأن نتساءل: ألم يحِن الوقت بعد ليصبح مفهوم الشرف في مجتمعاتنا الشرقية أكثر شمولاً؟ أليس حصر الشرف في حيز أخلاقي ضيق سبباً من أسباب تراجعنا؟
في بعض المجتمعات الغربية تكون أبسط التهم المتعلقة باستغلال النفوذ أو غيرها من التجاوزات داعياً للمتهم بها إلى الاستقالة والتواري عن الأنظار؛ إذ إن الأمر إن ثبت يكون بمثابة ذنب يصعب أن يغتفر، فذلك الشخص يكون بمثابة خائن لثقة المسؤول عنهم، وفي مجتمعات آسيوية أخرى تفوقنا تقدماً على جميع المستويات، يصل الأمر لحد الانتحار في حالة ثبوت تهم ترتبط غالباً بالشأن العام؛ لذلك لا غرابة في أن ينتحر مسؤولون على أعلى مستوى في هذه الدول، بعد أن لحقهم العار، وبعد أن فقدوا أعز ما يملكون.. إنه الشرف.
ولا داعي هنا بالطبع لأي مقارنة مع ما يحصل في مجتمعاتنا، فإن كنا أخذنا هنا بحالات أشخاص مسؤولين من دول أجنبية عنا، فإن نفس الأمر ينطبق بالضرورة على شعوبهم، التي تقدس الأخلاق العامة في بُعدها الكوني، وتعمل على تعميمها وزرعها في الأجيال اللاحقة، فالسرقة والفساد والارتشاء واستغلال النفوذ والمتاجرة بالممنوعات وغيرها من "الكبائر" كلها موجبات لانتقاض شرف الإنسان كيفما كان أصله أو دينه أو جنسه.
إن كل ما سبق ذكره يؤكد أنه أصبح من المحتم علينا إعادة صياغة صحيحة وشاملة لمفهوم الشرف، صياغة تضمن أن كل تلك الممارسات التي أصبحنا نتغاضى عن بعضها، ونطبع مع البعض الآخر، ستصبح فعلياً أموراً محرمة بالدين والعرف والقانون، حتى تكون تلك طريقنا نحو المجتمعات التي تحث على الفضيلة والأخلاق الحسنة، ونصل إلى مبتغانا المتمثل في التقدم والازدهار.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.