أفادت دراسة جديدة أُجريت على الفئران بأن الشيخوخة تُمثّل عاملاً مهماً في موت الخلايا العصبية بشبكة العين لدى الأشخاص الذين يعانون من الجلوكوما، أو الزرق، أو ما يُعرف أيضاً بالمياه الزرقاء في العين.
والزَّرَق، أو المياه الزرقاء، أو الجلوكوما؛ جميعها أسماء تُشير إلى مجموعة من أمراض العينين التي تُصيب أنسجة العصب البصري، المسؤولة عن نقل المعلومات من العين إلى الدماغ، ويمكنها أن تؤدي إلى فقدان الرؤية بالكامل.
وقد أفاد الباحثون القائمون على الدراسة، التي نشرتها دورية Aging Cell العلمية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، بأن تلك النتائج تساعد في استهداف مسارات جديدة عند تصميم علاجات حديثة لمرضى الجلوكوما.
توضح الدراسة كيف يتسبّب الإجهاد، مثل ارتفاع ضغط العين، في إحداث تغيراتٍ خلقية في أنسجة شبكة العين مشابهة للتغيرات الناجمة عن الشيخوخة الطبيعية. ويوضح الباحثون أيضاً كيف يؤدي الإجهاد المتكرر في أنسجة شبكة العين الشابة إلى حدوث شيخوخة مبكرة للعين.
الدراسة تؤكد، على نحوٍ غير قابل للشك، أن جميع خلايا جسمنا، وضمنها العين، تتأثر مع تقدّمنا في العمر. لتخلص إلى أن الشيخوخة الطبيعية تُعدّ عاملاً مباشراً ورئيسياً في الإصابة بمجموعة الاعتلالات العصبية، التي يُطلق عليها اسم الزرق، أو المياه الزرقاء في العين، أو الجلوكوما.
ووفقاً للدراسة، فإن التقديرات الحالية تُشير إلى ارتفاع عدد حالات الإصابة بالجلوكوما إلى أكثر من 110 ملايين بحلول العام 2040، وذلك بسبب زيادة أعداد كبار السن على مستوى العالم.
أعراض الجلوكوما
في المراحل الأولى لمرض المياه الزرقاء في العين، يشعر الإنسان بتضاؤل مجال الرؤية لديه في أطراف العين، أي إنه يفقد القدرة على الرؤية الجانبية أو المحيطية، المهمة جداً في الأنشطة اليومية مثل المشي والقيادة.
وفي حال لم تتم معالجة الزرق في مراحله الأولى، فقد يتفاقم الأمر إلى فقدانٍ تدريجي للبصر، ممّا قد يؤدي مع مرور الوقت إلى فقدانٍ كامل للبصر.
وهناك ثلاثة أنواع من الجلوكوما:
- الزرق مفتوح الزاوية.
- الزرق ضيّق الزاوية أو مُغلق الزاوية.
- الزرق الخلقي.
إذا كان الإنسان يعاني من الزرق مفتوح الزاوية، فمن المرجح أن يكون فقدان القدرة على الرؤية هو العارض الوحيد الذي سيعاني منه.
وقد لا يلاحظ المرء ذلك قبل أن يتفاقم مرض الجلوكوما مفتوح الزاوية، غالباً لأن العين غير المصابة تعوّض عن العين المصابة في المراحل الأولى. فالرؤية المحيطية تتضرر في الغالب قبل الرؤية المركزية، وهي الرؤية الناتجة عن سقوط أشعة الضوء مباشرة على البقعة المركزية للعين.
أعراض الزرق مفتوح الزاوية معتدلة نوعاً ما، مثل الرؤية المشوّشة بعض الشيء من حينٍ إلى آخر ولمدة زمنية قصيرة. لكن الأعراض الأكثر حدة غالباً ما تُشير إلى الإصابة بالزرق ضيق الزاوية، التي تشمل تشوّش الرؤية لفتراتٍ أطول وآلاماً حول العين، إضافةً إلى رؤية بعض الهالات حول نقاط ضوء قوية مع احمرار العينين والغثيان والقيء.
أما أعراض الزرق الخلقي، فتشمل عادةً اغروراق العينين بالدموع وحساسية مفرطة تجاه الضوء. وقد تظهر لدى الأطفال أعراض إضافية أخرى، مثل: الحكّة المستمرة، الحوَل، أو إغلاق العينين معظم الوقت.
وانتبه؛ إذا كنت تشعر بأعراضٍ مفاجئة، فقد تكون مصاباً بالمياه الزرقاء منغلقة الزاوية الحادة. وتشمل أعراض هذه الحالة الصداع الحاد وآلام العين الشديدة. وسيلزمك حينئذٍ تلقّي العلاج في أسرع وقتٍ ممكن. اذهب إلى قسم الطوارئ، أو اتصل بعيادة طبيب العيون على الفور.
أسباب المياه الزرقاء في العين
الأضرار التي تصيب العصب البصري تنتج بشكلٍ عام عن ارتفاع ضغط العين؛ ويحدث ذلك غالباً عندما يكون هناك فائض من السوائل المتجمعة داخل العين، سواء بسبب أن العين ذاتها التي تنتج سوائل إضافية، أو بسبب وجود مشكلة في تصريف السوائل التي تنتجها العين.
وإذا تُرك ضغط العين المرتفع من دون علاج، يمكنه أن يُسبّب الجلوكوما والمياه الزرقاء في العين، ويُمكن أن يؤدي إلى فقدانٍ دائم للرؤية. ويُمكن لبعض الأعراض أن تُشير إلى ارتفاع ضغط العين.
فإذا كنتَ تعاني من احمرارٍ مستمر في العينين، والشعور بالحرقة، والضغط، وتشوش الرؤية، فليست هذه الأعراض ناتجة بسبب الإرهاق أو عدم النوم بشكلٍ كافٍ. فالحقيقة أنها قد تكون أعراضاً لحالةٍ صحية تستلزم تلقي الرعاية الطبية العاجلة قبل فوات الأوان.
ويُقاس ضغط العين بالملليمتر الزئبقي، ويتراوح بين 10 و21 ملم زئبق. أما ارتفاع ضغط الدم في العين فيكون عندما يزيد على 21 ملم زئبقي.
ووفقاً لموقع Healthline، يمكن أن تحدث الإصابة بالمياه الزرقاء أيضاً جراء عملية جراحية في العين مثلاً، أو إصابة فيها، أو ورم سرطاني. وهناك بعض الأدوية، مثل الكورتيكوستيرويدات Corticosteroids، التي تُستعمل لمعالجة أمراضٍ أخرى مختلفة قد تؤدي إلى الإصابة بمرض الزرق.
ومع ذلك ثمة حالات تحدث فيها الجلوكوما من دون أن تكون ناتجة عن ارتفاع ضغط العين. ومع التدهور التدريجي لحالة العصب البصري، تظهر بقع عمياء في مجال الرؤية، لأسبابٍ لا يفهمها الأطباء جيداً.
علاج المياه الزرقاء في العين
تقول دوروتا سكورونسكا كراوتشيك، طبيبة العيون وأستاذة مساعدة بكلية "إرفين" للطب في جامعة كاليفورنيا: "يؤكد عملنا أهمية التشخيص المُبكر، وكذلك الوقاية وإدارة الأمراض المرتبطة بالتقدم في العمر، من بينها الجلوكوما".
وتضيف في حديثها إلى موقع Good Men Project: "تشير التغيرات فوق الجينية المرصودة من جانب الفريق البحثي إلى أن التغييرات على مستوى الكروماتين تحدث على نحوٍ تراكمي، أي بعد عدة حالات متكررة من الإجهاد. لذا، يتيح لنا التشخيص المبكر للجلوكوما فرصةً جيدة لمنع حدوث فقدان تام للبصر".
ونظراً إلى أنَّ ضغط العين يتقلب خلال اليوم، غالباً ما يكون قياس واحد لضغط العين غير كافٍ لتشخيص الإصابة بحالة الجلوكوما وتحديد مدى تطورها. لكن التقلبات الشديدة طويلة المدى في قراءات ضغط العين تعد مؤشراً قوياً على تطور حالة المياه الزرقاء في العين.
تتم معالجة الجلوكوما في معظم الحالات بالأدوية، وغالباً ما تكون قطرات للعيون يجب التشديد على استعمالها بشكلٍ يومي وثابت، كي تحقق فاعليتها كما هو متوقع. وقد تكون هناك حاجة لتناول الأدوية على مدى الحياة، وقد يتطلب الأمر معالجة بأشعة الليزر أو معالجة جراحية.
وبالنسبة إلى المتقدّمين في السن، لن يستطيع العلاج أن يعيد لهم الرؤية التي فقدوها، لكنه يساعدهم في الحفاظ على الوضع القائم. فالعلاج مُعَدّ لوقف عملية تدمير العصب البصري، عن طريق تخفيف الضغط في داخل العين.
قد يتأثر الإنسان نفسياً حين يعلم أن نتائج التشخيص تثبت إصابته بالمياه الزرقاء في العين، خاصةً أنه من الممكن أن يكون قد فقد في تلك الأثناء مزيداً من قدرته على الرؤية، لكن الاستشارة الصحيحة والتوجيه الملائمين من شأنهما مساعدته في إرشاده إلى الطرق والوسائل اللازمة للمحافظة على حياةٍ طبيعية.
كما أنه يمكن أن يتطلب العلاج استعمال نظاراتٍ طبية مختلفة، مثل نظارات لتكبير الأحرف المطبوعة، أو لمشاهدة التلفاز وغيرها؛ وكلها وسائل يمكن أن تساعد في مواجهة الزرق أو الجلوكوما.
هل يمكن الوقاية من الجلوكوما؟
في الواقع نعم، يُمكن أن تكون الوقاية، من خلال التشخيص المبكر، ويتم ذلك عن طريق:
- التعرّف على تاريخ صحة العين في العائلة.
- الحصول على فحوصاتٍ منتظمة للعين.
- وعند التشخيص، التزم بالعلاج وخذ قطرات العين الموصوفة بانتظام.