أحمد الله أنني مطلقة، حمداً كثيراً مباركاً فيه، فخروجي من شراكة اتضح فيما بعد أنها خاسرة منع من حصول المزيد من الخسائر. وحقيقة لم أتحسر يوماً أنني تزوّجت من الأصل، فالله وحده يعلم أنني لو لم أتزوج في ذلك العمر الصغير وأنجب أولادي الحلوين، فإنني على الغالب كنت سأظل لعمري الثلاثيني الآن دون زواج وبالتالي دون أولاد.
فاحتمال أن أتزوج وأنا أكبر قليلاً وقد اكتشفت نفسي وذاتي وبدأت أحقق طموحاتي وأحلامي كان سيجعل خيار الزواج أصعب بالنسبة لي، فحتى لو كان هناك رجل من ذلك الجيل يستطيع استيعاب نموذج مختلف عن جدته وأمه وأخته وغالبية النساء، فإن أمه لن تستوعب ولن تفكر في اختياري لولدها. وأين لنا أن نتقابل في ذلك الوقت في ظل الانغلاق في مجتمعاتنا وثقافة العيب والحرام!
لذلك أعود فأقول الحمد لله بامتنان وحب وعرفان لرب رأف بي وعلم بما يناسبني، فبطن لي في محنة الزواج بمن لا يناسبني، منحة الحياة لكائنات جميلة ظلت مضيئة حياتي بعد الطلاق، وجعلتني في غنى عن حمل هم المجتمع وسيكولوجية الجسد في استرجاء الزواج من أجل الأمومة، بل أكرمني بأن أكون حرة من كل هذه القيود، لأنطلق الى رحابة اختيار الحياة التي أرغبها، ولاختار حين أكون مستعدة لأقاسم حياتي وجزءاً من نفسي وجسدي مع شخص أختاره لأنه صديقي، وحبيبي، وداعمي، ومن اختاره قلبي، وعشق فكره عقلي.
نعم مرّت سنوات كثيرة على طلاقي، يحسبها لي الجميع ويردد البعض: "لابد أنك تتشرطين!".. "انتبهي فالوحدة بانتظارك".. وطبعاً لابد من تلك الهمسات والتلميحات التي تنتقد اعتناءك بنفسك، وتحكم على توالي نجاحاتك. طبعاً فقد جرؤت على أن تكوني منطلقة ولست منكسرة، جرؤت على أن ترفعي رأسك وتقبلي على الحياة، والمفترض أن تنكمشي وتتقوقعي على نفسك وتندبي حظك وسوء طالعك الذي أصابك في مقتل كينونتك الاجتماعية كامرأة متزوجة. فليس من شيء يجلب للمرأة في مجتمعاتنا الاحترام مثل الزواج.
ثم من أنت لتجرؤي على التطلع لشيء غير السائد، وتقدمي على صنع حياة تكون فيها لذاتك، وطموحاتك وأحلامك الأولوية. والأدهى هو احتمالية أنك قد تجدين شخصاً أفضل ممن كنت متزوجة منه، والأمر أن لا يكون عجوزاً يتخذك ممرضته، أو مزواجاً تكونين خليلته الرابعة، أو على الأقل مُطلقاً ولكن يجب أن يكون عدد أولاده أكثر من عدد أولادك، المهم في تصنيفهم أنه شخص مستهلك الاستخدام أكثر منك أو على أقل القليل مثلك. أما إن كان دون تجربة سابقة أو أصغر منك ولو بأسبوع فتلك الطامة الكبرى.
أعرف يقيناً أن هناك رجالاً يعشقون في الأنثى بريق اكتمالها، ولا تقبل عليهم رجولتهم أن يكونوا مع أشباه البشر من النساء اللاتي يقبلون بأي شيء ويتلونون بأي لون، ويعيشون الحياة بأقل احتمالاتها وأدنى آفاقها.
رجال يطمحون لامرأة زاهية الروح، جميلة النفس، امرأة اختارت أن تكون معه من رغبة في التكامل، وليس احتياجاً للاكتمال.
هناك رجل يدرك أن امرأة تحب ذاتها، ستجعله يحب ذاته، وأنها حين تؤمن بنفسها فإنها ستؤمن بذاته التي ارتبطت بها.
