يميل الكثيرون في الوقت الحالي لاتباع نمط حياة صحي خاصة فيما يتعلق بالغذاء، ودائماً ما يبرز التساؤل التالي: هل للقهوة التي لا يستطيع معظمنا الاستغناء عنها مكان في قائمة الأطعمة والمشروبات الصحية؟ وهل قد يصل تأثيرها السلبي إلى حد زيادة الالتهابات في أجسادنا والتأثير على جهازنا المناعي، أم أنها مبالغات تظلم مشروبنا المفضل؟
هل تؤثر القهوة على الجهاز المناعي؟
تعتبر القهوة في واقع الأمر غنية بالمركبات المفيدة مثل البوليفينولات الغنية بمضادات الأكسدة التي تتواجد في النباتات بشكلٍ طبيعي.
يقول الدكتور فينسنت بيدري، لموقع Mind Body Green الأمريكي: "أظهرت الأبحاث أن القهوة قد تكون لها تأثيرات محرّضة أو مضادة للالتهاب، وهو أمرٌ يختلف من شخصٍ لآخر".
بكل الأحوال، دعونا نتعمق في هذه الأبحاث أكثر.
درس بحثٌ سريري مجموعةً كبيرة من البيانات ووجد أن تلك البوليفينولات قد تساعد في ظهور العديد من علامات الالتهاب تحديداً، ومنها السيتوكينات، والكيموكينات، وعوامل نمو الأورام الليفية الأساسية (FGF-2). علاوةً على أن زيادة جرعة القهوة تزيد قوة التأثير.
بينما يُعَدُّ حمض الكلوروجينيك من البوليفينولات الرئيسية في القهوة. وتعتبر هذه المادة مسؤولةً بشكلٍ كبير عن طعم القهوة، لكن لها تأثيرها الإيجابي الكبير أيضاً على مسارات الالتهاب.
وقد وجد الباحثون في دراسةٍ نشرت في دورية European Journal of Nutrition العلمية أن حمض الكلوروجينيك في القهوة يتمتع بخصائص مضادة للالتهاب، كما أن له مزايا مفيدة لعمليات الأيض وصحة القلب والأوعية الدموية.
ولكن تجدر الإشارة إلى أننا نتحدث هنا عن القهوة في أنقى صورها. أي أن حديثنا لا ينطبق على مشروبات القهوة التي يضاف إليها السكر؛ لأن هذه المشروبات تمثل وحشاً من نوعٍ آخر كلياً.
الكافيين.. العنصر الأهم في المعادلة
لا شك أن علينا التطرق في حديثنا إلى العنصر الأهم في المعادلة: الكافيين.
لا يوجد الكافيين في القهوة فقط بشكل حصري، لكن القهوة تُعَدُّ واحدةً من أكبر المصادر الغذائية لهذه المادة المنشطة.
وربما تحتوي جميع أنواع القهوة على مركبات مضادة للالتهاب، لكن تأثيرها على استجابتك الالتهابية قد تعتمد على درجة تركيز الكافيين، وكيفية تفاعل جسمك مع الكافيين، وعواملك الوراثية، وعمرك. حيث يقول أخصائي الجهاز الهضمي التكاملي، الدكتور مارفين سينغ: "يختلف الجميع عن بعضهم البعض، وكل شخصٍ لديه قيم مستهدفة مختلفة فيما يتعلق بكمية الكافيين التي يمكنه تحملها والكمية التي يجب أن يشربها".
حيث يمكن للكافيين أن يحفز استجابة التوتر، ما يتسبب في إفراز الكورتيزول الذي يُعتبر مضاداً طبيعياً للالتهاب، لكن ارتفاع معدلاته لفترات مطولة قد يأتي بنتائج عكسية.
