فنون التواصل الإنساني في القرآن الكريم

كيف دعانا الله تعالى لنصل لدرجة الإنسانية، ما هي أساسيات التواصل الإنساني؟ وماذا يريد منا الله حتى يكتب لنا التمكين في الأرض والتمكين في قلوب الآخرين؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/25 الساعة 03:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/25 الساعة 03:41 بتوقيت غرينتش

فكرة التواصل الإنساني وفنونه فكرة بدأت تنمو وتكبر بين الناس بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، ومن أجلها تعقد المؤتمرات وورشات العمل والاجتماعات، ويجمع الجميع على أن الشخص الذي يعرف كيف يتواصل بشكل صحيح يحقق ما يريد ويزرع الله له القبول والتوفيق في أوساط العمل، منذ فترة فكرت في هذا الموضوع وتساءلت في نفسي أليس القرآن كتاباً سماوياً أنزله الله لينظم حياة البشر، أوليس التواصل شكلاً من أشكال تسهيل الحياة بين البشر؟ نعم، لقد قيل عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: "لقد كان خلقه القرآن"، تخلق رسولنا الحكيم الكريم بأخلاق القرآن فكسب قلوب البشر وعقولهم، ففي القرآن الكريم إشارات ودلالات للتواصل اللفظي الإنساني وحتى التواصل الجسدي، لن أتناول في هذا المقال التفسير العميق للآيات، ولكن سأتناول اللمحات التواصلية التي أشار إليها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، والحديث عن هذا الموضوع يستحق بحثاً أو كتاباً كاملاً ليوفَّى حقه.

سأحاول في السطور القادمة عرض بعض الآيات القرآنية التي تركز على "التواصل اللفظي"، وكيف دعانا الله تعالى لنصل لدرجة الإنسانية، ما هي أساسيات التواصل الإنساني؟ وماذا يريد منا الله حتى يكتب لنا التمكين في الأرض والتمكين في قلوب الآخرين؟

أولاً: لقد أفهمنا الله -سبحانه وتعالى- فكرة الاختلاف ودعانا لتقبلها؛ لأنه هو من قرر هذا الاختلاف، وهو من سيقرر من الأفضل في تقواه وليس نحن، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13].

ثانياً: التواضع والبعد عن التكبر في التعامل أو التصرفات، والاهتمام بدرجة الصوت، قال تعالى: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأصوات لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان: 19].

ثالثاً: إذا أردنا نتائج إيجابية بالعلاقات علينا أن نقدم الخير حتى وإن ظننا أنه ليس في موقعه، فنتيجة هذا ستعود علينا بالخير في مختلف الصور، فشتان بين الإحسان وبين العداوة في التأثير على النفس البشرية، قال تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِي أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِي حَمِيمٌ) [فصلت: 34].

رابعاً: اللطف مع الآخرين له أثر جميل وفعال، وبه يمنع الإنسان عن نفسه كيد الكائدين، قال تعالى: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إلى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) [الكهف: 19].

خامساً: استخدام الألفاظ الإيجابية والعبارات الطيبة اللينة في طرح فكرتك فقد تصل إلى موطن ما في قلب أحدهم، قال تعالى: (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أو يَخْشَى) [طه: 44].

سادساً: الصدق بالحديث والوعود، الصدق بالقول، الوضوح والشفافية مطلوبان لتحقيق تواصل مثالي، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2 و3].

سابعاً: عدم السخرية من الآخرين، أياً كانوا، فالسخرية تولد الكراهية والبغضاء وتشتت الإنسان عن الفكرة الحقيقية وتحول النقاش من حوار إلى جدل في كثير من الأحيان، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسوق بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات: 11].

ثامناً: البعد عن سوء الظن، وعد تأويل تصرفات الآخرين حسب مشاعرنا، علينا بما يظهرونه بالتعامل معنا، وعلى الله نياتهم، وذلك لنرتاح وننتج ولا يتشتت تفكيرنا بصغائر الأمور، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجتنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات: 12].

تاسعاً: الأفكار تحتاج إلى مدعمات، إلى ركائز، إلى دلائل، لا بد من التجهيز لذلك قبل عرض آرائنا وأفكارنا ومشاريعنا، برهان الفكرة يدعم الصدق وعدم وجوده يدل على وجود خلل، قال تعالى: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [النمل: 64].

عاشراً: خلال عملية التواصل إذا قررنا الابتعاد لا بد أن يكون ابتعاداً جميلاً بلا أذى، وإذا قررنا الصبر فلا بد أن يكون جميلاً أيضاً بلا شكوى للناس وبلا منة، وإذا قررنا الصفح فلا بد أن يكون بلا عتاب، فبذلك يكون الصفح أجمل، وقد ذكرت التعبيرات السابقة في القرآن الكريم، فقد ذكر الهجر الجميل والصفح الجميل والصبر الجميل كذلك.

والقرآن مليء بالأمثلة التي يستحيل حصرها في هذا المقال، لكني وددت الإشارة إلى موضع يغفل عنه الكثير، وهو الأخلاقيات المذكورة في القرآن الكريم التي تأخذ بيدنا لتقويم سلوكياتنا وأساليبنا لننجح.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد