هل يُمكن أن نرث التروما من أجدادنا؟ مسلسل “نفس أخرى” التركي يناقش الصدمة العابرة للأجيال

تُشير الصدمة التاريخية، أو الصدمة العابرة للأجيال، إلى الأذى العاطفي التراكمي لفردٍ أو جيلٍ بسبب تجربةٍ أو حدثٍ صادمٍ.

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/06 الساعة 16:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/06 الساعة 16:20 بتوقيت غرينتش
بطلات مسلسل "نفسٌ أخرى" يواجهن ماضي عائلاتهن/ مواقع التواصل

في إحدى مؤتمرات تيد إكس العالمية، التي أُقيمت بمدينة فيينا، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، شارك البروفيسور أوديد ريشافي نظريته المطروحة على أن الذكريات يُمكن أن تكون متوارثة. ورغم تأكيده على أن هذه التجربة ما زالت غير مؤكدة بيولوجياً، إلا أن الأبحاث العلمية التي أُجريت على فصائل أصغر -وخصوصاً الديدان- أثبتت مصداقيتها. 

على صعيد علم النفس، أثبتت نظريات عدّة أن التروما يُمكنها أن تكون عابرة للأجيال. ففي دراسةٍ نشرتها صحيفة The Guardian البريطانية عام 2015، كانت أُجريت على أولئك الذين نجوا من الهولوكست، تبيّن أن اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) يمكن أن يكون متوارثاً جينياً -وليس فقط سلوكياً- عبر الأجيال.

كما كشفت الدراسة، التي أجراها فريقٌ بحثي من مستشفى "ماونت سيناي" في نيويورك، أن أبناء الأفراد الذين يُعانون من اضطراب ما بعد الصدمة غالباً ما يُعانون بدورهم من الاكتئاب، أو القلق المَرَضي الذي لا أصل له في حياتهم الشخصية. 

بعض علماء النفس، وبحديثهم عن مرضى الاكتئاب أو القلق المزمن الذين يترددون على عيادتهم، أكدوا أن بعض الحالات لا تتذكر بداية إصابتها بالاكتئاب والقلق، ومعظمها تُشير إلى أنه بدأ منذ الطفولة. وعلى الرغم من ذلك، لا يبدو أن هناك صدمةً محدّدة حدثت في طفولتهم وسبّبت هذا الاضطراب.

مسلسل نفس أخرى والصدمة العابرة للأجيال

مسلسل نفس أخرى التركي، المطروح مؤخراً على منصة نتفيلكس، يتناول قصة ترومات الأجداد والآباء، وكيف يمكن أن تؤثر على حياة الأبناء والأحفاد، ولكن من الجانب الروحاني أو علم الطاقة.

تروما الأجداد، أو الصدمة العابرة للأجيال، هي نوع من العوائق الروحانية التي يعتقد البعض أنها أزمات مرّ بها الأجداد ولم يتعافوا منها، فتظهر على شكل عوائق يتوارثها الأبناء والأحفاد. وتستمرّ هذه العوائق بالظهور في سلسلة متكرّرة، من أحداث سيئة بعينها: كمرضٍ لا ينتهي، أو نوعية من العلاقات العاطفية المُسيئة التي يتورط بها البعض ولا يزال ينجذب إليها. 

من خلال مسلسل نفس أخرى، نستعرض قصة 3 صديقات يمررن بأحداثٍ سلبية في حياتهن تتكرر باستمرار من دون معرفة أسبابها، حتى تقترح إحداهن الذهاب لحضور جلسة تعافٍ روحانية في إحدى القرى التركية. وهناك يواجهن قصصاً عن أجدادهن لم يعلمن بها من قبل، ولم تسنح الأقدار للأجداد أن يتغلّبوا على تلك الصدمات بشكلٍ مناسب، ما أدى إلى ظهورها في حياة حفيداتهم.

تصدّر مسلسل نفس أخرى قائمة أكثر 10 مسلسلات مشاهدة، ووصل إلى المركز الثاني من مسلسلات نتفيلكس غير الناطقة باللغة الإنجليزية. فوصل إلى 31 مليون و200 ألف ساعة مشاهدة في الأسبوع الثاني من عرضه، بمجمل 49 مليون و300 ألف ساعة في أول أسبوعين فقط من طرحه.

"نفس أخرى" هو دراما تركية واعدة، ولم تكن التجربة الأولى الملهمة التي أنتجتها نتفيلكس؛ فقد سبقها منذ أكثر من عام مسلسل "طيف إسطنبول" (Ethos) الذي لقي نجاحاً لافتاً، خصوصاً أنه ناقش تبعات اختلافات النسيج البشري في مدينة إسطنبول، من خلال قصص مجموعة نساء ينتمين إلى طبقاتٍ اجتماعية مختلفة.  

