الذاكرة الانفعالية.. لماذا تظل الأحداث المؤلمة خالدة بوضوح في الذاكرة دون غيرها؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/02/11 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/11 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
غالباً ما تظل الأحداث المؤلمة خالدة بوضوح في الذاكرة دون غيرها - shutterstock

من منّا يستمتع باسترجاع ذكرياته المؤلمة؟ الحقيقة هي أن معظم وسائل الترفيه التي تم اكتشافها وتطويرها حتى اليوم تعمل بصورة أساسية تقريباً على تعزيز "النسيان"، سواء أكان الأمر هو نسيان المسؤوليات اليومية المرهقة والاستمتاع ببعض الراحة، أو إلى الهروب من المشاعر الثقيلة والذكريات القاسية وتخديرها.

إلا أن البعض قد لا يتمكن من تجاوز الذكريات المؤلمة التي تعرَّض لها في حياته، ويواصل المعاناة من التأثر بها مهما بذل من جهد لكي يتجاوزها. 

يلعب تركيب الدماغ دوراً في الاحتفاظ القوي بالذكريات - shutterstock
يلعب تركيب الدماغ دوراً في الاحتفاظ القوي بالذكريات – shutterstock

هذه المشكلة الشائعة قد يتم تجاهلها، لكن الواقع هو أن قدرة الكثيرين من الناس في استعادة وتذكُّر الأحداث الحياتية القاسية يعود بشكل رئيسي إلى تمتعهم بما يُعرف بالذاكرة العاطفية، أو الذاكرة الانفعالية العاطفية، والتي تتطلب طريقةً معينةً في التعامل مع الأحداث الشديدة والمشاعر القوية.

ما هي الذاكرة العاطفية؟

تشير الذاكرة العاطفية، في علم النفس إلى الظاهرة التي تؤثر فيها العواطف على تشفير المعلومات واسترجاعها في الذاكرة. وهي تعني تحديداً مدى تأثير العواطف على تخزين واسترجاع التجارب أو الأحداث أو المعلومات.

تميل الذكريات العاطفية إلى أن تكون أكثر حيوية واستدامة مقارنةً بالذكريات المحايدة المعتادة، وبالتالي فهي تؤثر بشكل عميق على صاحبها عند استعادتها.

وهناك العديد من الميزات الرئيسية التي تميز الذاكرة العاطفية، مثل:

  1. التخزين عالي الدقة للمعلومات: يمكن للعواطف أن تعزز ترميز المعلومات في الذاكرة، وكلما كانت أقوى كان الاحتفاظ بالمعلومات أعمق. وبالتالي عندما يثير حدث ما مشاعر قوية، فمن المرجح أن ينتبه الدماغ إلى تفاصيل هذا الحدث ويتذكرها بأدق التفاصيل.
  2. الاهتمام الانتقائي: غالباً ما تجذب المنبهات العاطفية انتباهنا بشكل أكثر فاعلية من المنبهات المحايدة. ويمكن أن يؤدي هذا الاهتمام الانتقائي إلى تخزين أكثر تفصيلاً ودقة للتجارب العاطفية والمعلومات.
  3. الاحتفاظ طويل المدى بالذكريات: تميل الذكريات العاطفية إلى البقاء لفترات أطول في الذاكرة مقارنةً بالذكريات المحايدة، ولهذا السبب قد يتذكر الناس الأحداث المشحونة عاطفياً بوضوح شديد، حتى بعد مرور سنوات على وقوعها.
  4. التأثُّر الشديد عند استدعاء الذكريات: يمكن أن تؤثر العواطف أيضاً على قدرة وقوة الشخص في استرجاع الذكريات، وعند تذكر المعلومات يمكن للحالات أو الإشارات العاطفية أن تؤدي إلى استرجاع الذكريات المرتبطة بتجارب عاطفية مماثلة، وكأنها حدثت للتو.
  5. تكرار وميض الذكريات: قد تؤدي بعض الأحداث الشديدة والمشحونة عاطفياً بشكل خاص إلى تكوين ذكريات مفصلة للغاية وطويلة الأمد للظروف المحيطة بحدث مهم عاطفياً، وهو ما يعرف بـ"فلاش باك"، وهو ببساطة يشبه معاودة عيش اللحظات القاسية من جديد.

