يحضرني موقف تلك الفتاة التي عادت منهكة من درسها، لا ترغب بشيء سوى لحظات من الراحة، لكن كونها "فتاة" لن تغنم مباشرة بتلك اللحظات، عليها أن تعد لأخيها العائد هو الآخر من المدرسة ما يسد به شهيته..
هذا الموقف، وغيره أعظم، من المواقف اليومية التي تدفعنا دفعاً كي نتمرد يا معشر الإناث، كي نصرخ في وجه ظلم المجتمع "نحن بشر!".
كيف نستطيع العيش في مجتمعات منفصمة؟ مجتمعات تقدرنا كأمهات بل وتقدسنا كذلك وتحتقرنا كإناث! مجتمعات تنتظر من إناثها أن يصرن أمهات يربين الأجيال دون أن تكثرت بالطريقة التي تربين هن في كنفها. تربين والاحتقار سائد في معظم حياتهن. تربين وكل الشروط التافهة لمجتمع تافه تخنقها. تربين وكل الناس يخوفونهن من العيب لا من الحرام.
كل لقطات اللامساواة، اللاتربية التي عاشتها كل أنثى في عالمنا العربي الثالث لا تدل على شيء سوى أن مجتمعنا يعاني كل أشكال التخلف. فذلك الرجل المقهور اجتماعيًّا يفرغ كل أحاسيسه السلبية على زوجته أو أخته أو ابنته أو ربما حتى أمه. يتعامل مع كل أنثى كأنها هي السبب الوحيد والأوحد للفساد والعيب.
وفي المقابل يطلب من هذه الأنثى الحب والمعاملة الرائعة وكل الاهتمام. وأن تكون طباخته وطبيبته ومدرسة لأولاده وغيرها من الطلبات التي تظهر كل الانفصام الذي يعيشه ويعبر عنه جليًّا؛ يريد الأنثى جدًّا في حياته، لكن لا يعرف أو لا يريد معاملتها كما ينبغي.
أحاول جاهدة تفسير وتحديد أسباب هذه الوضعية التي آلت إليها مرأتنا العربية، وأجد فعلاً العديد وذكرت البعض منها، ومع ذلك لن أذكر المزيد؛ لأنني أكتب اليوم تدوينتي هذه كي أحث حثًّا للتوجه نحو الحلول. فوصف وضعيتنا والبكاء عليها لم يكن ولن يكون أبداً مجديًّا. إذن، ما الحل؟
إن الحل كامن في إرادتنا نحن يا بنات أمتي! فنحن الأمل في أبهى تجلياته. لماذا نحن الأمل؟ لأننا ببساطة صانعات الأجيال. ولأننا فقط من نحمل القدرة على تغيير أحوالنا، وبالتالي تغيير أحوال مجتمعنا إما للأفضل وإما للأسوأ.
أعلم جدًّا أن التغيير يأخد وقتاً طويلاً وليس هناك من تغيير جذري آني، لكن المهم أن نبدأ. أن نبدأ فعليًّا في زرع بذور التغيير في أولادنا، ربما تصرفات جد بسيطة من شأنها أن تصنع الكثير. لا بد إذن أن نذكر أولادنا بأننا أمام الله سواء (النساء شقائق الرجال)، وأن مشاق البيت لم تكن يوماً واجباً وفرضاً على الأنثى دون الذكر. لا بد أن نعود لشرع الله الذي كرم وعلا من مكانة المرأة. لا بد أن نعلِّم هذا للجيل القادم.. ما أمر به الله حقيقة لا ما شوه عن طريق العادات.
لابد أن نوضح أن دين الله بعيد كل البعد عن ظلم كل مخلوق وعلى رأسهم الأنثى الأخت، الأنثى الزوجة، الأنثى الابنة والأنثى الأم. لا بد أن نزرع كل هذا وأكثر وإلا سنظل على مكانتنا نتخلف.
وكل هذا لن يتحقق إن لم تعي عزيزتي بثقل هذه المسؤولية على كاهلك، إن لم تحسي فعلاً كل المجتمع أنتِ! ابدئي إذن بنهل المعرفة وتحويلها إلى واقع جميل مزهر. اهتمي بعلمك ومستواك الفكري واتركي سفاسف الأمور، فهي لا تليق أبداً بصانعة أجيال عظيمة مثلك.
لكل إناث أمتي أكتب.. تمردن فذل الاحتقار لا يليق بكن ولا بمكانتكن، تمردن فهذا المجتمع بحاجة لأن تصنعن أجيالاً بصحة عقلية وتعاملية جيدة، بحاجة لكُنَّ كي تزرعوا الأمل من جديد فيه، بحاجة جدًّا لتمردكن!
تمردن بأخلاقكن، بعلمكن، بأدبكن وبعملكن.. لا تجعلوا غير شرع الله يحكمكن، عشن حياتكن بكل شغف وحب، فأنتن من سيُعِدْنَ للمجتمع توازنه الغائب المفقود.
تمردن فالله ورسوله أوصوا بإكرامكن والرفق بكن. تمردن على كل من لم يعمل بوصيتهما وآذاكن! تمردن.