هل سبق أن شممت رائحة كعك العيد على سبيل المثال فاسترجعت على الفور ذكريات طفولتك عندما كانت والدتك تعد الكعك في ليلة العيد؟ أو هل سبق أن شاهدت منظراً طبيعياً ما في بلاد الغربة فاستذكرت منظراً مشابهاً اعتدت رؤيته في بلادك؟ الحصين هو المسؤول عن توليد هذا النوع من الذكريات وغيرها الكثير.
يعتبر الحصين من الأجزاء الصغيرة والمعقدة في الدماغ، وعلى الرغم من أن هذا الجزء كان معروفاً للبشر منذ قرابة 4 قرون، إلا أنه لا يزال موضع اهتمام العلماء الذين يسعون للكشف عن المزيد من أسراره.
ما هو الحصين؟
الحصين أو قرن آمون (Hippocampus) هو جزء صغير ومعقد يوجد في الفص الصدغي للدماغ، وعلى الرغم من أن حجمه يتراوح فقط ما بين 3-3.5 سنتيمترات مكعب، إلا أنه يلعب أدواراً أساسية في ثلاث وظائف مهمة هي: الذاكرة والتعلم والعواطف.
ويتميز الحصين بتركيبته الهشة، وبالتالي فهو عرضة للتلف أو الضرر بفعل عوامل مختلفة منها الإجهاد أو المرض، وإذا تعرض الحصين للضرر بشكل أو بآخر فقد يؤدي ذلك إلى مجموعة من المشاكل الصحية والأمراض بما في ذلك الزهايمر والاكتئاب والصرع والفصام.
وقد جاءت تسمية الحصين Hippocampus من اليونانية، وتعني "سرج الحصان" ذلك لأنه يأخذ شكل حرف S ويشبه في شكله سرج الحصان.
وظائف الحصين
كما سبق أن ذكرنا، يلعب الحُصين دوراً حاسماً في مسائل التعلم والذاكرة والعواطف، إذ يعمل على تكوين وتنظيم وتخزين الذكريات الجديدة وفي ربط بعض الأحاسيس والعواطف بهذه الذكريات. كما أنه يلعب دوراً مهماً في استعادة الذكريات العاطفية.
على سبيل المثال عندما تثير لديك رائحة ما ذكرى معينة، فإن هذه الذكرى تتولد عن طريق الحصين.
وجدت الأبحاث أيضاً أن المناطق الفرعية المختلفة للحصين تلعب أدواراً مهمة في أنواع معينة من الذاكرة.
الذاكرة المكانية
يشارك الجزء الخلفي من الحُصين في معالجة الذكريات المكانية. إذ وجدت الدراسات التي أجريت على سائقي سيارات الأجرة في لندن أن التنقل في متاهات معقدة في شوارع المدينة الكبيرة مرتبط بنمو المنطقة الخلفية للحصين.
تقوية الذاكرة
يلعب الحُصين أيضاً دوراً في تقوية الذكريات أثناء النوم. تشير الدراسات المنشورة في عام 2004 إلى أن زيادة نشاط الحصين أثناء النوم بعد نوع من التدريب أو التعلم يؤدي إلى ذاكرة أفضل للمادة في اليوم التالي.
نقل الذكريات
لا يتم تخزين الذكريات في الحُصين على المدى الطويل. بدلاً من ذلك، يُعتقد أن الحُصين يعمل كمركز شحن، حيث يأخذ المعلومات ويسجلها ويخزنها مؤقتاً قبل شحنها ليتم حفظها وتخزينها في ذاكرة طويلة المدى. يعتقد أن النوم يلعب دوراً مهماً في هذه العملية.
ما هي العوامل التي قد تؤدي إلى ضرر الحصين؟
هناك عدة عوامل مختلفة يمكن أن تؤثر على وظيفة الحُصين، بما في ذلك:
- العمر: يمكن أن يكون للعمر أيضاً تأثير كبير على عمل الحُصين. وجدت فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي لأدمغة الإنسان أن الحُصين البشري يتقلص بنسبة 13% تقريباً بين سن 30 و80 عاماً. وقد يُظهر أولئك الذين عانوا مثل هذا الفقد انخفاضاً كبيراً في أداء الذاكرة. كما تم ربط تنكس الخلايا في الحُصين بظهور مرض الزهايمر.
- الإجهاد: الإجهاد يمكن أن يؤثر سلباً على الحُصين، وقد يضعف قدرات الذاكرة.
- العزلة الاجتماعية: يمكن أن يكون للوحدة والعزلة الاجتماعية مجموعة متنوعة من الآثار الصحية السلبية، وتظهر الأبحاث أنها يمكن أن تؤثر أيضاً على عمل الحُصين.
