لطالما تساءلت عن المرأة التي يريدها مجتمعنا، حتى أكونها ليتسنى لي العيش في سلام داخلي وخارجي، ولأجل ذلك كان أول سؤال يجد طريقه لمسامع أصدقائي الذكور "أيَّ المرأة تريدون؟"، فكان أغلبهم يؤكدون أن المرأة التي يرغبون في الارتباط بها يجب أن تكون مرحة، تتقن فن الكلام، حنونة، مثقفة، ذات شخصية وفكر حداثي، هذا بالطّبع أثار انتباهي، لأني أعرف جيدا أن هذا محض كلام لجذب البنات وتحريرهن قبل فض بكارتهن، وذلك ما كان، فأغلب هؤلاء دخلوا القفص الذهبي لم يرتبطوا بحبيباتهم اللواتي رافقنهم في رحلة "الحذاء الواحد" إلى أن أصبح لهم حذاء لكل ربطة عنق، بل تزوجوا إما بطريقة تقليدية، أو بطريقة حسابية راتبها على راتبه ماذا يحقق؟.. فتساءلت غيرما مرة هل وجدوا في زوجاتهم الصفات التي حدثوني عنها؟ فقال أغلبهم إن الزواج مثل السياسة عندنا في المغرب يُبنى على توافقات ولا مجال للبحث عن الصفات.
نفس السؤال طرحته على والدتي ونساء تجاوزن الأربعين، من هي المرأة التي في خاطركن، فقالت والدتي دون أن تفكّر "خصا تكون قارية وداخلا سوق راسها"، أما النساء الأخريات فهمسن لي ناصحات بأن المرأة يجب أن تكون مطيعة تتقن فن التنازلات حتى تحافظ على ما منحتها الحياة، والأساسي على المرأة أن تكون صبورة.. وهنَّ يمطرنني بأجوبتهن العفوية التي استقينها من تجاربهن التي تتجلى مرراتها خلال حروفها، تمنيت أن تقول إحداهن بشجاعة إنه على المرأة أن تكون مثقفة خلاقة، مبدعة، وذات شخصية قوية، تدافع عن كرامتها، لها كبرياء تجعلها تقف أمام كل من أراد جعلها وقودا للحياة، إلا أن ذلك لم يكن، وبالرغم من أن كل من طرحت عليهم السؤال مستواهم التعليمي جامعي، وبعضهم من المثقفين، وبعضهم يتقلد مناصب مهمة، وبعضهم عاش مدة غير يسيرة في أوروبا وأميركا، إلا أن تفكيرهم لا يمكن أن يخرج عن ثقافة الذكورية سواء نساءً أو رجالًا، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها..
للأسف، حين وجدت القالب الذي أجمع عليه أغلبية الناس، وجدته ليس على مقاسي، فبدأت في رحلة بحث أخرى.. هل من ضروري أن تكون هناك مقاسات محددة بـ"إكس" و"إم" و"لارج"، كما نحدد مقاسات الثياب؟ ومن يضع هذه المقاسات؟ ربما لو كان تحديد هذه المقاسات باستفتاء شعبي، كنت سأقبلها، أنا إنسانة مؤمنة بالديمقراطية في كل شيء، كنت سأحافظ على مقاسي المجهول وأقبل المقاسات التي يفرضها المجتمع، لكن حظي التعيس جعلني أعيش في مجتمع لا يؤمن بالديمقراطية حتى في اختيار الطعام، تقول لي إحدى صديقاتي عليك الرحيل إلى تركيا قبل أن تجدي نفسك مقيدة مثلنا، فيمنعك وزنك الزائد من المغادرة.. صديقتي لا تعلم أني لا أتقن فن الهروب تعلمت خوض الحروب لأتفه الأسباب، فكيف لي الانزواء في ركن من أركان إسطنبول وأترك هذا المخاض دون المشاركة فيه ولو بقص الحبل السري.
في بعض الأحيان أتمنى أن أكون ذكرا، ليس هربا من أنوثتي، لكن رغبة في التحرر، سيقول البعض ممن يعرفونني ممَّ تتحرري؟ سأقول إني أريد التحرر من تناقضاتي، من اللون الرمادي الجاثم على قلبي، من اسمي الذي لم اختره، من وجودي، فدرويش قال "أشهد، أَنني حيُّ، وحُرُّ، حين أُنْسَى!"، ربما حين أنسى أستحق شهادة الحرية، وأنا أكتب هذه الكلمات أنظر إلى البحر أشعر بغيرة كغيرة المرأة من ضرتها، أحسده بعدد ذرات مائه على حريته وصفاء روحه والسلام الذي يعيشه..
بالمناسبة، ليس الذكور وحدهم من يضعون الأغلال على يد أنثى ويبسطون وصايتهم على عقلها، فأول منفى تدخله الطفلة، تكون حارسته امرأة، وأول من يكبل قدميها امرأة، وأول من يجعل من أحلامها سراباً امرأة، النساء عندنا مثل الخالة " mammy Two-shoes" التي كان يقطن عندها "طوم آند جيري"، يتآمرن على بنات جنسهن بكل حقارة، ويؤمنَّ بأن ما يفعلنه هو لحمايتهن وحماية المجتمع من شرورهن، فتقول النساء إن البنات جميلات في طفولتهن متعبات وحمقوات، وكارثة تحل على الأهل في شبابهن، وتفضل أغلب النساء أن يرزقن بالذكور عوض الإناث، فالأنثى تحمل معها شرف العائلة والذكر مثل الهواء مهما تلوث سيعود لنقائه، والغريب أن الأنثى حين تتزوج وتحمل في يدها صك الغفران تمارس الاضطهاد على غيرها ممن يبحثن عن ذواتهن في مستنقع من العادات والتقاليد البئيسة التي تحمي عرش المملكة الذكورية، فيكن هؤلاء النسوة هن حارسات المعبد.
المرأة التي نريد ليست موجودة في الواقع، بل متجدرة في العقل الباطن للمجتمع، وبالتالي إبرازها يتطلب ازدواجية نصف المجتمع.. وهو ما يجعلني أرفع السقف لسؤال نساء هذا المجتمع..
من منكن تعيش الحياة التي تريد؟!
يتبع…
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.