انخفاض تقدير الذات والشعور بالذنب والتقصير.. التبعات العقلية والنفسية للبطالة قد تكون وخيمة

المشكلة تكمُن في كونها حلقة مفرغة، فقد يؤدي فقدان الشعور بالقيمة الذاتية إلى فقدان فرص التوظيف، الأمر الذي يزيد من حدة الشعور بالدونية وانعدام القيمة.

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/12 الساعة 12:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/12 الساعة 12:33 بتوقيت غرينتش
أزمة البطالة تؤثر على صحة العاطل عن العمل بشكل كبير - iStock

يس سراً بين الأشخاص الذين يبحثون عن وظيفة جديدة، أنه من الأسهل العثور على عمل جديد أثناء وجودك في وظيفة قائمة بالفعل. بينما تكون فرص العاطل عن العمل في إيجاد وظيفة من الأساس أقل بكثير.

أيضاً يميل أصحاب العمل على الأرجح إلى الانجذاب للمرشحين الذين لايزالون يعملون ولكن يبحثون عن شيء جديد، لأن ذلك يُظهر تمتعهم بالطموح والرغبة في التطور.

وبالنظر إلى الأسباب المحتملة لذلك، فقد اتضح أن القصة قد تكون أكثر من مجرد "الطموح" بكثير. إذ قد تكون الصحة العقلية للشخص الذي لا يعمل في وظيفة أيضاً عاملاً كبيراً جداً في تحديد أبعاد الموضوع.

الشخص العاطل عن العمل فاقد للهوية

وعندما يتم توظيفنا، فإننا غالباً ما نكون أكثر ثقة بأنفسنا، ويكون تقديرنا لذاتنا أعلى عن المعتاد، ويقل احتمال أن يطاردنا القلق بشأن كيفية دفع الإيجار وكفاية متطلبات الحياة اليومية.

هذا يجعل من السهل أن تبدو محترفاً وطموحاً وقادراً على شغر الوظائف المطروحة.

وبحسب تصريحات سو إنجلش، الأخصائية النفسية الأمريكية، لموقع PsychCentral للصحة النفسية: "يمتلك معظم الناس شعوراً بقيمتهم الذاتية على أساس القيمة التي يقدمونها لأنفسهم وللآخرين".

وعندما نكون جيدين في مجال عملنا، فإننا نميل إلى الشعور كأننا نقدم شيئاً ذا قيمة للآخرين وللعالم ككل.

لكن عندما يكون الشخص عاطلاً عن العمل، فمن غير المرجح أن يكون هذا مماثلاً أيضاً، ليس فقط لأننا فقدنا دخلنا ومزايانا المادية العديدة (رغم أنها تلعب دوراً بالتأكيد)، ولكن لأن هذا أيضاً أفقدنا جزءاً من هويتنا.

هذا صحيح بشكل خاص في عصرنا الحديث، حيث توجد أهمية كبيرة لما "تفعله" كجزء من هويتك وتحديد قيمتك الاجتماعية أمام الآخرين.

هذه الظاهرة بطبيعة الحال ليست جديدة أو صحية للشخص وصحته النفسية والعقلية. فقد تم توثيقها جيداً بين الأشخاص في الوظائف ذات الضغط العالي والتي تتطلب سنوات من العمل عالي الضغط.

وبعد فترة من الالتزام بمتطلبات هذا العمل الضاغط، يمكن أن تتلاشى الخطوط الفاصلة بين الهوية الفردية للأشخاص، أو من هم عليه فعلاً، مقابل حياتهم المهنية أو ما يفعلونه خلال اليوم من مهام.

فقدان العمل دائماً ما يتم اعتباره "إخفاقاً من الشخص"

وجدت دراسة علمية أجريت عام 2013، على سبيل المثال، أن العمال العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة الأمريكية يميلون إلى إلقاء اللوم على أنفسهم بسبب فقدان وظائفهم أكثر مما يفعله العمال العاطلون في دول أخرى، وفقاً لمجلة Oxford Academic.

ومع ذلك، في عالم الشركات، يتم تسريح العمال بشكل منتظم؛ لتقليل الإنفاق أو بسبب استبدالهم بأنظمة تشغيل ذكية أكثر تطوراً وأقل تكلفة.

على سبيل المثال، أجبرت جائحة COVID-19 الجميع على عمليات إغلاق واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم، وتم تسريح ملايين الموظفين أو إلغاء إجازاتهم أو خفض رواتبهم.

وبالطبع كانت لهذه المشكلة آثار اقتصادية ضخمة. ولكن كان له أيضاً- وسيظل له- تأثير كبير على الصحة العقلية لمن سُرحوا من وظائفهم، بعد اعتبارهم أن أي شخص عاطل عن العمل شخص "فاشل" بشكل أو بآخر عمن حوله من الموظفين.

