دخلت المرأة الجميلة إلى مقهى "رينغ سايد" في ولاية كنتاكي واقتربت من حامل لقب بطل العالم في ملاكمة الوزن الثقيل لثلاث مرات، والذي أخذها إلى زاوية هادئة.
صاحب المقهى، جون رامسي، راقب خلسة محمد علي يغازل المرأة الجميلة دون خجل، المرأة التي كانت قد أصبحت زوجته الرابعة منذ ست سنوات. في ذلك اليوم عام 1992، تعلم رامسي ما احتاج معرفته عن محمد علي بملاحظة تأثيره على صديقته.
يقول رامسي "كان يحاول تقبيلها على خدها، كانت تحمر خجلاً وتنسحب بعيداً، سحبها مرة أخرى وهمس في أذنها. لقد أثلج صدري، لم يسبق أن رأيت هذا الجانب منه. رأيت جانب محمد علي المقاتل لا العاطفي أو الإنساني، كان رجلاً واقعاً في حب امرأة" بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
توفي محمد علي الجمعة الماضي عن عمر يناهز 74 عاماً بعد صراع طويل مع داء باركنسون. وطوال الأسبوع الماضي، تم تسليط الضوء على حياته التي قضاها يقاتل من أجل البطولات وأعماله الخيرية والمدنية.
خلال الجنازة الشعبية في لويسفيل يوم الجمعة، تحول الاهتمام لفترة وجيزة لأحد المتحدثين الذين سيلقون كلمات التأبين: "لوني" فهو من الأشخاص القلائل الذين يمكنهم تقديم نظرة أوسع وأفضل وأوضح على حياة محمد علي.
حامية لإرثه
يولاندا وليامز، المعروفة باسم "لوني" والتي قابلته في مسقط رأسه في لويسفيل وأصبحت الحامية والحاملة لإرثه.
خلال زواجهما الذي دام 30 عاماً، لم تكن لوني زوجة فقط ولكن أيضاً مديرة أعمال محترفة أدارت شؤون علي بشكل حازم وقوي، لقد حافظت على صحة علي وثروته اللتين كانتا في انخفاض حاد عند زواجهما.
قال الأصدقاء أن جميع المؤشرات تدل على أن الزوجين يتمتعان برابطة عميقة.
كانت لوني فتاة من مسقط رأسه ولبقة بشكل كاف لتدعو شخصيات أجنبية مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والملك عبد الله الثاني ملك الأردن للمشاركة في الجنازة.
يقول رامسي "لقد كانت ترعى كافة احتياجاته، كنت أقول له إذا كان التناسخ صحيحاً، أتمنى أن أعود في صورتك، لأن دلال لوني له كان قوياً ومحبتها له لم تتزعزع أبدأ. كانت بجانبه في كل لحظة وكل محنة".
هؤلاء الذين كانوا على مقربة منهما قالوا إن محمد علي قد وجد الشريك الذي يوافق ذكاءه ويجاوز قدراته على التعرف على المستغلين.
جيمي ووكر، فاعل الخير في فينيكس والذي يدير أعمال تخطيط عقاري يصف هذا الزواج ب"الزوجة المثالية للرجل الأكثر شهرة في العالم".
يضيف ووكر "بسبب وضع محمد علي الصحي، ومن أجل حمايته، أنا متأكد أنه كان عليها قول لا كثيراً للزيارة، وهو ما لم يفهمه الناس بشكل كامل".
مساء الجمعة الماضي، توفي علي بعد أقل من ساعتين بعد صدمة في مستشفى في منطقة فينيكس، ووكر وزوجته زارا لوني في منزلها الذي عاشت فيه مع محمد علي في ضاحية فينيكس.
قال ووكر إنهم وجدودها جالسة على الكرسي الجلدي الذي كان يجلس عليه محمد علي يشاهد قناة سي إن إن وفي إتش وان، وأشرطة بطولاته في الملاكمة.
يقول إن لوني كانت تحدق في التلفزيون تشاهد تغطية سي مارلين، التي ساعدتها على رعاية محمد علي.
على الرغم من أنها ساعدت علياً على وضع تفاصيل جنازته منذ سنوات مضت، كانت لوني لا تزال مصدومة لوفاته. قال ووكر أن لوني استقبلته في منزلها قائلةً "لا أستطيع أن أصدق هذا".
