بعد أيامٍ من انطلاق المحاكمة العلنية في قضية التشهير التي تقدّم بها جوني ديب ضدّ آمبر هيرد، على خلفية مقال -نُشر في عام 2018- وَصَفت فيه زوجته السابقة نفسها بأنها ناجية من العنف المنزلي، استمعت المحكمة إلى مستشارة الزواج السابقة للزوجين التي وصفت علاقتهما بـ"السامة" و"المُسيئة".
ففي اليوم الثالث على بدء المحاكمة، وصفت لوريل أندرسون الزوجين بأنهما متورطان في "إساءة معاملة متبادلة"، واستشهدت مستشارة الزواج بجلسةٍ سابقة بينها وبين الطليقَين، قائلةً إن ديب كان خلالها "فوضوياً وعنيفاً"، وأن هيرد أعطت في هذه العلاقة "حسب قدرتها".
والإساءة المتبادلة في العلاقات هي شكل من أشكال العلاقة السامة، التي يتحمّل الطرفان مسؤوليتها، والتي من شأنها أن تلحق الضرر بهما لدرجةٍ قد تكون تدميرية في أحيانٍ كثيرة.
لم تتردد المحامية ندى الخوري، المتخصّصة في قضايا العنف، بوصف علاقة جوني ديب وآمبر هيرد بـ"السامة". وفي حديثٍ إلى "عربي بوست"، قالت الخوري: "لا شك أننا أمام إساءة معاملة متبادلة، وعلاقة سامة للطرفين".
وتابعت: "غالباً ما تُستخدم هذه المصطلحات بهدف تقليل حدّة العنف المنزلي، في تلك الأنواع من المحاكمات من قِبل محامي الدفاع والادعاء، عبر الإشارة إلى أن الطرفين متواطئان بدرجة العنف نفسها، بدلاً من وجود جاني (جانٍ) وضحية".
وتؤكد الخوري أن للعلاقة السامة أشكالاً مختلفة، وقد يختلف شكل العلاقة السامة من شخصين إلى آخر. في حالة جوني ديب وآمبر هيرد، "من الواضح أننا أمام شخصين عاشا شكلاً من أشكال العلاقة السامة، من خلال متابعتها لبعض مجريات المحاكمة وشهادتيهما".
ولكن، ما هو تعريف العلاقة السامة؟
في كتابها Toxic People، الذي صدر عام 1995، تعرّف الدكتورة ليليان غلاس العلاقة السامة على أنها "أي علاقة بين شخصين لا يدعمان بعضهما البعض بمواجهة أي نزاع، وأي علاقة يسعى فيها أحدٌ إلى تقويضٍ الآخر خلال أي منافسة، بالإضافة إلى غياب الاحترام".
وبحسب غلاس، وهي خبيرة في علم النفس والتواصل، تمرّ كل علاقة بتقلّبات صعوداً وهبوطاً؛ لكن العلاقة السامة تستنزف الأشخاص الذين يعيشونها، والذين غالباً ما يشعرون بأنهم في علاقة غير سارة، وأن اللحظات السلبية تفوق اللحظات الإيجابية.
وبحسب موقع Insider.com، فإن الخط الفاصل بين العلاقات الصحية والعلاقات السامة رفيع جداً، وقد يصعب تحديده، مهما بدت علاماته واضحة للآخرين. لذلك، ليس سهلاً على الطرف الذي يعيش في علاقة سامة أن يَعي أنه يعيش في علاقة سامة، حتى مع وجود علامات قد تبدو واضحة للآخرين.
تقول المحامية ندى الخوري إن العلاقات السامة تضرّ عقلياً وعاطفياً، وأحياناً جسدياً، بضحاياها؛ وغالباً ما يتأذى طرفا العلاقة منها، خصوصاً في حال استمرّت العلاقة مدة طويلة، "فحينها تكون الضحية قد تشرّبت الأذى وطبّعت معه، بحيث صار أمراً طبيعياً. والأذى الأكبر هو حينما تبدأ الضحية، رجلاً كان أم امرأة، بالتبرير للجلاد".
