لطالما عانت المرأة العربية لعقود من الممارسات القمعية والنشأة في بيئة تقهر الإناث منذ ولادتهن، مروراً بمعانتهن بعد امتداد مناطق النزاع في كثير من دول المنطقة.
ورغم ذلك، نجحت بعض السيدات في تحدي ظروف النشأة القاسية وأزمات الحرب والنزاع والتطرف، فكيف نجحت هذه النماذج النسائية المتميزة في مساعدة المرأة على النهوض؟
الحكايات لا تنتهي؛ من فتاة نشأت في مجتمع يستغل المرأة أو يقلل من شأنها الفتاة وينتقص من حقوقها، إلى مناطق نزاعها تسلبها الحرية وتفرض عليها القيود وربما تحرمها من أفراد أسرتها فتصبح مسؤولة عن علاج آلامها وبناء مستقبل أطفالها.
النساء يروين حكاياتهن من خلال برنامج "نحن هنا" برعاية مكتب الأمم المتحدة للمرأة لدعوة النساء للمشاركة السياسية والعمل المدني.
العراق
ما شهده العراق خلال السنوات الماضية أدمى قلوب الكثيرات، وخلق الإرادة بداخل بعضهن. تقول العضو بجمعية الأمل العراقية حنين عماد "التحدي دائماً شيء جميل، خاصة حينما ينشأ وسط مناطق النزاعات وثقافة الحروب والعنف، لذلك فإن مهمتنا هي أن ننقل مساحة التواصل الروحي والأدبي، من هنا كانت رسالة (جمعية الأمل العراقية)، حيث أقمنا أحد أهم أنشطتنا للاحتفال بيوم السلام العالمي في 21 سبتمبر/ أيلول، فضلاً على أن دورنا دائماً هو توعية وتثقيف المرأة، فليس هناك تعارضاً على الإطلاق بين أن تكون المرأة لديها موهبة في الموسيقى والفن وأن يكون لها دوراً سياسياً في الوقت نفسه".
حتى ولو سلبت من المرأة حقوقها فإنها تتسلح بالإرادة لتمنح الحقوق للأجيال التالية؛ هذا ما قدمته د. بشرى العبيدي، عضو بمجلس حقوق الإنسان العراقي قائلةً، "تناولت رسالة الماجيستير الخاصة بي حقوق الطفل وما يتعرض إليه الأطفال ذلك لأنهم الشريحة المستضعفة أكثر الفئات العمرية المظلمة في العالم، لذلك توجهت للدفاع عن النواحي التشريعية والواقعية لحقوقهم ولقضايا المرأة".
وأضافت العبيدي، "لا يخفى على أحد ما تعرضت له المرأة العراقية من انتهاكات شديدة منذ الثمانينات وحتى الآن بسبب الحروب، لذلك أسسنا (شبكة النساء العراقيات) من أجل النهوض بالمرأة وتعديل السياسات والتشريعات الخاصة بحقوقهن".
من جهتها تدعم تانيا كيلاني، نائب رئيس منظمة SEED، المشاركة النسائية في العمل السياسي خاصة بعد ما لاقته من معاناة لكونها تنتسب إلى الأقليات، حيث تشير قائلةً "الحديث عن مشواري السياسي يبدأ من معاناتي كمواطنة عراقية كردية أنتمي إلى عائلة كردستانية، فقد تعرص الشعب العراقي إلى الظلم خلال سنوات حكم نظام صدام حسين، وهو ما خلق لدي الإرادة والرغبة في التغيير بحيث أعلن عن هويتي بلا خوف وأقول أمام الجميع أنني كردية".
وأضافت كيلاني، "أسسنا منظمة SEED للتنمية المجتمعية والتربوية والاقتصادية، ولتقديم الخدمات لمجتمع المهجرين في إقليم كردستان، حيث نقدم الدعم النفسي للنساء الناجيات لإعادة بناء حياتهن من جديد، فمن الضروري للغاية أن تروي السيدات الناجيات ما حدث لهن، ونحن بدورنا نقدر ذلك وننظر إليها كبطلة".
