غالبا ما تكون الأنظمة المبنية على النوع، ثنائية التفرع وهرمية، وقد تعكس النظم الثنائية بين الجنسين عدم المساواة التي تظهر في أبعاد عديدة من الحياة اليومية. تنبع عدم المساواة بين الجنسين من التمييز، سواء كانت اجتماعية أو نابعة، من جذور تقليدية وعرفية.
نعم هناك اختلافات طبيعية بين الجنسين على أساس العوامل البيولوجية والجسدية، وأبرزها اختلاف الأدوار والإمكانات الإنجابية، وإنْ كان هذا لا يعني أن أي رجل معين هو أقوى من أي امرأة معينة، ولن يكون أبداً مبرراً لعدم المساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. فأبرز التقارير تتحدث عن راهنية التعليم والبطالة ودخل الأسر بالنوع الاجتماعي، مما يجعل النساء أكثر عرضة للأمية والفقر والهشاشة.
فعلى الرغم من اعتراف مؤسسات مثل البنك الدولي بأن عدم المساواة بين الجنسين تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي، وأن التمييز السلبي يسبب في إدامة الفقر والهشاشة في المجتمع، لا تزال هناك العديد من الصعوبات في إيجاد استجابة شاملة، تماماً مثلما فشل تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية للمساواة بين الجنسين.
والأخطر من ذلك هو أن الفجوة بين الجنسين أو عدم المساواة يؤديان حتماً إلى انعدام الاستقرار في المجتمع وتنامي العنف.
فالنوع والسلام مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، إذ إن السلام أمر حيوي لتعزيز المساواة بين الجنسين، في حين أن عدم المساواة بين الجنسين يمكن أن يقوض مسلسل السلام ويحرك العنف.
وقد أتبثت العديد من الدراسات وجود علاقة قوية بين مستويات النزاع وعدم المساواة بين الجنسين، رغم أن طبيعة هذه العلاقة ليست دائماً واضحة. ولكن في أغلب الحالات تتراجع مصالح النساء الإستراتيجية في أوقات النزاع والحروب، التي تعقبها استعادة أدوار غير متكافئة أكثر بين الجنسين بعد ذلك. ففي الكثير من البلدان التي شهدت ثورات واضطرابات سياسية وأمنية، كان هناك رد فعل عنيف ضد النساء في محاولتهن للمطالبة بحقوقهن.
فالصراع والعنف كانا وحتى الآن أهم العوامل التي تعيق التقدم في الأهداف الإنمائية للألفية. في عام 2008، الثمانية دول الأفريقية ذات أعلى معدلات وفيات الأمهات تعاني حالة نزاع أو خارجة منه. فضلاً عن التسبب في الوفاة أو الإصابة والتشرد فالصراع يدمر كذلك البِنَى التحتية ويعطل الأسواق والعلاقات الاجتماعية، ويقلل من قدرة وحصانة الدول، ويحول الموارد الحيوية بعيداً عن التنمية.
إن معظم الدول التي توجد في حالة نزاع وعدم الاستقرار وهشاشة، تشهد صعوبة في مواجهة وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية للنساء والفتيات؛ بسبب العنف الذي يقلل من فرص حصولهن على الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية والفرص الاقتصادية والمشاركة السياسية.
بيد أن تحديد مدى تأثير عدم المساواة بين الجنسين على النزاعات يظل صعباً، لكن هناك أدلة قوية على أن المعايير بين الجنسين التي تدعم عدم المساواة يمكن أن تدفع إلى الصراع والعنف، خصوصاً عندما ترتبط المفاهيم الثقافية للرجولة مع الهيمنة والسيطرة والتسلط. ففي بعض بلدان الساحل مثلاً الغارات العنيفة، التي تعمل على إدامة الصراع بين القبائل، تعتبر على أنها طقوس لتمكين وتقوية دور الشباب الذكور. وكذلك نظام مهر العروس، حيث يتم من خلاله تبادل الماشية بالفتيات والنساء، يجعل دورات العنف والاختطاف والانتقام أسوأ. ونتيجة لذلك وفي حالات كهذه، فإن معالجة المعايير بين الجنسين واستعمال مقاربة النوع في السياسات وتحقيق المناصفة والمساواة في الفرص، حاسم لمعالجة أسباب الصراع.
يجب أن تكون الآن ومستقبلاً، التزامات الدول بشأن المساواة بين الجنسين قوية، في إطار جديد يأخد بعين الاعتبار أهمية السلام واللاعنف في الترويج لها. حتى يتسنى للرجال والنساء الذين يعيشون في البلدان المعرضة للعنف العيش الكريم والاستقرار والمشاركة المُثْلَى في تحقيق الذات وتنمية المجتمع. فبناء السلام لن يتم إلا بمحاربة أشكال العنف وأشكال التمييز التي تؤثر على النساء، فضلاً عن الرجال، وكذا تعزيز مشاركة المرأة والفئات المهمشة الأخرى في عملية صنع القرار.
إن معالجة إشكالية المساواة بين الجنسين من خلال برامج الحماية والوقاية والسلم والاستقرار، ستؤدي بدون شك إلى ترسيخ حقوق الإنسان وزيادة النمو. ومن المهم جدًّا أن تتغلب الدول على الصراع والعنف عبر المساواة. تظهر التجارب الدولية أن عدم إدراج احتياجات وأولويات النوع الاجتماعي للمرأة في اتفاقات السلام سوف يقوض كثيراً من احتمالات السلام المستدام.
لقد أصبح الانفتاح على القيم الكونية للديمقراطية وحقوق الإنسان وإعادة الاعتبار لكل فئات المجتمع ودسترة المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات من ركائز بناء المجتمع المتكامل والمتناسق والمنسجم والقادر على التوجه بثقة وسلام نحو المستقبل. كما أنه صار ضروريًّا على الحكومات ضمان حقوق المرأة في المشاركة العادلة في اتخاذ القرارات بشأن القضايا الوطنية من مفاوضات وبناء السلام وحل النزاعات.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.