- قلة ممارسة الرياضة: قد يكون لعدم ممارسة الرياضة آثار ضارة على الدماغ، ولكن وجدت الأبحاث أن التمارين الرياضية قد تساعد في تعزيز صحة الحصين ومكافحة التدهور المعرفي المرتبط بالتقدم في العمر.
- الاكتئاب: أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب المتكرر يعانون من انخفاض حجم الحُصين.
قد يلعب الحُصين أيضاً دوراً في المساهمة في تطوير الإدمان. لأن المخدرات والكحول يؤثران على أنظمة المكافأة في الدماغ، وبالتالي فإن الحُصين يخلق ذكريات عن هذه التجارب المرضية. قد يساعد أيضاً في تكوين ذكريات عن الإشارات البيئية المرتبطة بتعاطي المخدرات والتي يمكن أن تساهم في الرغبة الشديدة للتعاطي عند مواجهة هذه الإشارات مرة أخرى.
آثار تلف الحُصين
هناك عدد من الأشياء التي يمكن أن تسبب تلف الحُصين، بما في ذلك إصابات الدماغ الرضحية، والسكتة الدماغية، ومرض الزهايمر، والنوبات، ونقص التروية.
إذا تضرر الحُصين بسبب مرض أو إصابة، فيمكن أن يؤثر ذلك على ذكريات الشخص وكذلك قدرته على تكوين ذكريات جديدة. يمكن أن يؤثر تلف الحُصين بشكل خاص على الذاكرة المكانية، أو القدرة على تذكر الاتجاهات والمواقع والتوجهات.
نظراً لأن الحُصين يلعب دوراً مهماً في تكوين ذكريات جديدة، فإن تلف هذا الجزء من الدماغ يمكن أن يكون له تأثير خطير طويل المدى على أنواع معينة من الذاكرة.
لوحظ حدوث تلف في الحُصين عند تحليل ما بعد الوفاة لأدمغة الأفراد المصابين بفقدان الذاكرة. يرتبط هذا الضرر بمشاكل تكوين ذكريات مثل الأسماء والتواريخ والأحداث.
يمكن أن يختلف تأثير الضرر اعتماداً على الحُصين المصاب. تشير الأبحاث التي أُجريت على الفئران إلى أن الضرر الذي يلحق بالحصين الأيسر يؤثر على استدعاء المعلومات اللفظية، بينما يؤدي تلف الحُصين الأيمن إلى مشاكل في المعلومات المرئية.
علامات تلف الحُصين
تتضمن بعض علامات تلف أو إصابة الحُصين ما يلي:
- التغييرات في الأداء المعرفي.
- ضعف المزاج.
- مشاكل في تخزين الذكريات.
- صعوبة تذكر الذكريات طويلة المدى.
- الارتباك المكاني والضياع في الأماكن المألوفة.
- فقدان الأشياء باستمرار أو وضعها في غير مكانها.
- مشاكل في اتباع التوجيهات.
- مشاكل في اتخاذ القرار.
- صعوبة إجراء المحادثات.
بالإضافة إلى مشاكل الذاكرة والأعراض الأخرى المرتبطة غالباً بمرض الزهايمر، ترتبط مشاكل الحُصين أيضاً بحالات الصحة العقلية مثل الاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب وانفصام الشخصية.
كيف تحافظ على صحة الحصين
إذاً ما الذي يمكنك فعله لحماية الحُصين؟ تتضمن بعض النصائح التي قد تساعد في حماية صحة الحُصين ما يلي:
- ممارسة الرياضة بانتظام: تشير الأبحاث إلى أن التمرينات قد تساعد في حماية الحُصين من الآثار الضارة للشيخوخة.
- إدارة الإجهاد: يمكن أن يكون للتوتر طويل الأمد أيضاً تأثير سلبي على الحُصين، لذا فإن إيجاد طرق للتحكم في إجهادك قد يساعد في حماية هذا الجزء من دماغك.
- علاج حالات الصحة العقلية: ترتبط حالات مثل اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب بالتغيرات التي تطرأ على الحُصين. على سبيل المثال، تشير بعض الأبحاث إلى أن الإجهاد المرتبط باضطراب ما بعد الصدمة قد يؤدي أيضاً إلى تلف الحُصين، حيث إن الأشخاص المصابين باضطراب ما بعد الصدمة لديهم حصين أصغر من الأشخاص غير المصابين باضطراب ما بعد الصدمة.
- حماية الدماغ: قد تتسبب إصابات الرأس في تلف الحُصين، لذلك من المهم استخدام معدات الحماية، بما في ذلك الخوذات وأحزمة الأمان، في المواقف التي قد يؤدي فيها حادث ما إلى إصابة الدماغ.