وأكدت كيلاني "لا بد أن يدرك أفراد المجتمع العراقي أن البلاد مكونة من قوميات ومذاهب وديانات عديدة، وعليهم تقبل الآخر والعيش بسلام، وعلى المرأة أن تكسر التابوهات والقيود وتتحلى بالجرأة لبناء مجتمعها".
فلسطين
دائماً ما تترك مناطق النزاع أثراً لا ينسى لدى المرأة، حيث تتذكر الناشطة أسماء الغول حياتها بعد الانتفاضة الأولى قائلةً "ما زلت أتذكر جيداً حياة المخيم، فلقد عايشت الانتفاضة الأولى في نهاية الثمانينات، وكيف كنا نقاوم حظر التجوال ونحن صغاراً، لم أتخيل يوماً أن لي فضل على مدينة غزة العنيدة، وإنما أنا مدينة لها بالفضل لكونها أنشأتني وأثرت في لأصبح فيما أنا عليه الآن".
وأشارت الغول "إلى أن المرأة دائما تحتاج إلى الدعم، لكون الجميع يتعاملون معها كإنسان يسهل ابتزازه، لذلك على المجتمع أن يكف على النظرة للمرأة بأنها مجرد جسد يجب أن يغطى أو يكشف، وأحلم أيضا أن تفتح غزة على العالم".
ربما لا يدرك قسوة تلك الحياة إلا من عاشها، عاشت صالحة محمد، عضو بجمعية اتحاء النساء العربيات، طفولتها وسنوات من شبابها بعد الانتفاضة الأولى، حيث تتذكر تلك السنوات قائلةً "لم نتلقَ الرعاية الصحية في سنوات في طفولتنا والمدارس كانت مغلقة معظم الوقت، كانت أحلامنا وطموحاتنا باهتة وغير واضحة المعالم".
حدود الحياة كانت ضيقة ومحدودة بالنسبة لها، "فليس هناك فرصة لتجاوز الحدود ولا الوصول إلى نقاط التفتيش، فلم يكن لأحلامنا سوى أن تطير في السماء لتتخلص من قيود الحدود" بحسب قولها.
وعن دورها كأخصائية علاج نفسي للأطفال في المدارس، تقول "أعمل على علاج الأطفال الذين يعانون من المشكلات السلوكية أو انحرافات، لذلك فدوري هو تعزيز الثقة بالنفس وهي رسالة أعتز بها".
وتابعت "المرأة ليس فقط في مجتمعاتنا وإنما في العالم كله تأتي إلى الدنيا وهي مدركة أنها الحلقة الأضعف في الحياة، لذلك يصبح ما ينقصنا هو تعزيز ثقة النساء بأنفسهن".
وختمت، "ركزنا في مشروعنا على اسم (كفر عين للتنمية والإعمار) وهي مدينة قديمة، ولكن ما اهتممنا به كان بناء الشباب والفتيات، وبالفعل نجحنا في دورنا خلال السبع سنوات الماضية على تنمية الشباب، حتى تتحقق العدالة الاجتماعية".
اليمن
أسست أمة السلام "شبكة النساء المستقلات"، ذلك لأن هناك فجوة كبيرة بين النساء والرجال في اليمن، على سبيل المثال نسبة التحاق الإناث في التعليم 34% مقارنة بالذكور، كما أن الوضع الصحي للنساء ضعيف للغاية حتى أن النساء كانت تموت عند الانتقال من قرية إلى أخرى، ما دفعها إلى العمل الحقوقي والإنساني للنساء.
وتابعت، "النساء هن أكثر ضحايا الحرب، فالمرأة دائما تتحمل تبعات وفاة زوجها في الحروب و النزاعات، بل وتتحمل مسؤولية أسرتها وأطفالها أيضاً".