وتجدر الإشارة إلى أننا نتحدث في هذا التقرير عن العلاقات العاطفية السامة، من وحي علاقة جوني ديب وآمبر هيرد، لكن العلاقات الأسرية والمهنية -بالإضافة إلى الصداقات- يمكنها جميعها أن تكون سامة وغير صحية أيضاً.
ما الذي يجعلنا نستمرّ في العلاقة السامة؟
تعتبر غلاس أن العلاقات السامة يمكنها أن تتكوّن نتيجة اقترانٍ غير كامل أو علاقة غير كاملة، حين يحتاج الطرفان في العلاقة إلى السيطرة؛ "ببساطة، قد يكون الشخص دخل في علاقة خاطئة".
لكن وبحسب الدكتورة كريتسن فولر، الأخصائية في الصحة العقلية، غالباً ما يكون لدى الأشخاص الذين يستمرون في إلحاق الأذى بالشريك -سواء عن قصد أم بغير قصد- غالباً ما يكون لديهم سبباً لسلوكهم، حتى لو كان مطموراً في لاوعيهم.
يمكن للشخص المؤذي أن يكون قد تعرّض للتنمّر في المدرسة، وربما يعاني من اضطرابٍ غير مشخّص، مثل: الاكتئاب الحاد والقلق، أو اضطراب ثنائي القطب، أو أي شكل من أشكال الصدمات. وتضيف فولر: "يمكن للشخص المؤذي أن يكون قد عاش طفولة صعبة، خالية من حب ودعم الأهل.
ويمكن للشخص الضحية أن يكون قد عايش الألم والأذى، بحيث أصبح مطبّعاً معه، أي معتاداً عليه. ووفق موقع Upjourney.com، يميل الناس إلى البقاء في علاقاتٍ سامة لأنهم غالباً لا يعرفون شيئاً أفضل أو لأنهم يخافون أي جديد.
والخوف ليس مرتبطاً باكتشاف وعيش تجارب جديدة، خارج الإطار الذين اعتادوا عليه، بل هو الخوف أيضاً من الوحدة وعدم العثور على الحب مرّة جديدة. كلّها أفكار تسيطر على الضحية وتتملّكه، بحيث لا يعود يفكّر بطريقة سليمة.
ولكن أسوأ ما قد يُبقي الفرد في علاقةٍ مُسيئة وسامة، هو الشعور بأنه فعل ذلك بنفسه والاعتقاد بأنه يستحق ذلك.
العلاقة السامة بين جوني ديب وآمبر هيرد
وبالعودة إلى المرافعات الأولى مع بداية شهر أبريل/نيسان الماضي، اعتلَت كريتسي ديمبروفسكي منصة الشهود؛ وهي شقيقة جوني ديب الكبرى، وكانت الشاهدة الأولى في القضية.
تحدثت ديمبروفسكي أمام هيئة المحلّفين عن تفاصيل حياتها العائلية ونشأتها مع شقيقها، وقالت إنها كانت قريبة جداً من جوني ديب لأنهما كانا الصغيرَين أمام أخ وأخت أكبر منهما، وأضافت: "نشأنا في كنتاكي وفلوريدا، وكان جوني فتى خجولاً ولطيفاً، حنوناً ومهرّجاً في بعض الأحيان، كما أنه كان يحبّ أن يمارس بعض الحيَل علينا في محاولةٍ لإخافتنا. كان صبياً نموذجياً وسعيداً".
كما تطرّقت الأخت إلى الحديث عن والديهما وعلاقتهما ببعض، مشيرةً إلى أن شخصيتَيهما كانتا مختلفتين تماماً: "كان والدنا رجلاً طيباً وصبوراً ومحباً ولطيفاً، وكانت والدتنا على العكس من ذلك، شديدة التوتر والعصبية والقلق والغضب".
وتابعت: "كانت أمي تصرخ في وجهه، وتضربه، ولم يكن أبي يقوم بأي ردّة فعلٍ عندما تضربه أمي أو تصرخ في وجهه. كان يتركها حتى تُنهي فورة غضبها. كان يحاول دائماً الحفاظ على السلام في منزلنا".
