وفقاً لخبراء علم النفس، لا تؤثر الوحدة على عقولنا وعواطفنا فحسب، إنما لديها القدرة على التأثير في أجسادنا كذلك فتسبب أضراراً في جهازنا المناعي ومشاكل في القلب والأوعية الدموية، لكن هل يمكن لأحد أن يموت من الوحدة؟
ماذا يعني أن تكون وحيداً؟
أولاً علينا أن نفرق ما بين أن تكون وحيداً وأن تختار العزلة الاجتماعية لبعض الوقت، ففي حين قد تكون العزلة مفيدة في بعض الأحيان حيث نحتاج أن نكون بمفردنا من وقت لآخر لاستعادة عافيتنا الذهنية إلا أن للوحدة آثاراً قد تكون مدمرة على عقولنا وأجسادنا على حد السواء.
وتشير الوحدة إلى الشعور السلبي الذي يرافق إدراكنا بأننا وحيدون ومنفصلون عن الآخرين، ونكون وحيدين عندما يكون هناك فرق شاسع بين العلاقات الاجتماعية التي نتمنى أن نحصل عليها وتلك التي نمتلكها بالفعل.
وقد طوَّر علماء الاجتماع اختبارات لقياس الوحدة والانفصال الاجتماعي، تتمثل بمجموعة من الأسئلة التي تحدد فيما إذا كنا أشخاصاً نعاني من الشعور بالوحدة، ومن أبرز تلك الأسئلة:
هل هناك شخص يمكنك الاتصال به عندما تشعر بالحزن؟
كم مرة تتحدث مع أصدقائك أو أفراد عائلتك؟
في حالة الطوارئ، كم عدد الأشخاص الذين يمكنك طلب المساعدة منهم؟
أن تشعر بعدم وجود أحد يهتم لأمرك أو يلاحظ غيابك يعني أنك تعاني من الوحدة التي تعاكس فطرة البشر فهم مخلوقات اجتماعية لديهم شعور فطري بالخوف عندما يكونون معزولين للغاية عن مجتمعاتهم.
الوحدة وباء العصر
وبالرغم من ميل البشر الفطري إلى التواجد ضمن دوائر اجتماعية، إلا أن الشعور بالوحدة وباء يتنامى إذ تشير الدراسات إلى أن نصف السكان في الولايات المتحدة على سبيل المثال يعانون من الوحدة والعزلة، وفقاً لما ورد في موقع Psychology Today.
وإذا لم تكن العزلة اختياراً (إذ يميل البعض للابتعاد عن الآخرين لبعض الوقت من أجل الحصول على صحة جسدية ونفسية أفضل) فقد يكون للوحدة آثار عاطفية وجسدية سلبية، مع العلم أن كبار السن هم الأكثر عرضة لتلك الآثار، خاصة أن معظمهم يرغبون بالرفقة لكنهم يفتقرون إليها.
ويجب التنويه إلى أن إحاطة نفسك بالكثير من الأشخاص لا يعني بالضرورة عدم الشعور بالوحدة، فقد ينتابنا هذا الإحساس حتى لو كنا محاطين بالكثير من الناس، خاصة إذا كنا نشعر بأنهم لا يفهموننا أو كنا نخشى ألا يتقبلونا على حقيقتنا.
هل من الممكن أن نموت من الوحدة؟
وجد الباحثون أن الوحدة قاتلة مثل تدخين 15 سيجارة في اليوم، فهي لا تؤثر علينا فقط على الصعيد العاطفي بل تؤثر فعلياً على أجسادنا كذلك.
أيضاً وجد الباحثون أن الأشخاص الذين يعانون من الوحدة هم أكثر عرضة للموت المبكر بنسبة 50% من أولئك الذين يتمتعون بعلاقات اجتماعية صحية.
لكن ما الذي يجعل الوحدة مضرة إلى هذا الحد؟
في الواقع هناك عدة أسباب تجعل الوحدة مميتة، أولها أنها تقلل من مناعة الجسم مما قد يزيد من خطر الإصابة بالأمراض. كما أنها تزيد من الالتهابات في الجسم، مما قد يساهم في الإصابة بأمراض القلب والحالات الصحية المزمنة الأخرى.
فضلاً عن ذلك، يعاني الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة من الإجهاد الذي يسبب العديد من المشكلات الصحية الجسدية بدوره.
ووفقاً لما ورد في موقع Medium، فقد حدد علماء النفس بعض النتائج السلبية للشعور بالوحدة والتي تنعكس على أجسادنا، ومنها:
- انخفاض مستويات النشاط البدني
- أعراض الاكتئاب
- اضطرابات النوم
- ضعف القدرة على التفكير
- مشاكل في الذاكرة
- ارتفاع ضغط الدم الانقباضي
- تغير في كفاءة جهاز المناعة
- مشاكل في القلب والأوعية الدموية
- زيادة الالتهابات
مع العلم أن جميع تلك المشاكل الصحية تتفاقم بشكل خاص عند كبار السن، وقد تسهم التأثيرات الجسدية والنفسية والعاطفية للوحدة لديهم بزيادة احتمالية الوفاة المبكرة.
أسباب أخرى تجعل الموت من الوحدة ممكناً
يشير خبراء علم النفس إلى أن هناك سلوكيات قد ينخرط بها الأشخاص الذين يعانون من الوحدة والتي من الممكن أن تؤدي إلى تدهور صحتهم وزيادة احتماليات الموت المبكر، منها:
يتوقف الأشخاص الذين يعانون من الوحدة عن الاهتمام بأنفسهم وصحتهم.
من المحتمل أن ينخرط هؤلاء في سلوكيات تدمير الذات مثل شرب الكحول أو تناول المخدرات.
لكن الأخبار الجيدة هي أن جميع ما سبق لا يحدث بسبب شعورك بالوحدة لبضعة أيام أو أشهر، فلكي تؤثر الوحدة على أجسادنا يجب أن تكون شعوراً مزمناً.
لكن ما الحل؟
قد يعتقد البعض أن الانخراط المبالغ به في المناسبات الاجتماعية والحصول على الكثير من الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي قد يكون حلاً لتجنب الشعور بالوحدة، لكن عندما يتعلق الأمر بهذا الشعور فكلمة السر هي جودة علاقاتك الاجتماعية وليس عددها.
حاول إحاطة نفسك بالأصدقاء الذين يهتمون بالفعل لأمرك وعزز علاقاتك مع أفراد أسرتك.
حتى لو كنت مشغولاً للغاية حاول تحديد وقت لتناول القهوة مع الأصدقاء المقربين، ولا تكتف بالتواصل معهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد يكون الانخراط بالأنشطة التطوعية الخيرية كذلك حلاً آخر لتخفيف الشعور بالوحدة.
بكل الأحوال إذا كنت تشعر أنك لا تستطيع السيطرة على شعورك بالوحدة، فيجب عليك رؤية طبيب مختص، خاصة أن مشاكل أخرى مثل الاكتئاب والقلق قد تساهم في تعزيز هذا الشعور لديك.