وأضافت، "لذلك أصبح لدينا ثلاثة أهداف أساسية: وقف الحرب والنزاعات السياسية والدعوة إلى السلم، ويجب ألا يفرض الحصار على أي منطقة وأن يتوفر العمل الإغاثي بصورة مستمرة دون عائق، و الهدف الأهم هو المشاركة السياسية ذلك لأن المرأة دائما تدعو إلى السلام".
أما الناشطة راندا أحمد، فتقول "لم يكن في اليمن دولة حقيقية، فجاء الدستور لبناء دولة مؤسسات، لذلك يجب أن يكون للمرأة دور في صنع القرار السياسي، فهي يمكن أن يكون لها دور رئيسي في تقريب وجهات النظر بين الأقطاب المتنافرة سياسياً، ولها دور عظيم أيضاً في الإغاثة".
وتشير الشاعرة نبيلة الزبير، عضو الحوار الوطني، إلى وجود فجوة عظيمة بين ما يجب أن تكون عليه النساء و إمكاناتهن في الواقع، وهذا يعود إلى اهتمام المجتمع بتعليم الذكور عن النساء، إلا أن ما يجب أن ندركه جيداً أن التغيير حتمي، شئنا أم أبينا.
وتؤكد تهاني سعيد على دور المرأة في ترسيخ أسس السلام من خلال منظمات العمل المدني قائلة "اجتمعت مجموعة من النساء برعاية الأمم المتحدة لتمثيل المرأة اليمنية الداعية إلى السلام ونبذ العنف و الرجوع إلى طاولة الحوار ووقف الحرب والنزاع، ومن ثم قامت تلك المجموعة بالمشاركة في وضع خطط للمستقبل".
سوريا
من جهتها تقول الناشطة السياسية منى غانم، "كلما ألتقي بامرأة سورية أدرك جيداً أن الأمل مازال موجوداً، فالمرأة دائما مليئة بالإمكانات والفرص، كل ما تحتاجه هو الطريق الصحيح".
واجهت غانم كسياسية معارضة الكثير من المشكلات "كان من نتيجتها تواجدي السجن، في بلادنا لا يثقون بالنساء وخصوصاً في عالم المحاماة، فكان صعب اقتحام هذا المجال، لذلك شكل ذلك إصراراً لدي لمساعدة النساء".
وتشير الناشطة الحقوقية ماجدولين حسن، "وضع المرأة أصبح مريراً بسبب الحرب الدائرة حالياً، ففي مناطق المتشددين المرأة يفرض عليها ملابس معينة وظروف ونمط حياة محدد وربما تقتل أو تباع في أسواق النخاسة، وفي مناطق المعارضة فإن نشاطها أصبح محدود للغاية، بينما في مناطق النزوح أصبحت مسؤولة عن أسرتها وأطفالها بعد سجن أو وفاة عائل الأسرة".
وتابعت "إقصاء النساء عن أي عملية سياسية هو بمثابة إقصاء عن المستقبل، لأنه من دون النساء لا يمكن الانتقال إلى أي تحول ديموقراطي."
ليبيا
تروي إحدى السيدات قائلةً، "تعرضت لسطو مسلح من قبل 4 مسلحين أثناء ذهابي إلى العمل، وسرقوا مني سيارتي، بعدها قتلت زميلتي وكانت عضوة بالمؤتمر الوطني بليبيا، ووصلتني رسالة (الزمي البيت وإلا سكون مصيرك مثل مصير زميلتك)".
وأضافت، "على المجتمع أن يدرك أن الرجال شقائق النساء، هذه هي حقوق المرأة ، لأنه حتى الآن لم تستطع المرأة الحصول على حقوقها السياسية، فحكومة الوفاق الوطني لا تتضمن سوى عنصر نسائي واحد بحقيبة وزارية وعنصران بدون حقائب".