رجل يدرك أن امرأة تحب وتعيش ذاتها، ستجلب للحياة أطفالاً تنعكس صحتها الكينونية فيهم، ويكتسبون منها القوة النفسية والمناعة من أوبئة العالم.
عزيزتي العزباء الفتاة، أو العزباء المطلقة، إن كنت سعيدة بما أنت فيه، فلا تسمحي لأحد أن يفرض عليك أجندة الحزن ولعب دور الضحية، واستمتعي بحياتك قدر الإمكان، ففي اللحظة التي تدركك فيها مسؤوليات الزواج والأمومة فلن تعودي أبداً للشعور بأنك أنت واحتياجاتك هو أولويتك الأولى.
وإن كنت عزباء وتريدين الزواج وتشعرين بالحرمان، فاعلمي أن ذلك طبيعي وفطري جداً فقد خلقنا الله وخلق لنا أزواجاً لنسكن إليها، فلا تقسي على نفسك، وتحاولي إقناعها بأنك لست بحاجة لأحد، فقط كوني راغبة ولست يائسة، كوني مقبلة ولست متعلقة، فشتان ما بين الرجل الذي سيظهر في حياتك عن رغبة وذاك الذي سيظهر عن يأس، ففي النهاية نحن نجذب لنا حالتنا الداخلية، إن رائعة فرائع، وإن يائسة فيائس.
عندما تم سؤال "إليزابيث غيلبرت" كاتبة كتاب (أكل، صلاة، حب) عن ما النصيحة التي تنصحها لنفسها الصغيرة؟ قالت بعد تأمل: (كنت لأنصحها بأن تخفف من اهتمامها بالجنس الآخر وتركز على نفسها، فلو أنها فعلت ذلك لكانت وجدت السعادة والاكتفاء والشريك الحقيقي المناسب في وقت أبكر من حياتها).
أخبريني كم حلماً تخزنين بانتظار الزواج؟ وكم طموحاً تكبحين خوفاً من عدم الزواج؟ وكم من مشاريع وأفكار وضعت في البراد بانتظار فارس الأحلام ليحققها لك؟ وكم من مشاعر كُبتت، وفرص رُفضت، ورحلات أجلت، بانتظار مشاركتها مع الرجل الكامل؟
أخبريني الى متى ستعيشين حالة الانتظار لشيء لا موعد له أصلاً؟! فإذا ما ظهر الفارس المغوار ألقيت عليه بعبءٍ ثقيل ثقيل من المشاعر المكبوتة، والأحلام المخزنة، والاحتياجات اليائسة للإشباع، والتي يدفعه حسه الذكوري في البدايات إلى إطلاق الوعود والمواثيق لتحقيقها وملئها وإشباعها، ومن ثم تتحول بعد فترة من الوقت الى حبل ملتف حول رقبته ورقبتك، كلما حاول أحدكما التحرك اختنق الاخر.
عزيزتي المرأة في كل أحوالك يجب أن تدركي بأن الله أعدل من أن يخلقنا عاجزين عن تحقيق شيء ما لأنفسنا بجهدنا. وأنه تعالى أحكم وأرحم من أن يعلق سعادتك بظروف خارجة عن إرادتك مثل الزواج والأمومة. لذا أدعوك الى إغماض عينيك والسؤال (من أنا؟) ثم ابدئي بوضع الاحتمالات (أتراني كاتبة لم تجد قلمها بعد؟ أم تراني فنانة مبدعة لم تكتشف بعد موهبتها؟ أم تراني مخترعة لم تخترع بعد اختراعها؟ أم تراني فيلسوفة لم تكوّن فكرها بعد؟ أم وأم..).
ثم دعي السنن الكونية تأخذ مجراها، فحال عيشك لحياتك بكامل ذاتك وعنفوانك ستبدأ الأشياء المتناسبة مع هذا العنفوان بالظهور تلقائياً فيها. وتأكدي عزيزتي أن امرأة قوية، زاهية، ذات عنفوان مثل أمل علم الدين. ورجلاً قوياً، واثقاً، منجزاً مثل جورج كلوني، تسوقهما الأقدار لبعضهما دون أي عناء، ولكن فقط في الوقت المناسب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.