يقول سينغ: "يجب أن نشير إلى أن كل شخص قد تكون له عتبته المختلفة بناءً على الكمية التي تُعتبر أكبر من اللازم بالنسبة له. إذ يستقلب كل منا الكافيين بطريقةٍ مختلفة. حيث يستقلبه البعض سريعاً، بينما تجري العملية ببطءٍ لدى البعض الآخر، ما يؤثر على الكمية التي يُرجّح أن يستطيع جسمك تحملها".
وإذا كنت تعاني من حساسيةٍ للمنشطات النباتية أو كنت شخصاً بطيء الاستقلاب -أي أن الكافيين يستغرق وقتاً أطول للتنقل في جسمك بفضل جيناتك- فقد يفاقم ذلك من استجابتك للتوتر ويصيبك بالعصبية، وتسارع دقات القلب، ونوبات الغضب، وغيرها من علامات ارتفاع التوتر.
وأشار بيدري كذلك إلى أن زيادة كمية الكافيين عن اللازم، قد تزيد إفراز الأنسولين. ما يتسبب في اشتهاء السكر والكربوهيدرات المكررة، وهي أطعمةٌ تؤثر بالسلب على مسارات الالتهاب في الجسم.
ورغم أن القهوة تُعَدُّ من السوائل التي نتناولها، لكنها قد تسبب الجفاف كذلك. ما يؤدي بالتالي إلى نتائج مشابهة. إذ يقول بيدري: "أشجع المرضى على الاهتمام بترطيب أجسامهم. ويجب شرب نحو 1.9 كوب من الماء يومياً، أو شرب كميةٍ أكبر بناءً على كمية الكافيين التي تتناولها يومياً".
وأخيراً، قد يؤثر شرب الكثير من الكافيين على نومك. ولا شك أن التقلب في سريرك طوال الليل أمرٌ مزعج، لكن الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم في المساء أمرٌ ضروري من أجل صحة تخفيف الاستجابة الالتهابية لديك.
هل يمكن للقهوة منزوعة الكافيين أن تسبب الالتهاب؟
هل سيكون التحول إلى قهوةٍ منزوعة الكافيين هو سبيلك للاستمتاع بقهوةٍ صحية؟
ربما. إذ تحتوي القهوة منزوعة الكافيين على جميع المركبات المضادة للالتهاب الموجودة في القهوة العادية، ولهذا فمن المرجح أنك ستنتفع بفوائد البوليفينولات دون التعرض للآثار السلبية المحتملة للكافيين.
لكننا لا نزال بحاجةٍ إلى المزيد من الأبحاث في هذا الصدد. كما يجب الانتباه إلى أنّ القهوة منزوعة الكافيين قد تحتوي أحياناً على بعض الكافيين، بنسبةٍ تتراوح بين 0 و15 ملغم في الكوب. وللمقارنة، سنجد أن كوب القهوة العادي يحتوي على 96 ملغم.
إذاً: القهوة غنيةٌ بالبوليفينولات المضادة للأكسدة، لكن الكافيين قد يصبح محرضاً على الالتهاب في حال تناول كميات كبيرة منه، ويعتمد الأمر كذلك على تركيبتك البيولوجية الشخصية.
وإذا أردت الاستفادة من خصائص القهوة المضادة للالتهاب دون التعرض للآثار السلبية؛ فعليك تحديد جرعة تناول القهوة بحيث لا تتجاوز الكوب أو الكوبين يومياً، أو أن تتحول إلى تناول القهوة منزوعة الكافيين.
ما الكمية اللازمة من الكافيين يومياً؟
كما سبق وذكرنا، تختلف استجابة الجسم للكافيين من شخص لآخر، وقد يتحمل البعض شرب كميات أكثر من الآخرين.
لكن إجمالاً، فإن ما يصل إلى 400 ملغ من الكافيين يومياً يعتبر كمية آمنة لمعظم البالغين الأصحاء، وفقاً لما ورد في موقع Mayo Clinic، وهذه هي كمية الكافيين الموجودة في أربعة أكواب من القهوة المخمرة.