على شاطىء نيس بفرنسا وتحديداً في 24 أغسطس/آب 2016 أجبرت مجموعة شرطية مُسلحة سيدة على خلع الـ Burkini – زي البحر الشرعي -. لم تكن الحادثة مجرد إهانة لسيدة بريئة، بل كانت تشير إلى تصعيد مُخيف للاضطهاد المستمر الذى تتعرض له الأقليات المسلمة في فرنسا تحت ذريعة الدفاع عن الثقافة العلمانية.
وبالرغم من رفع الحظر عن ارتداء زي السباحة المحتشم بعد تلك الواقعة، إلا أن الحادث يبقى وصمة عار في معاملة النساء المسلمات.
لم تُعبر المناقشات التي جرت فى وسائل الإعلام عن الجاليات التي تأثرت بشكل مباشر بالتمييز، بل كانت الأصوات الأعلى للمناهضين لهم.
صحيفة Elle قررت أن تسمع صوت السيدات المسلمات في إحدى البلدان التي تتبنى الثقافة العلمانية، والتي صارت، على نحو متزايد، هي المرادف للتعصب تجاه الفرق الأخرى.
سألت الصحيفة 5 سيدات باريسيات من أصل أفريقي حول الجدل الدائر بشأن الزي الشرعي لنزول البحر، والاتجاهات نحو المسلمين والعرب بشكل عام في أوروبا، ورؤيتهم للتعددية الثقافية في فرنسا.
سونيا اميمو (27 عاماً): منع البوركيني لن يجعل المرأة ترتدي البيكيني
تعمل سونيا وهي فرنسية من أصل مغربي، حرفيةً في مجال المصنوعات الجلدية وهي تشتغل لحساب عدد من بيوت الموضة الفرنسية هم لويس فويتن وهرمس ومونت، والآن تدير نشاط "إكسسوارات" خاص بها يحمل اسم ASWAD.
"أحدث البوركيني ثورةً عنيفةً للغاية"، فالتصميم نفسه ربما يكون جديداً، لكن إخفاء السيدات أجسادهن على الشاطىء ليس بالأمر الجديد حقاً.
وفقاً لما أذكره كانت عماتي يذهبن إلى الشاطئ وهن يُخفين أجسادهن بالكامل، وبالنسبة لي يُعد من سوء الفهم اعتبار أن منع المرأة من ارتداء "البوركيني" سيجعلها ترتدي "البيكيني" فهي لن تفعل ذلك كل ما ستفعله أنها لن تذهب إلى الشاطئ.
تختبئ فرنسا خلف ما يُسمى بالثقافة العلمانية للتحكم في الأقليات، لكنها في الحقيقة دولة كاثوليكية بشدة، فالأسماك تُقدم في المدارس يوم الجمعة، والعطلات الرسمية المسموح بها فقط هي العطلات المسيحية.
العلمانية في فرنسا هي وسيلة لمحو صوت الآخر – حسب تعبيرها -، "نشأت وأنا أشعر بأني مواطنة من الدرجة الثانية لكوني سيدة من أصل عربي، ودائماً علي أن أكون هادئة وعاقلة قدر الإمكان".
أثناء عملي في أول وظيفة لي طُلب منى أن أختبئ أثناء تجول الزبائن في المكان لأنهم إذا شعروا أن اليد التي تصنع حقائبهم ليست بيضاء سيصيبهم الذعر.
في المقابل باريس بلد تشعر فيها أنك أكثر انفتاحاً، لقد تعلمت أن أتقبل نفسي، وصنعت العالم المادي والرمزي الخاص بي من خلال حلق شعري واللعب مع الموضة، حتى أني أطلقت المشروع الخاص بي وهو ASWAD وهو يعنى أسود بالعربية، أقتبس تصميماتي من Brutalist وهي حركة معمارية فرنسية وكذلك من العمارة الإسلامية، فأجمع بين تاريخ بلدي والحياة الحضرية التي عشتها هنا، هذا على وجه التحديد ما تعنيه الحياة الفرنسية بالنسبة لي.
إيمان غوالي: التفرقة بين المواطنين تخلق عداء للسامية
امتهنت إيمان البالغة 34 عاماً، وهي من أصول جزائرية، إخراج الأفلام الوثائقية المتخصصة في المجال القانوني، وهي مؤلفة كتاب "عصابة الفئران الخضر".
وتقول: مشكلة هذا الجدل الراهن أنه يصنع ثنائية من البوركيني والبكيني، وبالتالي فالمرأة مخيّرة بين ارتداء البوركيني والخضوع للهيمنة الذكورية تماماً، أو أن تتعرّى وتحصل على حريتها.
إلا أن نساء عائلتي اعتدن تغطية أجسادهن بدرجاتٍ متفاوتة، فبعضهنّ يرتدين الحجاب، وأخريات الجلباب، في حين تفضّل أخريات البكيني!
