اكتشف العلماء تأثير الساعة البيولوجية على جهاز المناعة والصحة، ويبدو أن بعض الاستنتاجات التي توصل إليها العلماء قد تجعلنا نولي اهتماماً أكبر للنوم، الذي قد يساعد على تحسين فاعلية بعض الأمراض والمشاكل الصحية وعلاجاتها.
لكن أولاً ما هي الساعات البيولوجية؟
الساعة البيولوجية هي "ساعة" داخلية تعمل على مدار 24 ساعة، وتلعب دوراً حاسماً في عمليتي النوم والاستيقاظ، وهي عبارة عن حوالي 20 ألف خلية عصبية في الدماغ تستقبل إشارات من العين عندما تكتشف الضوء أو الإشارات البيئية الأخرى من الجسم.
وعندما يأتي الظلام ينتج الجسم المزيد من الميلاتونين، لكن هذا الإنتاج ينخفض عندما يأتي النهار. الميلاتونين هو هرمون تفرزه الغدة الصنوبرية، وهي غدة صماء صغيرة في المخ، تساعد على تنظيم الهرمونات الأخرى، وتحافظ على إيقاع الجسم اليومي/ إيقاع الساعة البيولوجية.
وتعتبر الساعات البيولوجية جهاز توقيت فطرياً للكائن الحي، إنها تتكون من جزيئات معينة (بروتينات) تتفاعل في الخلايا في جميع أنحاء الجسم، تم العثور على الساعات البيولوجية في كل الأنسجة والأعضاء تقريباً، وقد حدد الباحثون جينات مماثلة في البشر، وذباب الفاكهة، والفئران، والفطريات، والعديد من الكائنات الحية الأخرى، هذه الجينات هي المسؤولة عن صنع مكونات الساعة.
تأثير الساعة البيولوجية على جهاز المناعة
يخضع الجهاز المناعي لسيطرة الساعة البيولوجية: فقد وُجد أن وظائف الخلايا المناعية المختلفة تتذبذب على مدار اليوم، إذ يقول كريستوف شيرمان، عالم المناعة في جامعة جنيف وأحد مؤلفي مراجعة حديثة حول الساعة البيولوجية لموقع Axios الأمريكي، إن الساعة اليومية "تزامن الجسم كله مع العالم الخارجي، لكننا لا نعرف بالضبط كيف تراه الخلايا المناعية".
الجديد في الأمر أن الدراسات تشير إلى أنه يمكن تغير استجابة الجهاز المناعي حسب توقيت إعطاء أي لقاح. تميل الاستجابة المناعية للتطعيم ضد الإنفلونزا أو السل في دراستين مختلفتين إلى أن تكون أكبر لدى الأشخاص الذين تلقوا تطعيمهم في الصباح مقارنةً بأولئك الذين تلقوا التطعيمات في وقت لاحق من اليوم.
ووجدت دراستان صغيرتان أخريان أن الاستجابة المناعية للقاح كوفيد تعتمد على الوقت من اليوم، لكن التوقيت الأمثل يعتمد على اللقاح الذي يُحقَن في جسم الإنسان، ووجدت الدراسة السابقة أن توقيت إعطاء الأدوية أو العلاجات لبعض أنواع السرطان والربو وحرقة المعدة وغيرها من الحالات يمكن أن يؤثر على فاعليتها.
لكن الاختلافات بين نظام المناعة لدى شخص ما وإيقاعات الجسم تعني أن أفضل وقت للعلاج يمكن أن يختلف من شخص لآخر. إذ تقول جاكلين كيمي، أستاذة علم الأحياء الدقيقة في جامعة كاليفورنيا بسانتا كروز، إن الإيقاعات هي نفسها عموماً لمعظم الأفراد، ويمكن تقديم توصياتها المحتملة لمعظم السكان في معظم الأوقات.
لكن تقديم توصيات للأفراد غير ممكن "حتى تكون لدينا طرق أفضل لقياس الوقت الذي يقوله جسد شخص ما عن ذلك، ومعرفة أكثر تحديداً عن الوقت الذي يجب أن نفعله بشيء ما".
عوامل أخرى تؤثر على جهاز المناعة
يمكن أن تكون هناك اختلافات بسبب الجينات والسلوك والبيئة. فيقول جون هوجينش، أستاذ علم الوراثة البشرية، إن "الصباح" في جسد عامل النوبة الليلية قد يكون الساعة 3 مساءً، لذا إذا ذهب للحصول على لقاح في الساعة 8 صباحاً فقد لا يستفيد من آثار الوقت.
قد لا يكون تغيير الوقت عملياً أيضاً لبعض العلاجات، مثل علاجات السرطان التي تتمتع المستشفيات بقدرة محدودة على إدارتها في أوقات معينة.