ما يعني أن نجم Pirates of the Caribbean، ووفق شقيقته الكبرى، قد عاش طفولة صعبة، وخالية من حب ودعم الأهل.
في شهادتيهما أمام محكمة فرجينيا الأمريكية، لم يتوانَ الطرفان جوني ديب وآمبر هيرد في الاستفاضة باستحضار تفاصيل علاقتهما، متهماً كلّ طرفٍ الآخر بممارسة العنف تجاهه. ديب اتهم هيرد بأنها قطعت إصبعه، وهي عرضت مقطعاً صوتياً لشجارٍ بينهما كان يحاول فيه أن يحرقها بأعقاب السجائر.
لاحقاً، نفى جوني ديب أن يكون قد مارس العنف على طليقته أو أي امرأة دخلت حياته؛ في حين ادّعت هيرد أن ديب اعتدى جنسياً عليها، بعد مدة وجيزة من زواجهما، كما اتهمته بضربها في مناسباتٍ عدّة بسبب افتراضه حدوث خيانة.
وفي اليوم الثاني من شهادتها أمام المحكمة، رَوَت هيرد ما ادّعت أنه حدث في أستراليا عام 2015، بعد شهرٍ واحد فقط من ارتباطها بجوني ديب في لوس أنجلوس، وقبل الاحتفال بزواجهما بجزيرته الخاصة في الباهاما.
وقالت الممثلة الأمريكية إن ديب طاردها في جميع أنحاء المنزل، وهو يُلقي أكواب النبيذ عليها، ويضرب زجاجات الكحول على الحائط خلفها. وشهدت هيرد أن طليقها أمسكها من حلقها ولكمها على وجهها، متهماً إياها بممارسة الجنس مع الممثلَين بيلي بوب ثورنتون وإدي ريدماين.
وكانت آمبر هيرد فقدت السيطرة على نفسها وبكَت كثيراً على منصة الشهود، وهي تروي تفاصيل واقعة الاعتداء عليها جسدياً وجنسياً في منزلهما، حين أخبرت كيف مزّق جوني ديب ثياب نومها قبل أن يدفعها إلى سطح طاولة البينغ بونغ، ويستخدم زجاجة كحول (Liquor) واضعاً إياها بداخلها.
بدورها.. شهدت ممرضة جوني ديب، ديبي لويد، خلال المحاكمة العلنية ضدّ آمبر هيرد؛ وحين سُئلت عن الملاحظات الطبية التي كانت وضعتها حول علاج ديب، قالت إنها شعرت "أن العلاقة سامة".
تقول المحامية ندى الخوري إن إلقاء اللوم على الطرف الآخر في قضايا مماثلة أمرٌ طبيعي، وإن "هذه الاستراتيجية شائعة جداً لأنها يمكن أن تكون فعّالة في استمالة المحلّفين أو الرأي العام، كلٌّ إلى طرفه".
فليس جميع المحلّفين أو القضاة، أو الجمهور المتابع لهذه المحاكمة، متخصّصين في علم النفس وتلقّوا تدريباً حول العنف المنزلي والصدمات. لذلك، قد يكون من السهل خداعهم عن طريق وصف حادثة عنيفة على أنها "نزاع زوجي خرج عن السيطرة".
ولكن بمجرد أن نفهم السياق الأوسع للعنف وديناميكية القوة الكامنة، يمكننا حينها أن نحدّد من هو الضحية ومن هو الجاني، والتفريق بينهما يصبح سهلاً. وبحسب الخوري، فإنه ليس مهماً أن نطّلع إلى الحقائق فقط، أي ما فعله هذا الطرف وقاله الآخر.
فالأهم هو الأسئلة الأوسع والأشمل، تقول الخوري: "في قضايا مماثلة، ننظر إلى من يملك سلطة أكبر، جسدياً ومالياً، ومن قد يكون ضعيفاً بسبب اضطرابات نفسية مدفونة أو مُعلنة. والجندر يلعب دوراً في هذا الإطار لكنه ليس الأساس، بمعنى آخر: الضحية في أغلب الأوقات أنثى، والجاني ذكراً، ولكنها ليست الحال دوماً".