لكن الأمور تغيّرت جذريّاً بالنسبة للعرب بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001؛ ففجأة جرت شيطنة أي رمز ديني وقرنه بالإرهاب.
أما أن يقوم رجال الشرطة بإجبار امرأة مسالمة على خلع ملابسها، فهذا فعل أرعن وتحرّك خطير.
فقد أصبح الآن لدى الشباب العربي في باريس شخصيّة الضحية، أو الشهيد إن جاز التعبير، والرسالة التي تصلهم عبر هذا التصرّف من رجال الشرطة هي باختصار "انظروا، إن الدولة تكرهكم، وعلى استعداد حتى أن تُهينَ أمهاتكم في الأماكن العامة".
وهذه الرسالة من المرجّح أن تولّد مشاعر العداء للساميّة كذلك، فاليهود عامّةً لا يتعرّضون لهذا القدر من الصرامة تجاه رموزهم الدينية في المجال العام.
ومن جانب آخر تتبع السلطات معايير مزدوجة حين يجري التعامل مع فاحشي الثراء من دول الخليج العربيّ، والذين يقومون بالإنفاق ببذخ وإسراف مع التمتع بحريات أكبر من غيرهم.، وهو ما أدى إلى خلق بيئة مشبّعة بالقلق والتوتر للمواطنين العرب في فرنسا، وأتحدث هنا عن نفسي أيضاً.
أذكر أن أحدهم قام بشّدي من ذراعي في الحافلة، لو حدث هذا في الماضي لَرُبّما صرختُ بوجهه، لكنني مؤخراً كتمتُ صرختي، إذ توقّعت أن تكون تعليقات البعض من نوعية "انظروا إلى هذه العربية تصرخ بشكل هستيري".
صوفيا جويلاتي: تغويني فكرة ارتداء الحجاب فقط لأرى ردّة فعل الجمهور
أما صوفيا، فتونسية تبلغ من العمر 33 عاماً، تعمل رئيسة التحرير السابقة للنسخة العربية من Style.com، وتعمل كمستشارة أزياء، وخاصة في أسواق الشرق الأوسط.
تقول: أنا حقّاً منزعجة من الفرنسيين وردة فعلهم العنيفة وغير المتحضّرة تجاه البوركيني.
كانت جدّتي دوماً ترتدي كامل زيّها على الشاطئ، "لا أريد أن أفرض على الناس ساقي عاريتَين".
فالاحتشام، وخاصة في أوساط العجائز، يعتبر جزءاً من الثقافة التقليدية والموروث الشعبيّ، وهو أيضاً من أبسط حقوق الإنسان.
لقد عشتُ في دبي، وتونس، ونيويورك، ولم تكن أيّ من هذه المدن تتعامل بصورة عدوانية واستفزازية تجاه الأقليات كما تفعل فرنسا.
يمكنك تأمل كيف بُنيت باريس لتعرف كيف يعيش قاطنوها: مركز المدينة السياحيّ جميل وجذاب لكنه أيضاً مطوّق بطريق دائري مما يجعل كافة التجمعات والمشروعات الأخرى خارج المدينة، وهو ما يؤدي إلى استحالة فرص الاندماج والتطور الاجتماعي.
بالنسبة لي، فإنني دائماً ما كنت أشعر بأنني العربية الباعثة على الطمأنينة، فبشرتي فاتحة وليست داكنة، ما يحدو بجارتنا إلى القول "أنا أحب العرب؛ أنتِ وأحمد (البقّال) طبيعيّون جدّاً".
وفي دولةٍ تحظر الرموز الدينيّة، يصبح الحجاب رمزاً للاستفزاز ومناهضة السلطات.
سترتديه الكثيرات بدافع مقاومة السلطات، في تحدٍّ يبدو طفوليّاً لكنه حقيقيّ كذلك، واليوم تغويني فكرة ارتداء الحجاب في أسبوع باريس للأزياء القادم، فقط لأرى ردّة فعل الجمهور.
إنني كمحررة أزياء، أدرك تماماً مقدار الحريات التي حصلت عليها المرأة في مجال الأزياء؛ إذ أهدتنا مصممة الأزياء كوكو شانيل فرصة الانعتاق من الكورسيه وارتداء القمصان والملابس الواسعة والفضفاضة—هل يمكن اتهام شانيل اليوم بأنها تنتمي إلى داعش؟
نايلة داريا – متحوّلة جنسياً
نايلة (29 عاماً) من أصول جزائرية تعيش في إيطاليا وتنظم الحفلات الليلة للمثليين في باريس.
تقول: أكثر ما صدمني في الجدل بشأن البوركيني هو المعنى الضمنيّ: خلف كل حجاب هناك امرأة منصاعة لهيمنة زوجها.