إلى أي مدى يمكن أن يقف تاريخ أجدادنا بيننا وبين ما نريد؟

"آدا"، الشخصية الرئيسية في مسلسل نفس أخرى، لا تؤمن بعلم الطاقة ولا الروحانيات، ولكنها ما تلبث أن تجرب إحدى جلسات التعافي -انصياعاً لرغبة صديقتها المريضة- حتى تكتشف معلومات لم تكن تعرفها عن عائلة أمها. 

بين هجرة وحروب وتاريخ تركيا الدامي، تعاني الأجيال الحالية بالمسلسل من الآثار المترتبة، فتنجرف في سلسلة لا متناهية من الأحداث المتكررة، والتي يتحرّرون منها عبر جلسات التعافي الروحية تلك، وبعض الطقوس المهداة للأجداد الراحلين؛ تتجاوز بطلات المسلسل بعض المشكلات التي يقعن بها، ولكن ما يلبثن أن تتجدّد مشاكلهن، ليكتشفن أبعاداً أكثر عن ماضيهن.

  • "يجب أن أتقبّل الماضي كما هو؟ وماذا لو لم أستطع مسامحة أبي أو جدي على ما فعلاه؟".
  • لا يجب أن تسمّيه تسامحاً، بل قبول، أو إنهاء. كلمة السماح تجعلنا نشعر بأننا في موقع ذي سلطة على هذا الماضي، وخصوصاً عندما نتحدث عن أسلافنا، ونحن لسنا في موقعٍ يسمح لنا بمثل هذه السلطة أو بالغفران".

هكذا دار الحوار بين آدا (توبا بويوكستن)، وزمان، المعالج الروحي الذي ساعد الصبايا على معالجة مشكلاتهن وتخطّيها. 

مسلسل نفس أخرى، أو "شجرة الزيتون" كما يُطلق عليه بالتركية، يطرح أزمة الصدمة العابرة الأجيال، ولكن ليس من خلال تشخيص علم النفس وحسب. فمعظم الشخصيات تعاني من أزماتٍ وجودية أساسية، من الأم التي لم تحصل على القدر الكافي من الحب فلم تُعطه لابنتها، إلى فشل الابنة في كل علاقاتها العاطفية مهما بلغت من الحب مع شريكها. 

آدا مع المعالج الروحي زمان/ مواقع التواصل
آدا مع المعالج الروحي زمان/ مواقع التواصل

الصدمة العابرة للأجيال وعلاقتها بـ"اللاوعي الجمعي"

في نهاية خطاب "تيد إكس"، يقول أوديد ريشافي إنه لا داعي للذعر "فإلى الآن لم يثبت أن الذكريات يمكن تناقلها عبر الأجيال". لكن الحدث السعيد أنه، إن أُثبت ذلك، فهذا يحمّلنا مسؤولية أكبر تجاه الأجيال القادمة، من خلال المعلومات والخبرات التي يمكن أن نتناقلها بسهولة من جيل لجيل. 

وفي حين كان ريشافي يعني المعلومات بشكلٍ مادي، أي أن تقرأ كتاباً فتنقل معلوماته إلى الأبناء مباشرة، طرح كارل يونج في نظريته "اللاوعي الجمعي" فكرة أن هناك لاوعياً مشتركاً يجمع البشرية ببعضها، ويرثها الأبناء من ذويهم، وتُخزّن فيه كل الذكريات الحيّة والميتة، لكن تلك المعلومات لا تتناقل بسهولة كما تحاول النظريات البيولوجية دراستها.

الصدمة العابرة للأجيال، أو تروما الأجداد، بمفهومها الروحاني، لا يمكن تفسيرها فقط على أنها عادات سلوكية يكتسبها الأبناء من آبائهم. فالمعنى الروحاني متعلق بصدمة حدثت للأجداد، تكرِّر نفسها بشكلٍ معيّن مع الأبناء، حتى ينهيها أحدهم بالشكل اللائق.

وتُشير الصدمة التاريخية، أو الصدمة العابرة للأجيال، إلى الأذى العاطفي التراكمي لفردٍ أو جيلٍ بسبب تجربةٍ أو حدثٍ صادمٍ. 

نحن لا نملك رفاهية مسامحة أجدادنا على أخطائهم، أو على الظروف التي مرّوا بها. كل ما بوسعنا فعله أن نتقبّل هذا الماضي، وألا نحمله على عاتقنا في سلّةٍ مليئة بالغضب. وهذا ما تستمرّ بطلات مسلسل نفس أخرى في محاولة تحقيقه.

تحميل المزيد