أقدم نظام بنكي في العالم لا يزال قائماً إلى اليوم، بانتقالنا إلى المغرب وبالأخص إلى منطقة سوس "الأطلس الصغير" نجد "إيكودار"، وهي عبارة عن مخازن استخدمتها القبائل الأمازيغية في تخزين الحبوب والمقتنيات الثمينة بكل أنواعها.
إيكودار هي عبارة عن كلمة أمازيغية وتعني مخازن، وهي جمع لكلمة "أكادير" التي سُميت نسبة إليها مدينة أكادير جنوب المغرب، تعتبر إيكودار منشأة جماعية قديمة عالية الأسوار، بُنيت فوق سفح جبلي فيما يعود تاريخها إلى أكثر من 10 قرون، فيما تشبه في شكلها الهندسي القلاع الحصينة التي يتم حراستها بطريقة معمارية فريدة.
إيكودار.. أقدم نظام بنكي في العالم
حسب موقع "skynewsarabia" لا توجد مصادر تاريخية تؤرخ التاريخ المضبوط لبناء إيكودار، سواء باعتبارها مؤسسات قبلية قائمة الذات، أو نماذج معمارية فريدة، إلا أن بعض الإشارات التي تضمنتها بعض المصادر المكتوبة لبعض الجغرافيين والمؤرخين، يعيدها إلى القرن 15 حسب بعض الألواح المنظمة للمخزن.
أما بالعودة إلى بعض المصادر التاريخية العربية التي ربما تكون أشارت إلى هذه المؤسسات، دون ذكر لاسمها، فإنه يُرجح أن يكون وجود هذه المنشآت يعود إلى القرون الأولى للعصر الوسيط، حيث سادت خلال تلك القرون بعض فترات غياب الأمن والاحتلال الإيبيري للسواحل المغربية.
بالإضافة إلى فترات الجفاف والأوبئة والأزمات الطبيعية العصيبة التي عرفتها مناطق انتشار هذه المخازن الجماعية، كل ذلك جعل السكان يحتمون في مناطقهم في استقلالية شبه كلية، واضعين أنظمة عيش واستغلال وتسيير متكاملة ومنسجمة مع مجالهم تحركهم، من قبيل إكودار.
واستناداً إلى نفس المصدر يقال إن مدينة أكادير التي تعد من أكثر المدن السياحية في المغرب أخذت اسمها من هذه المخازن، توجد من بين هذه المخازن، ما هي محفورة في بعض الجبار نواحي مدينة أزيلال تاليوين والتي يصل عددها إلى 500 مخزن.
تعتبر هذه المخازن أول نظام بنكي في العالم، نظراً لوجود تشابه كبير بينها وبين البنوك من حيث طريقة تدبير المخازن الجماعية، مؤكداً أن طريقة تخزين الأشياء الثمينة داخل هذه المؤسسة، ونظام الحراسة والتداول وكذا التشريعات التي صاحبت نشأتها، تجعلنا نضعها في مقدمة الأنظمة البنكية التي رأت النور قبل بنوك أوروبية.
إيكودار.. قوانين خاصة والكل مسؤول
حسب موقع "بوابة الأمازيغ" المغربي تتمتع مؤسسات إكودار بالشخصية المعنوية، حيث تنظم سيرها أعراف شفوية أو مكتوبة تسمى "إزرف"، لا يجرؤ أحد على ارتكاب ما لا يليق داخلها أو خرق عرف من أعراف تسييرها. ويشرف على تسيير إيكودار، والبتّ في النزاعات التي تقوم بسببها مجلس يسمى "إينفلاس" وهي مجموعة من الأعضاء الذين يتم انتخابهم لإدارة المخازن.
من مهام هذه الجماعة أيضاً توظيف شخص بأجر، يقوم بالحراسة الدائمة وفتح وإغلاق باب أكادير وكذا تنظيفه، ويكون مقيماً داخله ويسميه السكان الأمازيغ "لمين نو أكادير" أي بمعنى أمين الخزينة، كما يفرض على الأسر المستفيدة، أن تعين بالتناوب فرداً منها للقيام بواجب الحراسة لمدة يوم واحد خلال الشهر مع الحارس الأصلي للمخزن.
يتم تدبير المخزن بشكل جماعي، لكن الغرف تكون بملكية فردية، أي من الممكن بيعه بالإضافة إلى مسؤولية الرعاية والإصلاح في حال كان هناك أي ضرر، في قانون إيكودار أي ضرر يتسبب في أذى الجيران يفرض على الشخص الذي أهمل واجبه تحمّل كل الخسائر من ماله الخاص، بالإضافة إلى تكلفة الصيانة.
استخدم ملجأ ومكان للتخطيط أثناء الاستعمار
استخدمت إيكودار حصناً لتخزين المنتوجات الزراعية، بالإضافة إلى الأدوات الفلاحية والزيوت والعسل، بالإضافة إلى الوثائق والنقود والأسلحة فيما تشبه في طريقة تخزينها البنوك التي نشهدها في عصرنا الحالي.
أما بخصوص كيفية معرفة المحاصيل أو الأشياء الثمينة الموضوعة في كل غرفة، كان المشرفون على المخازن يقومون بتوثيق كل شيء في ألواح كبيرة تخزن هي الأخرى من أجل ضمان عدم سرقة أي شيء أو ضياعه من داخل المخازن.
أما في فترة الحروب فتتحول المخازن الجماعية إلى ملاجئ آمنة للسكان. وفي بعض الأحيان فإنها تصبح فضاء لاجتماعات لأعيان القبائل للتشاور ومناقشة شؤون الجماعة وما يتصل بتنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية للجماعة أو القبيلة.
لا تزال هذه المعلمة التاريخية إلى اليوم مقصداً للسياح من مختلف أنحاء العالم، فيما تسعى السلطات المغربية إلى ضمها إلى قائمة التراث الإنساني في منظمة اليونسكو باعتبارها أقدم نظام بنكي في العالم.