من غدة بحجم حبة البازلاء متمركزة فوق منتصف الدماغ، وبعد مغيب الشمس يخرج هرمون الميلاونين أو هرمون الظلام، ولقابليته العالية للذوبان، ينتشر بسهولة في أغشية الخلايا بما في ذلك الدماغ معلناً أزوف موعد النوم: لقد حل الظلام وآن وقت النوم. فإذا كان الأمر بهذه البساطة فلماذا يعاني الملايين من النوم؟
في البشر ومعظم الثدييات النهارية، يُفرز الميلاتونين ليلاً بإيقاع يومي يصل إلى مستوياته القصوى عند حوالي الساعة 3 إلى 4 صباحاً، حسب موقع Psychiatric News. وكلما ارتفع إفراز هرمون الميلاتونين، زاد النعاس قبل نحو ساعتين من موعد نوم الشخص المعتاد.
لكن هذه العملية البيولوجية لا تنجح مع الجميع، ما يستدعي العديد من الناس تناول مكملات الميلاتونين كوسيلة للمساعدة على تنظيم النوم، ولكن ولخيبة أملهم، لا تنفذ هذه المكملات ما وعدت به.
نستعرض في هذا التقرير سبب فشل مكملات الميلاتونين في أداء مهمتها وما يتوجب على الإنسان فعله.
استخدامات الميلاتونين
يقول دكتور أليكس ديميتريو، الحاصل على شهادتين في طب النفس وطب النوم لموقع Mindbodygreen إن الأشخاص الذين يتمتعون بنظم يومي صحي (أو ساعة بيولوجية) تُفرز أجسادهم بشكلٍ طبيعي ما يكفي من الميلاتونين لإرسال إشارة بحلول وقت النوم. ومع ذلك، يمكن لعوامل مثل الضغط، والضوء الزائد من الشاشات، والكافيين أن تثبط الإفراز.
بالتالي فإنّ تناول الميلاتونين في صورة مكمل غذائي يعد إحدى الطرق التي يحاول الناس من خلالها إعادة مستويات الهرمون إلى الطريق الصحيح، ولكنها مهمةٌ صعبة.
ويضيف الدكتور جاكوب تيتيلباوم، الطبيب الباطني الحاصل على شهادة الطب التكاملي والخبير في النوم، أن الميلاتونين يتمتع بمزايا ليلية أخرى أيضاً موضحاً: "أظهرت الأبحاث أن الميلاتونين هو مضاد قوي للأكسدة"، كما أنه قادر على تعزيز صحة الجهاز الهضمي لمساعدة الأشخاص على النوم بشكلٍ أفضل وراحةٍ أكبر.
أسباب عدم فاعلية مكملات الميلاتونين
ها قد حان وقت النوم، وتناولت مكملاً يحتوي على الميلاتونين، ثم دخلت الفراش في انتظار أن تغط في عالم الأحلام، لكن دون جدوى.
بالتأكيد هناك بضعة أسباب وراء كل هذا الانتظار نعدد منها الأكثر شيوعاً:
1. جدول غير منتظم للنوم والاستيقاظ
يوضح الدكتور ديميتريو أنك إذا كنت شخصاً يعمل بنظام الورديات، أو يعمل ليلاً مثل الممرضين، فقد يكون من الصعب للغاية أن تُنظِّم نظامك اليوماوي.
2. مستويات إجهاد عالية
يؤدي الإجهاد بشكل عام إلى تثبيط مركز التحكم في النوم الوطائي. فحين ترتفع هرمونات الإجهاد الكظرية بشدة بحلول وقت النوم، يؤدي ذلك لدخول عقلك في حالة النشاط، مما يزيد صعوبة النوم. وبالمثل، إذا انخفضت مستويات الكورتيزول في منتصف الليل، فإن نسبة السكر في الدم ستنخفض معها. وهذا هو ما يؤدي إلى الاستيقاظ في منتصف الليل.