مَن يفكّرون بهذه الطريقة يرفضون الإقرار بأنه ربما يكون فعلاً خياراً شخصيّاً أتى دون إجبارٍ من أحد، وأن هذه المرأة المسلمة لديها حريّة الفكر وقوة الإرادة.
من الصعب أن تكون عربيّاً أو عربيّة في فرنسا، لأنك ستكون محاصراً ببعض الصورة النمطية.
فالصورة المعتادة عن العربيّ هي: البلطجيّ، تاجر المخدرات، المتسرّب من التعليم، أو الإرهابيّ المحتمل، أما بالنسبة للمرأة فهي إما الكائن الشبق والمتعطّش للجنس، أو ضحيّة المجتمع الأبويّ/الذكوري المسلم الذي يجبرها على الحجاب.
كامرأة متحوّلة جنسيّاً، فقد شهدت كافة صور التحكّم في الجسد الذي تمارسه الدولة، بالنسبة لي، ومع رؤية التفرقة في المجال الطبيّ وقيوده المذلّة بشأن العلاج الهرمونيّ، أصبحت على يقين أنّ أيّة هوية لا تتلاءم مع الهوية الجنسية البيضاء هي عُرضة للقمع والعقوبات.
ليست هناك صورة واحدة بل عدة صور للمرأة العربية، مع عدد مهول من السرديّات الحداثية والهويات الجنسيّة.
لارا عبد السلام: نريد الحرية والمساواة لجميع الأطياف
تعمل لارا (26 عاماً) وهي هولندية من أصل تونسي، في مجال الأفلام المستقلة.
تقول: نشأت في تولون وعاشت في مرسيليا وبروكسل، ومؤخراً انتقلت إلى باريس. وقد نشأ بعض أفراد عائلتي بتديّن أكبر، حتى أنّ أحد أعمامي سافر إلى سوريا.
أرى أن العنصرية الفرنسيّة تغذّي هذا الشعور بالانتماء إلى مجتمعات صغيرة مع لمسة من التديّن كأحد سبل مقاومة السلطات، والتي تسحق التنوّع والاختلافات بدلاً من الاحتفاء بها، مدّعية أن هذا هو الاندماج المجتمعي المطلوب.
بالنسبة لي، فبالطبع أتمسّك بعائلتي التونسية والوشم على جسدي، مع رأسي الحليق – لماذا لا يمكنني أن أبدو كما أريد؟ إنني نتاج بيئتي والوقت الذي عشت خلاله فيها.
بحكم عملي في الحقل الثقافيّ، لدي مجموعة متنوّعة من الأصدقاء، والمظهر والهوية بالنسبة لنا هو طريقتنا في الاحتفاء بالتنوّع والتعددية الثقافية والتسامح.
إن أكثر ما يزعجني بشأن هذا البوركيني- أكثر من مجرد الإذلال والإهانة لامرأة مسالمة وبريئة على الشاطئ -، هو أن هذه الجدل يتجاهل واقع المخاطر التي تواجهها أي امرأة تعيش في مدينة كبيرة مثل باريس.
فسواء كانت المرأة في باريس أو مارسيليا، فإنها لا تشعر بالأمان لو حاولت الخروج في تنوّرة قصيرة أو عادت متأخرة إلى المنزل في مثل هذه الملابس "المثيرة جنسيّاً" – وهذا لا علاقة له البتّة بالإسلام.
فنحن نعيش في مجتمع أبوي/ذكوري حيث نظرة الرجل هي ما يتحكم في حياة المرأة.
إننا نتعرّض للتحرش والإهانات يوميّاً ويجري التعدّي علينا في الحافلات؛ لذا نحاول أن نتخيّر من الملابس ما يحمينا من العنف المجتمعيّ.
لو تأملتم اتجاهات النساء في المدن الكبرى على مستوى العالم، يمكن أن تلحظوا كيف أصبحت المرأة تميل إلى اختيار الملابس ذات الطبيعة الثنائية (يرتديها الجنسان). إن المشكلة تكمن في السيطرة الذكورية على هذا العالم.
وبصياغة أخرى، يمكنني القول أن أي تعبير عن الأنوثة يتبعه تحديقٌ ذكوريّ: سواء يهوديّ، مسيحيّ، أو مسلم؛ شرقي أو غربيّ.
على مدار قرون، ارتدت المرأة أنواعاً من الأزياء وخلعتها، إما مجاراةً أو ثورةً على العادات والتقاليد، وعلى فرنسا أن تتقبل التنوع كمبدأ أساسي لحداثتها بدلَ محاولات الاحتفاظ بأوهام (قابلة للتسويق) عن الطبقة الوسطى ذات البشرة البيضاء والشعر الأشقر، نريد الحرية، المساواة، والإخاء لجميع الأطياف والألوان.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Elle. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.