النظرة الأولى
كان علي ينفتح على الحياة عندما قابل لوني للمرة الأولى. كان عام 1963 عندما انتقلت وأسرتها إلى منتكلير فيلا في لويزفيل. كان منزلهم في فيرونا على الجانب الآخر من المكان الذي اشتراه علي لوالديه، أوديسا وكاسيوس مارسيلوس كلاي بعد فوزه بالميدالية الذهبية في دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية عام 1960 وتحوله للاحتراف.
والدة لوني، مارغريت وليامز، أصبحت صديقة والدة محمد علي ترافقها على مدار السنين إلى مباريات محمد علي. في أي وقت يأتي علي لزيارة أوديسا، يلعب مع أطفال الحي، وفي عمر 21، قابل لوني البالغة 6 أعوام وفي مقابلة في عام 2012 مع نيويورك تايمز، قال إنها كانت "خائفة حتى الموت" وجرت خلف والدتها.
اطمأنت لوني إلى علي بسرعة. تقول روندا ك.ريتشاردسون وهي محامية ترعرعت بالقرب من لوني وكانت صديقة لها لأكثر من 50 عاماً، إن منزل آل وليامز كان المركز الاجتماعي للحي. تقول "كانت والدتها غاية في الروعة والضيافة. لقد عشت هناك أكثر مما عشت في بيتي، كانت هذا النوع الأليف الكريم من الأسر".
تتذكر ريتشاردسون ذهابها إلى مائدة عشاء وليامز وترى علياً يجلس بالفعل على المائدة وتقول "كانت مجرد جزء من عائلتها".
على مدى سنوات، تذكرت كل زوجات علي اللاتي جلسن على المائدة. لقد تزوج بسونج روي في 1964، بليندا بويد، أم لأربعة أطفال عام 1967 وفيرونيكا بورشه أم لطفلين عام 1977. كان لديه طفلان أيضاً من نساء لم يتزوج بهن.
عندما دخلت لوني إلى عمر المراهقة، كان محمد علي بمثابة الأخ الأكبر لها، وكانت أكبر نصائحه تشمل عدم الدخول في علاقة عاطفية مع رياضي، لأنه لن يعاملها جيداً أبداً.
تقول رتيشاردسون "كنا جميعاً مسحورين بمحمد علي، ولكن مع التقدم في السن تحول هذا السحر إلى شيء أعمق بالنسبة للوني. أعتقد أن علياً هو الرجل الوحيد الذي أحبته".
عندما بلغت 17 عاماً، كانت تحتفل بعيد الغطاس وقالت لمجلة نيويورك تايمز عام 2012 "أعرف أنني سأتزوج محمد علي، كنت مجرد طفلة في المدرسة وكان علي قد فعل الكثير. كنت صغيرة ولكني أعتمد على حدسي وكان ذلك التفكير مثل المظلة فوق رأسي".
حصلت لوني على شهادة البكلورويس في علم النفس في فاندربيلت عام 1978. عملت لفترة وجيزة كمستشارة للتوظيف في ولاية كنتاكي قبل أن تعمل في قسم المبيعات مع كرافت فودز. عام 1982، دعاها علي لتناول الغداء خلال إحدى زياراته للويزفيل.
كانت قد مرت سنتان منذ فوزه على هاري هولمز في مباراة امتدت 10 جولات والتي قال الممثل سيلفستر ستالون عنها بأنها "مثل مشاهدة تشريح رجل وهو على قيد الحياة".
كان لتلك الدعوة أثر سيء على لوني إذ شعرت بالذعر لحال لعلي. بدا مكتئباً وكان في حالة بدنية سيئة.
في كتابه عام 2009 "محمد علي: صناعة رمز" قال مايكل غزرا أن لوني وافقت على الانتقال من لوس أنجلوس لتصبح الراعية لمحمد علي مقابل تحمل علي تكاليف دراساتها العليا في جامعة كاليفورنيا وهو ما وافقت عليه زوجة محمد علي في ذلك الوقت.
يقول ديف كيندرد، الذي كان يعمل لصالح واشنطن بوست ولويزفيل كورير جورنال وأتلانتا جورنال والذي كتب كتاب "الصوت والغضب" حول الصداقة غير المتوقعة بين علي وهوارد كوسيل، أن تدخل لوني أنعش محمد علي وثروته "كنت أتوقع أن يُنسى محمد علي منذ 30 عاماً إن لم تكن لوني بجانبه".
