وبعدما أُتخم رأسي ذات مساء ـ وكثير من المساءات باتت تشبهه ـ بعد جولة في الفضاء الإلكتروني ومواقعه، حملتُ تلك المرآة الصغيرة التي أضعها في حقيبتي كنعصر ثابت في حقيبة أي أنثى، وجلست أمعن النظر فيها متسائلة: أي النساء أشبه ممن لاكتهن ألسنة التعليقات اليوم من على منابر التواصل الاجتماعي، أهي تلك العزباء الحالمة؟ أم الزوجة ـ البائسة أو السعيدة ـ لا فرق؟ أم المطلقة المتحدية؟ أم الأرملة العاثرة؟ أم العاملة الطموحة؟ أم العاطلة عن العمل؟ أم كثيرة الترحال والتنقل؟ أم تلك القابعة في بيتها؟ وتكاثرت الصور أضعافاً حتى بتّ أفقد نفسي في زحمة الصور لكائن واحد هو المرأة.
وضعتُ المرآة جانباً، وأرخيت ظهري على أريكة لونها زهري أو أزرق لا أذكر، وبدأت بالتفكير بصوتٍ عالٍ في أحاديث الجنس اللطيف عبر صالونات الفضاء الإلكتروني وردودهن، وخرجت بهذه الخلاصة التي آثرت أن أشارككم بها:
• أكاد أجزم بأن مشكلة المرأة ليس في إشكالية فهم المجتمع أو الرجل أو قرينتها لها، وإنما في فهم المرأة ذاتها لذاتها، وفي فهمها لوظيفتها ودورها وما الذي تريده أساساً، وهذا مما لمسته من خلال اتصالي المباشر معها خلال سنوات عملي المتواضعة في برنامجي الإذاعي الأسري، وتعمق لي أكثر من خلال الردود والمشاركات والمساحات التي تعبّر فيها المرأة عن نفسها وهمّها عبر الفضاء الإلكتروني.
• نعم علينا أن ندين لهذا العالم الإلكتروني بما أتاحه للمرأة من فرصة للتعبير، وبما أتاحه ـ في سياق آخرـ من الكشف عن الدواخل، بصورته الإيجابية والسلبية، ففي الوقت الذي يمكن عدّه نوعاً من إتاحة الفرصة للتعبير يمكن اعتباره في السياق الآخر نافذة لرمي الفضلات على الملأ حتى تكاد تتقيأ أحياناً من نتن الرائحة لأن المساحة مكشوفة للرمي دون قيد أو حد، وهذا من سمت العالم الجديد بطبيعة الحال، وعلينا التكيف معه وقبوله وإن لم نتقبله.
• وعليه فإنّا لا ننتقد كتابة شخص لموضوع ما ونحط من شأنه ونشكك في نواياه، إذ إن تقييم أهمية الموضوعات ودورها في نهضة أو إصلاح الفرد والمجتمع تتفاوت بتفاوت الأشخاص وأفكارهم ومجتمعاتهم وبيئاتهم، ولكل إنسان حاجاته الخاصة وطريقة تقييمه الخاصة. وإن كان هذا أيضاً من جانب آخر في الوقت نفسه مؤشراً لقياس مدى وعي أفراد المجتمع ونضجه إن أردنا قياسه بناء على: "قل لي بم تفكر أقل لك من أنت"، لكننا حقا بتنا أمام نسبية المعايير في كل شيء. الأمر الذي يؤكده درجة تفاوت الجمهور في تقييم الأعمال والتي تتجه في الغالب لصالح الخطابات العاطفية، المبسطة، التي تلامس حاجة مباشرة يعيشها ويتعايش معها وتشكل هاجساً لديه. والقاعدة التي أومن بها -مع كل هذه المتغيرات- تقييم الجمهور الإلكتروني للمادة الفنية على أهميته لكنه ليس الذي يعطي هذه المادة قيمتها الفنية أو يبخسها قيمتها، قياساً إلى قاعدة أن قيمة الفرد تنبع من ذاته، وكذا متعلقاته فقيمتها تنبع من ذاتها لا من مرآة الجمهور التي تأتي في مرحلة لاحقة.
• و بعد تجاوز هذه النقطة، فإني أتجه لجزئية صورة المرأة عند المرأة ذاتها وهي متصلة بالقاعدة السابقة، فإن صورة المرأة إن كانت نابعة من تقييم ذاتي واضح لن تكون بحاجة لتعليل سعادتها أو كآبتها من أي طرف خارجي سواء قرينتها المرأة، أو الرجل، أو المجتمع. لن نكون بحاجة حينها لخلق تلك الطبقية الفكرية الاجتماعية في المجتمع "هو وهي"، "عزباء ومتزوجة"، "أم ومش أم"… وعليه قس. وتصويرها بشيء من المبالغة التي لا تنتمي للواقع بشيء.
لن تشعر المرأة حينها بالنقص وبأي ثوب لبست سواء ثوب الزواج أو "العنوسة" أو الطلاق، أوكانت عاملة أو غير عاملة، أو منجبة أو غير منجبة، أو جميلة أو غير جميلة، أو غنية أو غير غنية، أو متعلمة أو غير متعلمة، أو مشهورة أو غير مشهورة، أو أديبة أو غير أديبة، أو كثيرة الترحال أو السفر أو عديمة الترحال أو السفر، أو زوجها رومانسي أو زوجها غير رومانسي.. وزد عدًّا.
ذلك أنها وصلت لمرحلة من الإشباع الذاتي الذي مصدره ذاتها نفسها، لأنها تعرف من هي وماذا تريد هي قبل ما يريده الآخرون منها، ولأنها تريد أن تكون صورتها هذه نابعة منها، لا صورة نابعة من رغبة المجتمع لها.
عندها ستعيش المرأة تصالحاً ذاتياً مع نفسها ومع الآخرين، فلا تدمر واقعها الذي بنته بإرادتها، بسبب واقع مفترض من غيرها. ولن ترى المجتمع أيضاً قائماً على صورة المرأة التي بنتها هي لنفسها وما عداها أعداء، ستكون المرأة صديقتها حتى وإن كانت متزوجة أو في صورة تفترق عنها، سيكون الرجل صديقها وليس عدواً أو مترصداً لها وهكذا..
أومن بأن قضايا المرأة والعلاقات من القضايا الجدلية والتي لا تستند إلى صورة ثابتة يمكن تأطيرها عليه، ولكن عزيزتي المرأة: صورة المرأة التي تتمنين بيدك أنت.. أنت فقط.. فأمعني النظر في نفسك والتقطي تلك الإشارات التي اختصك الله بها عمن سواك وانطلقي من ذاتك لذاتك، دون عويل وقرقعة ولطم الذات والآخر.
عندها سترين جنساً لطيفاً تألفينه كلما نظرتِ في المرآة!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.