بشكلٍ عام، تتسق الإيقاعات المناعية وتوازن الاستجابات المختلفة لجهاز المناعة على مدار اليوم، وتُخنَق أجزاء من الجهاز المناعي التكيفي- الذي يتعلم استهداف مسببات الأمراض من خلال التطعيم أو العدوى- ضد غزاة جدد خلال النهار.
لكن في أوقات أخرى، تُرفَض الاستجابات بحيث لا يقوم الجهاز المناعي بتشغيل نفسه ويؤدي إلى الإصابة بأمراض المناعة الذاتية. وتتحكم الساعة أيضاً في جهاز المناعة الفطري، وهو استجابة أكثر فورية وشاملة لمسببات الأمراض.
وفي دراسة نُشرت الأسبوع الماضي، وجد الباحثون أنه عندما استراحت الفئران أنتجت خلايا الجلد بروتينات تحمي الحيوانات من عدوى المكورات العنقودية، وتحفز الاستجابة المناعية الفطرية.
ما يعني أنه بإمكان اضطرابات النوم أن تؤدي إلى تغيير ساعة الجسم وإلغاء نظام الدفاع المناعي، ما يجعله أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، ويمكن أن يدفع الجسم لإنتاج هرمونات التوتر التي تثبط جهاز المناعة.
بعض الفيروسات، مثل الإنفلونزا، تعطل أيضاً إيقاع الساعة البيولوجية للجهاز المناعي، ما يضعف الاستجابة المناعية ويعزز التكاثر الذاتي للفيروس، مثل طفيلي الملاريا الذي يتكاثر بالتزامن مع الساعة البيولوجية ويطلق طوفاناً من الطفيليات التي تغمر جهاز المناعة في الليل.
كيفية حل قصور النوم الذي يؤثر على الساعة البيولوجية؟
الساعة البيولوجية تؤثر على النوم والاستيقاظ، كما تبين أنها ترتبط بالجهاز المناعي أيضاً، لذلك قد يهمك التعامل معها بشكلٍ مضبوط لا يسبب لك المزيد من المشكلات الصحية مثل اضطرابات النوم ومشاكل الخمول والإرهاق، لذلك إذا كنت تعاني من قصور في النوم الذي يؤثر على عملها سنقدم لك بعض النصائح لضبط نومك.
قد يساعدك النوم لفترة قصيرة خلال اليوم على تقليل أعراض خمول النوم في النهار. لكن يجب مراعاة الحصول على قسط جيد من النوم للقيلولة؛ لكيلا تتسبب بنتائج عكسية. فقط تأكد من أن قيلولتك لا تزيد على 30 دقيقة، لأن ذلك قد يزيد من خطر التعرض لقصور ذاتي في النوم وصعوبة النوم في الليل.
كما قد يساعدك تناول فنجان من القهوة على الشعور بمزيد من الاستيقاظ في الصباح. إذ يعمل الكافيين على منع مستقبلات الأدينوزين في الدماغ، ما يزيد من اليقظة والانتباه، ومع ذلك فإن الإفراط في تناول الكافيين قد يؤثر سلباً على نومك إذا تناولته قبل 6 ساعات من موعد النوم الليلي.
أيضاً قد يساعد الحفاظ على دورات نومك واستيقاظك بشكل ثابت مع الشروق الطبيعي لأشعة الشمس وهبوطها على تقليل أعراض قصور النوم. وتشير الدراسات إلى أن الضوء الاصطناعي يمكن أن يؤثر على إيقاع الساعة البيولوجية الطبيعي للجسم، ويعطل النوم عند مشاهدته في وقت لاحق من اليوم. لذلك قد يساعدك ضبط الإضاءة في غرفة نومك من خلال ستائر معتمة للغرفة في الحصول على نوم أعمق وأفضل.
كما أن النوم في غرفة شديدة الحرارة يمنع جسمك من الاسترخاء قبل النوم، ما يؤدي إلى الشعور بالتعب والإجهاد، خاصة عند نيل القيلولة النهارية، لذلك حاول إضافة مروحة هادئة إلى غرفتك أو اضبط نوعية الأغطية التي تستخدمها لتبريد جسمك.
ويمكن أن يكون للاستيقاظ على أصوات المنبهات المزعجة الصاخبة أثر في حدوث قصور النوم، ما قد يزيد من الشعور بالارتباك أو الترنح عند الاستيقاظ، لذلك حاول اختيار موسيقى المنبه اللطيفة التي توقظك بشكل تدريجي، أو جرِّب منبه شروق الشمس الذي يوقظك بإضاءة متزايدة وأصوات لطيفة تدريجياً.