تأثيرات الدماغ في تكوين الذاكرة العاطفية

تلعب اللوزة الدماغية، وهي بنية دماغية مسؤولة عن معالجة وتفسير العواطف، دوراً حاسماً في تكوين الذكريات العاطفية. فهي تتفاعل مع أجزاء أخرى من الدماغ، مثل الحصين، لدمج وتخزين المعلومات المشحونة عاطفياً.

وبالتالي فإن فهم الذاكرة العاطفية له صلة بمجالات مختلفة، بما في ذلك علم النفس وعلم الأعصاب والتعليم والخبرات الشخصية والصدمات والتجارب الحياتية المختلفة.

الحالات العقلية مثل القلق المزمن والاكتئاب تساهم في زيادة المشكلة - shutterstock
الحالات العقلية مثل القلق المزمن والاكتئاب تساهم في زيادة المشكلة – shutterstock

وفي حين أن التجارب المؤلمة قد تخلق ذكريات تفصيلية لبعض الأشخاص، فإنها قد تؤدي بالنسبة للآخرين إلى فقدان الذاكرة الانتقائي في شكل ذكريات منسية أو مكبوتة. وفقاً لعيادة كليفلاند تسمى هذه الحالة فقدان الذاكرة الانفصالي، وعادةً ما ترتبط بالتوتر والصدمات.

ارتباط الذاكرة العاطفية بالصحة النفسية والعقلية

يواجه العديد من الأشخاص تحديات في الذاكرة بسبب صحتهم العقلية ومستوى سلامتهم النفسية، لذا عندما يؤثر شيء ما على استقرارك العاطفي وتحكمك، فقد تواجه مشكلة في تكوين وتذكر تجاربك.

حالات الصحة العقلية والنفسية التي يمكن أن تؤثر على ذاكرتك العاطفية:

  • يمكن أن تؤدي اضطرابات المزاج، مثل الاكتئاب والقلق المزمن إلى صعوبة الشعور بمشاعر قوية مثل الإثارة، ما قد يؤدي إلى تقوية الذكريات العاطفية.
  • يمكن لاضطرابات القلق أن تثير المخاوف الشديدة المستمرة، وإن غابت المثيرات، ما يغيّر ما تتذكره عن حدث ما.
  • يمكن أن تؤثر العديد من الأمراض العقلية على الطريقة التي تواجه بها مشاعرك، لذلك يمكن أن تتوسع هذه القائمة بشكل كبير.

كيف يمكن البدء في معالجة الذكريات العاطفية

يوفر الطب النفسي والسلوكي المعرفي فرصةً كبيرةً لمعالجة و"ترويض" الذكريات العاطفية. وفي العلاج بالتحفيز المعرفي (CST) مثلاً، يتم التركيز على الذاكرة، ويستخدم غالباً مع مرضى الخرف.

وهو يركز على الأنشطة والتمارين التي تتمحور حول التفكير والتواصل والتركيز والذاكرة.

يمكن الاستعانة بعلم النفس في العلاج السلوكي المعرفي للأمر - shutterstock
يمكن الاستعانة بعلم النفس في العلاج السلوكي المعرفي للأمر – shutterstock

وحتى بدون الاضطرابات المعرفية، قد تكون هذه طريقة فعالة للحفاظ على الذاكرة، لأن العلاج يتضمن تذكر الأحداث والذكريات الماضية، ووصفها فيما يتعلق بالزمان والمكان الحاليين، وقد يكون مفيداً لشخص يأمل في تعلم طرق فهم وتنظيم ذكرياته العاطفية بشكل أفضل.

تحميل المزيد