يشتهر المطبخ المغربي بأطباقه العديدة والمتنوعة التي تميزه، ومن بين أشهر هذه الأكلات نجد اللحم بالبرقوق، وبسطيلة الدجاج، والسفة، والطاجين بالخضر.
فمنها الأطباق التي لا يتم تحضيرها إلا في أوانٍ خاصة، وأخرى تمتاز بمذاقها الحلو والمالح في الوقت نفسه.
لكن الأطباق المغربية المشهورة عالمياً لا تشكل إلا جزءاً بسيطاً من ثقافة الأكل عند المغاربة، حيث توجد أكلات مشهورة تحضر في مدن دون أخرى، ولا يتم تناولها إلا في هذه المدن.
من بين هذه الأكلات المغربية المشهورة وجبة "الطنجية"، التي لا تؤكل إلا في مدينة مراكش، ويطلق عليها سكان المدينة "بنت الرماد"، ولا تكتمل زيارة المدينة الحمراء إلا بتذوقها، وهذه هي قصتها.
وجبةٌ يطبخها الرجال فقط!
قبل أن تصبح الطبق الأشهر في مدينة مراكش، لـ"الطنجية" قصة خاصة وحكاية يرويها سكان المدينة، مزيلين الستار عن السر وراء اكتشاف هذا الطبق الخاص المكون من اللحم والتوابل فقط.
كانت "الطنجية" عبارة عن أكلة يتمّ تحضيرها حصراً من طرف الرجال الحرفيين بالمدينة عمالاً وتجاراً، فكرتها الأساسية كانت إعداد وجبة سهلة المكونات، تطبخ على مهل منذ الصباح الباكر إلى أن تدق ساعة وجبة الغداء.
تعطى مهمة تحضير هذه الوجبة إلى أكثر الرجال مهارة في الطبخ، حيث يقوم بوضع قطع اللحم والتوابل، التي أهمها الكمون والملح وقطع من الليمون المخلل، داخل "الطنجية"، وهو اسم الوعاء المصنوع من الفخار الذي تطبخ فيه هذه الأكلة، ثم يوضع في رماد الخشب والحطب في "الفرناتشي"، وهو موقد خاص بالحمامات الشعبية المغربية، لتطبخ على أقل من مهلها، وتؤكل بعد صلاة العصر عندما يتسلل الجوع إلى بطون الحرفيين.
ارتبط تحضير الطنجية بالرجال فقط، فكانت الطبق الذي يسدُّ جوعهم دون مجهود، لكن مع مرور السنين أصبح طبقاً رئيسياً تشتهر به مدينة مراكش المغربية، ويحضره رجالها، ولا يتم طبخه في البيوت، إنما يجب أن يطبخ حصراً في الرماد لساعات طويلة، يمكن أن تصل مدة الطبخ إلى يوم كامل، فكلما كانت مدة دفن الطنجية تحت الرماد طويلة، كانت ألذ، لذلك سميت بـ"بنت الرماد".
الشعبية الكبيرة التي حظيت بها هذه الأكلة المراكشية، جعلت عدداً كبيراً من رجال المدينة يحولون مهاراتهم في تحضير هذا الطبق إلى لقمة عيش، عن طريق افتتاح مطاعم خاصة لا تقدم لزوارها إلا "الطنجية"، ويطلق على من يبرع في تحضيرها "المعلم"، نسبة لحرفيته العالية.
الطنجية لا تؤكل إلا في مراكش
"الى جيتي مراكش وما كليتيش الطنجية شي ما درتيه"، هذه هي جملة المراكشيين الشهيرة التي تقال لكل زائر يحط الرحال في المدينة الحمراء، معناها أن زيارة مدينة مراكش دون تذوق الطنجية تعني أنها زيارة غير محتسبة.
مراكش اشتهرت بلون جدرانها الأحمر، وجوها الحار، ومعالمها التاريخية، إلا أن الطنجية تعتبر واحدة من بين أهم معالم الجذب التي تمتاز بها المدينة، فكل زائر جديد تجده متوجهاً إلى ساحة "جامع الفناء" أشهر مناطق المدينة، التي تعج بمطاعم وعربات الطنجية، من أجل تذوق طعمها من المكان الأصلي الذي ولدت واشتهرت فيه.
ولأن مدينة مراكش مشهورة بسكانها البشوشين وحسهم الفكاهي، فطريقة تقديمهم للطنجية مميزة ولا تشبه طريقة تقديم أي طبق مغربي آخر، إذ يتم وضع صحن فارغ على طاولة الطعام، ثم يتقدم النادل حاملاً الطنجية، ليقوم بتحريكها بطريقة دائرية أمام أعين الزبائن، أولاً من أجل مزج مكوناتها مع بعض لتكون ألذ، وثانياً لتشويقهم إلى الطبق.
بحركات قد تبدو مضحكة يتم سكب محتوى الطنجية في الصحن، إذ أصبح العرض الخاص بتقديم الطبق واحداً من بين الأمور التي تجعل هذه الأكلة البسيطة مميزة، ولا يبرع فيها سوى من هم أبناء مدينة مراكش.
صحيح أن أهم ما يميز الطنجية هو الوعاء الطيني الذي تحضر فيه، وطريقة طبخها تحت الرماد لساعات، كما أنها تاريخياً كان يطبخها الرجال. إلا أن بعض النساء، خصوصاً صاحبات قنوات الطبخ عبر منصة "اليوتيوب"، قررن تغيير الطريقة التقليدية في تحضيرها، وجعلها أسهل من ذلك، عن طريق الحفاظ على المكونات الأساسية نفسها، وطهيها داخل طنجرة الضغط في المنزل.
ويدخل في مكونات الطنجية اللحم، سواء أكان لحم بقر أم خروف، والزعفران، والسمن المغربي، والثوم، إضافة إلى الماء والكمون والملح والليمون المخلل.
وبالطريقة المعتادة نفسها تمزج كل المكونات وتطبخ في طنجرة الضغط، حيث تقدم بشكل أسرع.