تحصن محمد علي في منزله في لوس أنجلوس وكان في عزلة وحاجة ماسة للرعاية الطبية والمالية "وقد رعته لوني وصنعت إمبراطورية مالية له تجعل الحصول على حياة مريحة ممكناً".
الشخص المناسب
في نوفمبر/تشرين الثاني 1986، رافقت لوني محمد علي إلى لويسفيل. كانت قد أكملت دراستها العليا في إدارة الأعمال مع التركيز على التسويق في جامعة كاليفورنيا وكان محمد علي قد طلق زوجته بورشه. لوني، والتي تربت على المسيحية الكاثوليكية تحولت أيضاً إلى الإسلام. تقول ريتشاردسون أن لوني ألقت قنبلة عندما قالت "أعتقد أن أنا ومحمد علي سنتزوج عندما نعود إلى لوس أنجلوس".
الصدمة لم تكن من زواجهما "الجميع رأوا أنهما حبتا بازلاء في قشرة واحدة"، وكانت هناك مقابلة مع علي اعترف فيها بأن لوني هي "الشخص المناسب" ولكن عقد الحفل في لوس أنجلوس؟
تكمل ريتشاردسون "قلت لها محال! بالطبع لا! ستتزوجين هنا"، ساعدت ريتشاردسون لوني على تنظيم حفل زواج مدني.
في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1986، أمام تجمع صغير، تزوجت لوني ذات 29 عاماً بمحمد علي الذي كان يبلغ من العمر 44 عاماً في منزل خاص للرئيس السابق لبلدية لويسفيل، هارفي سلوان.
تقول ريتشاردسون "تم تشخيص محمد علي بالشلل الرعاش بعد زواجهما بوقت قصير، وكانت الأهمية الأولى في حياة لوني على مدى سنوات هي رعايته".
كانت لوني هي من أقنعت محمد علي بأن يكون الوجه الدعائي لمكافحة داء باركنسون. وجاءت الفكرة من دكتور إبراهام ليبرمان الذي كان قد بدأ في علاج علي من هذا المرض عام 1980. كان رد محمد علي الأولي هو "لا أريد أن أكون الوجه الدعائي لهذا المرض". وأضاف "كان علي خائفاً من أنه يشيخ، لأنه كان يرى داء باركنسون كمرض كبار السن".
نهاية قصة الحب
عند عودته إلى فينيكس، تلقى ليبرمان دعوةً من علي الذي أعاد النظر في العرض. طلب من ليبرمان أن يكتب له كلاماً منمقاً فكتب له ليبرمان قصيدة. ولكن قبل القصيدة، كان هناك إقناع لوني بشكل لطيف.
يقول ليبرمان "لو لم تكن هناك فربما قال لا".
يقول ليبرمان أنه زار علياً أكثر من مرة في منزله كل أسبوع تقريباً في السنوات الأخيرة للاطمئنان عليه وفحصه. "كان دائماً هناك أشخاص في المنزل"، يعيد ذلك صورة والدة لوني ومنزلها المرحب بكل الأشخاص في فيرونا إلى الأذهان مرة أخرى.
رامسي، الذي كان حامل النعش في الجنازة يوم الجمعة، قضى وقتاً في المستشفى مع أسعد ومارلين ولوني والأولاد الآخرين الأسبوع الماضي مع تدهور حالة محمد علي.
بعد أربعة أيام من الوفاة، قال رامسي "كانت لوني نقطة توازن بالنسبة لعلي، لأنه كان يحب الأضواء أما هي فلم تبحث عنها أبدأ. كانت تقول إنه ينتمي للعالم، وهي رحبت بذلك".
كان الأمر صعباً عليها. يقول رامسي أن لوني أخبرته الأسبوع الماضي "رامسي، عندما أشعر بالحزن وأعتقد أنني على وشك البكاء، أسمع صوت علي يقول لي قفي. ارفعي رأسك عالياً. لا تبكي. والأمر يساعدني".
أضاف رامسي "إنها نهاية قصة حب عظيمة. من الذي يتعافى من ذلك؟ ولكن لديها كل صفات محمد علي، إنها قوية جداً".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الاصلية، يرجى الضغط هنا.