رغم الصورة المضيئة التي تصلنا للأبطال الرياضيين في المسابقات المحلية والعالمية، فثمة جانبٌ مظلم لا يتحدث عنه الكثيرون يحمل الكثير من الأسى والظلم والمعاناة، التي يتحمّلها نجوم الرياضة من أجل الفوز بميدالية هنا أو كأسٍ هناك.
فالابتسامات الواسعة أمام عدسات المصورين، لحظة الفوز بالميداليات على ألوانها، غالباً ما تخفي سنواتٍ طويلة من الضغط البدني والنفسي الذي يتعرّض له معظم من اختار أن تكون الرياضة التزاماً يومياً.
حينها قد تتحوّل الرياضة من فعلٍ إيجابي إلى سلبي، وبالتالي تشكل خطراً على صحة الرياضي النفسية، رغم أن كثيرين قد يقولون إن مشقة الطريق تهون أمام لحظة الوصول إلى القمة؛ فالميدالية الذهبية أو كأس المرتبة الأولى يستحقان التضحية.
خيطٌ رفيع بين التوجيه والإذلال!
تروي مروة مصطفى، ولية أمر أحد لاعبي الجمباز المصريين (تحت 9 سنوات)، والتي فاز صغيرها ببطولات محلية عدة، ما الذي دفعها لتأخذ قرار توقف ابنها عن التدريب اليومي.
وفي حديثٍ إلى "عربي بوست"، تقول: "انتبهتُ لصوت لطمة، فإذا به المدرب يؤدب طفلة بضربها على ظهرها بقوة، قبل أن يُمسكها من رقبتها مهدداً إياها أنها ستفشل لا محالة إن استمرت بهذه الطريقة".
تشير مروة إلى أن المدرب كان يصرخ بعنفٍ شديد في وجه الطفلة أمام جميع أولياء الأمور، الذين لم يحركوا ساكناً، لذا تمادى وراح يطالبها بأن تبتسم وتمنحه وجهاً سعيداً "لأن لاعب الجمباز لا يعبس أبداً".
وأضافت مروة: "كانت والدتها من بين الحاضرين، وحاولت أن أتأمل رد فعلها، وفوجئت بها تبتسم بإحراج، وتنظر حولها واضعةً يدها على فمها، قبل أن تشير لابنتها بأن تطيع مدربها".
مع الوقت صار ما يشغل بال مروة، الأم الشابة، كيفية الوصول إلى ذلك الخيط الرفيع الذي يفصل ما بين الخوف على مصلحة ابنها والإساءة إليه.
وفقاً لمروة، فإن التعامل المهين وتحويل الجهد إلى ضغط يحمّلان الطفل أكثر من طاقته، حتى لو كان يحب الرياضة التي يمارسها ويتوق إلى الفوز في البطولات. وتقول: "إن هناك خيطاً رفيعاً بين التوجيه والإذلال، أستطيع كأم التفرقة بينهما".
تذكر مروة مصطفى تلك المرة التي دخلت فيها إلى الملعب، وانتزعت صغيرها من يد المدرب، معلنةً أنه لن يُكمل التدريب بعد اليوم، فتقول: "انفعل المدرب على طفلي، ووضعه أسفل قدمه، وراح يصيح بوجهه، بحجة أنه يقوّمه، لكني لم ولن أحتمل أمراً مماثلاً. كان هدفي تمرين صغيري ليصبح أفضل، بدنياً ونفسياً، لا ليتقيأ قبل كل تمرين من فرط الخوف والتوتر".
هل يحق للمدرب إهانة لاعبيه في التمارين الرياضية؟
ليس عيباً أن نسأل عن حدود المدرب، وما إذا كانت بعض الممارسات التي يقوم بها البعض مقبولة. ووفقاً لموقع Very Well Family، المتخصّص بالإرشاد العائلي، هذه بعض العلامات التي يمكنها أن تُخبرك ما إذا كان مدرب طفلك يسيء إليه:
1- يعتدي لفظياً على الطفل: الإهانات اللفظية من قِبل المدرب أمام الآخرين هي شكل واضح من أشكال الإساءة، كأن يشتمه، أو يصرخ بوجهه، أو ينتقد أداءه بطريقة غير عادلة وبكلمات مؤذية.
2- التخويف: إذا قام المدرب بتخويف الأطفال بشكلٍ منتظم، فهذا يعني أنه يسيء معاملتهم. يشمل هذا الإيماءات، والصراخ، والتهديد بإلحاق الأذى الجسدي.
3- الضرب: فارق كبير بين لمسة من أجل التنبيه، وصفعة على الوجه. فالضرب، ولو لم يكن مؤلماً، غير مقبول ويقع ضمن دائرة الإهانة.
4- التشكيك في قدرة طفلك: هذه إساءة من شأنها التأثير على نفسية الطفل وجهوزيته. ولا يجوز بأي شكل من الأشكال أن يحتمل ابنك السخرية منه والتقليل من شأنه.
5- تقويض النجاح: يحدث هذا حين يضع المدرب أهدافاً غير منطقية للفريق، ما يزيد من فرص فشل اللاعبين، ثم يعود ليحملهم نتيجة الفشل. فالرياضة يجب أن تكون ممتعة، فهي ليست عقوبة.