ويحذّر تقرير نشرته مؤسسة الصحة العقلية ومؤسسة كوكرين للاضطرابات العقلية الشائعة، من أن ارتفاع معدلات البطالة وعدم اليقين الوظيفي في أثناء جائحة كورونا، لهما تأثير عميق على الصحة العقلية على مستوى العالم. 

على سبيل المثال، مع ارتفاع معدل البطالة في المملكة المتحدة وفقاً لأحدث الأرقام من ONS2، تدعو مؤسسة الصحة العقلية كلاً من الحكومة المحلية والوطنية إلى توفير الدعم العملي والعاطفي لمئات الآلاف من الأشخاص. 

وأرجعت حاجة الشخص العاطل عن العمل لهذا الدعم إلى معاناته من الاضطرابات النفسية وعدم القدرة على التعامل مع الأزمات، وعدم اليقين والتغيير البالغ لنمط حياته ومستواه الاجتماعي. 

وخلص التقرير إلى أن تأثير زيادة البطالة وعدم اليقين الوظيفي على الصحة النفسية متعدد الجوانب. وكان ارتفاع انعدام الأمن الوظيفي بين الناس مثلاً، مرتبطاً بارتفاع مخاطر أعراض الاكتئاب والقلق المزمن.

كما أثرت البطالة سلباً على احترام الذات وزادت من الشعور بالضيق والغضب والذنب والتقصير، بحسب Mental Health.

فقدان دوائر الاتصالات الاجتماعية

عادةً ما يعني فقدان الوظيفة فقدان الاتصال بزملاء العمل وتقلُّص الشبكات الاجتماعية ودوائر المعارف.

وقد يختلف حجم هذه الآثار المحتملة على نفسية وعقلية الشخص العاطل عن العمل، باختلاف العمر والجنس. على سبيل المثال، يمكن أن يكون لفقدان الوظيفة تأثير أكبر على العمال في سن الرشد أكثر من تأثيره على المراهقين أو الشباب.

وفي تلخيص لبحث علمي صدر عام 2006 بمجلة IWH للصحة والعمل،  حول العلاقة بين الاكتئاب والقيود المفروضة على نشاطات الشخص العامة في حياته اليومية، لاحظ أن الأحداث العائلية والاجتماعية كان لها تأثير أكبر على الصحة العقلية للمرأة مقارنة بالرجل، بينما يبدو أن ضغوط العمل والصعوبات المالية كان لها تأثير أكبر على عقلية الرجل وصحته.

كما قد يختلف تأثير البطالة على الصحة النفسية أيضاً باختلاف مدة البطالة.

تأثير فقدان العمل يأخذ منحنىً مرتفعاً مع طول مدة البطالة

هناك نظريتان حول الموضوع: الأولى تجادل بأن صدمة فقدان الوظيفة تكون أكثر حدةً وقت حدوثها، وتختفي لاحقاً بالتدريج. فيما يشير آخرون إلى أن وصمة العار، والعزلة الاجتماعية، و(في بعض الحالات) الحرمان المادي المرتبط بالبطالة، من المرجح أن يزداد تفاقمهما وحدَّتهما بمرور الوقت.

كما أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD عام 2008، إلى أنه يجب دمج هذه الفرضيات في نمط واحد على شكل حرف U من التأثير النفسي والعقلي على الشخص العاطل عن العمل.

في البداية يكون هناك تأثير أوّلي كبير وعالٍ، يتضاءل بمرور الوقت، لكنه لاحقاً ينمو ويرتفع مرة أخرى إذا استمرت البطالة مدة طويلة من الزمن.

الرجال أكثر تأثراً بالمشكلة

هناك كثير من الأدلة على أن البطالة لها تأثير سلبي على الصحة النفسية والعقلية، تختلف باختلاف المستوى الاجتماعي والثقافي للفرد، وقدراته العاطفية في التعامل مع الأزمات.

هناك أيضاً دليل واضح على العلاقة السببية العكسية: الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية أكثر عرضة من غيرهم لأن يصبحوا عاطلين عن العمل، وفقاً لموقع IWH للصحة والعمل.

ومع ذلك فإن الدليل غير واضح على كيفية تأثير فقدان الوظيفة على الصحة النفسية وفقاً لاختلاف مدة البطالة.

لكن معظم الدراسات التي تبحث في أعمار العمال، تستنتج أن تأثير البطالة أكبر في الفئة العمرية من 30 إلى 50 أو 55 عاماً مقارنةً بالبالغين الأصغر سناً، وهي تهدد الصحة العقلية للرجال أكثر من تأثيرها على النساء.

تحميل المزيد