3. تناول الميلاتونين لفترة طويلة
إذا كنت تتناول الميلاتونين بانتظام، وخاصةً في حال كانت الجرعات أكبر من 1 ملليغرام، ستجد أن مفعول فوائده قد بدأ يزول بمرور الوقت. ولهذا السبب يوصي بعض الأطباء بتناوله لفترة قصيرة حين ترغب في مساعدة جسمك على النوم في الأوضاع الجديدة فقط (حين تسافر إلى منطقة زمنية مختلفة، أو تغير جدولك لمواكبة مواعيد العمل الجديدة)، ولكن ليس كل يوم.
4. إذا كنت صغير السن
كشفت الأبحاث أن مستويات الميلاتونين تنخفض مع تقدم العمر. وفي دراسة نشرتها دورية Journal of General Internal Medicine عام 2005، تبيّن أن الأشخاص الأكبر سناً الذين يتناولون الميلاتونين لموازنة نظامهم اليوماوي ينجح معهم الأمر أكثر من الأشخاص الأصغر سناً.
جرعات الميلاتونين
كشفت الأبحاث أن 0.3 ملليغرام من مكملات الميلاتونين فقط كافية لدعم الوتيرة الطبيعية وتقليل الوقت الذي تحتاجه للاستغراق في النوم. ويقول دكتور ديميتريو إنه لا يوصي بتناول جرعات تزيد عن 3 ملليغرام عموماً لأن ذلك قد يؤثر على قدرة الجسم على إفراز الميلاتونين بشكلٍ طبيعي.
نصائح لاستعادة فاعلية الميلاتونين
1. مارس عادات نوم جيدة
يقول دكتور ديميتريو: "النوم، والإفراز الطبيعي للميلاتونين، لهما تأثيرٌ جيد على النظم اليوماوي. إذ إنّ انتظام أوقات النوم والاستيقاظ له دورٌ كبير، ويمكن أن يحقق نتائج أكبر من العقاقير المساعدة على النوم".
2. تناول البروتين قبل الخلود إلى النوم
ويقول دكتور تيتيلباوم: "إذا كنت من الأشخاص الذين يستيقظون في الساعة الثانية أو الرابعة صباحاً، فإن تناول وجبة خفيفة من البروتين (50 غراماً أو أقل) قبل النوم لبضع ليال سيخبرك ما إذا كان سكر الدم هو السبب في نومك المتقطع".
3. أغلق الأجهزة الإلكترونية في العاشرة مساءً
يمنع الضوء الأزرق (الذي ينبعث من الأجهزة عادة) إفراز الميلاتونين، مما يعني أن تصفح الشبكات الاجتماعية قبل النوم لن يُساعد الجسم على إفراز الميلاتونين بشكل طبيعي ويبقى في حالة عجز، حتى لو تناولت جرعة ميلاتونين إضافية.
لذا، يجب إغلاق الأجهزة الإلكترونية وإطفاء الأضواء واستخدام مصابيح بضوءٍ أصفر قبل ساعة على الأقل من موعد النوم.
هل يمكن للأطفال استخدامه؟
قد تساعد مكملات الميلاتونين الأطفال الذين يعانون من حالات مثل التوحد واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط في الحصول على نوم أفضل، ولكنه إجراء يجب أن يوافق عليه طبيب الأطفال، حسب موقع Webmed.
ورغم أن هذه المكملات آمنة على المدى القصير، لكن العلماء لا يعرفون الكثير عن كيفية تأثيرها على الأطفال الذين يأخذونها لفترة طويلة. قد يسبب المكمل أيضاً آثاراً جانبية، مثل النعاس والحاجة إلى التبول أكثر في الليل.
أعراض جرعة زائدة من الميلاتونين
للإفراط في تناول الميلاتونين تأثير معاكس للغرض المقصود منه قد يجعل النوم أكثر صعوبة.
تسبب الجرعة الزائدة بالشعور بالدوار والنعاس أثناء النهار وتمنح صاحبها كوابيس أو أحلاماً شديدة الوضوح في الليل. ومن العوارض الجانبية الأخرى:
- غثيان.
- دوخة.
- الصداع.
- التهيج أو القلق.
- إسهال.
- الم المفاصل.
وأخيراً، ينصح موقع Health Line بضرورة استشارة مرضى ضغط الدم الطبيب حول الميلاتونين وأي مكملات أخرى، كي لا تتعارض مع الأدوية الأخرى.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.