الأطفال هم الأكثر عرضة للتحرش أثناء التدريب
رغم فوائد الرياضة العظيمة، إلا أن ذلك لا ينفي المضايقات التي قد يتعرض لها اللاعب خلال التمارين الرياضية، سواء تمثلت في سوء المعاملة، أl التحرش والاستغلال الجنسي.
عام 2007، أصدرت اللجنة الأولمبية الدولية بياناً بالإجماع، حول التحرش الجنسي والإساءة في عالم الرياضة، حيث توجد الكثير من المضايقات والإساءات النفسية والجسدية، إضافةً إلى الإهمال وسوء المعاملة التي يتعرض لها اللاعبون في مختلف الأعمار، "لكن يبقى الأطفال هم الأكثر عرضة لهذا الخطر".
وقد شهدت فترة التسعينيات بالذات سلسلة من الاعتداءات الجنسية في عالم الرياضة، والتي خرجت إلى العلن.
ومع الألفية الجديدة، تتعرض واحدة من كل 3 أو 4 فتيات تقريباً للاعتداء الجنسي، قبل بلوغ سن الرشد؛ بما في ذلك التحرش داخل صالات الرياضة، والذي يأخذ شكلاً من اثنين، بحسب دراسة صدرت عام 2000:
- إما الاستغلال الجنسي للأطفال، الذي يستخدم الرياضة وسيلةً للوصول الجنسي إلى الفتيان والفتيات.
- أو الاستغلال الجنسي لأي عمر، والذي يستغل أجواء الحرية التي توفرها ممارسة الرياضة.
وتشير الدراسة ذاتها إلى العواقب المدمرة للتحرش والإساءة الجنسية، والتي تتمثل في اضطرابات نفسية عدة، فضلاً عن تدني احترام الذات لدى اللاعب في أي رياضة يمارسها.
ومن شأن ذلك أن يؤثر على حياة الفرد الشخصية، بعيداً عن الرياضة، فيجد صعوبة في تكوين علاقات عاطفية وثيقة أو الحفاظ عليها، خاصة في ظل غياب إرشادات مواجهة الاستغلال الجنسي في الأندية والمراكز وصالات الرياضة المختلفة.
نهايات غير متوقعة لـ"إغراء الرياضة"
رغم النجاح الاستثنائي في عالم الرياضة، الذي وصل إليه المصنف ثالثاً على مستوى العالم روري ماكلروي، إلا أن لاعب الجولف الأيرلندي المحترف قرر فجأة -ومن دون مقدمات- الانسحاب من بطولة كبرى منتظرة.
برّر اللاعب الاستثنائي قراره، قائلاً لوسائل الإعلام إن سبب الانسحاب "هو سلامتي العقلية والعاطفية".
البطل العالمي، الحائز على جوائز "لوريوس" الرياضية عام 2012، لم يكن راضياً عن أدائه في المباريات الأخيرة، وقد عزا السبب إلى الإرهاق العقلي الشديد الذي تعرّض له طوال 12 شهراً.
ما حدث مع روري ماكلروي تفسره دراسة صدرت عام 2022، تؤكد أن الرغبة الشديدة في الفوز تستهلك في طريقها الكثير من الضغط النفسي والإرهاق الجسدي.
وأشارت الدراسة إلى أن ما يُسمى بـ"إغراء الرياضة" و"الاستنزاف الرياضي" يصيب الرياضيين -الأطفال والكبار- بالإجهاد، والقلق، والاكتئاب، واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، وصولاً لاضطرابات الطعام، وإدمان المخدرات، وحتى التفكير بالانتحار.
ما العمل إذاً؟
إذا كانت الإساءات على أنواعها في مجال الرياضة حقيقة لهذه الدرجة التي تنقلها وسائل الإعلام العالمية، فقد يكون من المناسب معرفة كيفية تلافي وقوع طفلك في فخ الإساءة والضغط النفسي والبدني.
ووفقاً لموقع Moms Team الصحي، هذه مجموعة من التدابير والخطوات التي يمكن اتباعها في حال أردتم أن يمارس ابنكم أو ابنتكم أي نوعٍ من الرياضة:
– التأكد من وجود سياسة واضحة لمؤسسة الرياضة أو النادي، الذي تنوي إلحاق طفلك به.
- اسأل عما إذا كان النادي يجري فحصاً لتاريخ وخلفية المدربين، قبل توظيفهم.
- شارك طفلك خلال ممارسته الرياضة، وراقب أداءه دائماً، من دون أن تسلمه كلياً إلى المدرب.
- تحدث إلى المدرب قبل بدء موسم الرياضة، وناقش معه توقعاتك، واطلب منه إشراك الطفل في القرارات المناسبة لسنّه.
- اجعل خط الاتصال مفتوحاً بينك وبين المدرب، وكن صريحاً معه في حال حدثت أمور تزعجك. وإذا لم تكن هناك استجابة، يمكنك تصعيد الأمور باللجوء إلى الإدارة، أو الاتحاد التابع له إن لزم الأمر.
- علّم طفلك أنه من المقبول أن يقول لا، وأن الطاعة ليست مطلقة للمدرب، وأن يضع حدوداً. والأهم أمّن له المساحة الآمنة حتى يثق بك ويخبرك إن كان هناك ما يزعجه.
- حاول أن تحضر التدريب، حتى لو لم يكن ذلك مسموحاً، فمن شأن ذلك أن يعطيك فكرة واضحة عن شخصية المدرب وتعامله مع اللاعبين.