علامات العلاقة السامة والحلول
يُفترض بالعلاقة الصحية أن تكون قائمة على الإعجاب والاهتمام والاحترام المتبادل، والأهم أن تكون هناك رغبة مشتركة في إنجاح هذه العلاقة والعمل على استمراريتها. وخلافاً لذلك، فإن كلّ علاقة لا تُشعرنا بالأمان والحُب والاحترام، وتغيب عنها المشاركة في اتخاذ القرار هي علاقة سامة.
ولأنه ليس بالضرورة أن يكون الشخص المتورّط في علاقة سامة واعياً لذلك، إليك 6 علامات يمكنها أن ترشدك إلى أنك في علاقة سامة:
1- انعدام الثقة: الشريك هو الشخص الذي يمكنك الاعتماد عليه، لأنه دائماً في صفّك. كلّ ما هو خلاف ذلك يعني أنك في علاقة غير صحية.
2- التواصل العدائي: الصراخ، والتلفظ بعبارات جارحة، وتحطيم الزجاج أو رمي الأشياء، بالإضافة إلى استخدام قوة الجسد في التعبير عن الغضب.. كلّها أمور تُشير إلى أننا في علاقة غير صحية.
3- التحكم في السلوكيات: لا يحق للشريك أن يتحكّم في أفعالنا أو معتقداتنا. وفي السلوكيات المسيطرة، نعني التهديد بفقدان الاستقرار المالي مثلاً، أو حضانة الأطفال، أو امتيازات أخرى.
4- الكذب باستمرار: مهما كانت الكذبة صغيرة، فإنها تُضعف المصداقية مع مرور الوقت. وحين يكذب عليك الشريك، أو تكذب عليه، فهذا يُشير إلى أنكما لا تحترمان بعض، ويعتقد أحدكما أن الآخر لا يستحق الصدق.
5- تشعر بالاستنزاف: من المفيد أن يتذكر الفرد كيف تأثرت صلاته خارج إطار هذه العلاقة، وفكّر في آخر مرّة فعلتَ فيها أمراً لنفسك أو أمضيتَ وقتاً طيباً مع أصدقائك وعائلتك.
6- تبرّر سلوكهم: هل تجد نفسك مراراً مُجبراً على اتخاذ موقفٍ والدفاع عن شريكك؟ من السهل خلق الأعذار لشريكنا/شريكتنا، لكن وجهة نظر شخصٍ مقرّب منك تعرفه يحبّك (مثل صديق أو فرد من العائلة) قد تكون مهمة ومساعِدة على الرؤية بوضوح.
هل يمكن إصلاح العلاقة السامة؟
من الممكن إصلاحها في حالاتٍ معيّنة ومحدّدة، وعندما تلتزم مع شريكك بالمحاولة. لكن من المهم أن نعي جيداً أنه لا يمكننا تغيير الشريك، ومن الضروري ألا نُقنع نفسنا بذلك. لا يمكننا تغيير الآخر، سلوكياته وشخصيته، والأهم أن تلك ليس مهمّتنا.
ووفق موقع Mbg، فإنه يجب على كلّ علاقة صحية أن تكون ذات منفعة متبادلة؛ إذا شعرت بأن ذلك ممكن، فإن مقابلة أخصائي علاقات أو مستشار معالج يمكنها أن تشكّل خطوة جيدة.
فمن شأن العمل مع معالج أن يوفر مساحة محايدة وموضوعية للتحدث عن المشاكل، من دون وجود طرفٍ يُصدر الأحكام، لا بل طرف يساعدك على إيجاد حلولٍ جديدة لمشكلات مزمنة.
لكن وفي حال لم يكن دافعك للبقاء في العلاقة، اهتمامك بالطرف الآخر، بل الخوف من أن تصبح وحيداً.. فإن الوقت يكون قد حان للمضيّ قدماً ولوضع خطةٍ للتخلّي عن هذه العلاقة، لا سيما في حال رفض الشريك مساعدتك في إنجاح العلاقة ووجدتَ نفسك وحيداً تحاول العبور فيها إلى برّ الأمان.