الاكتئاب المجتمعي في العالم العربي.. كيف تنتشر عدوى البؤس؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/08/16 الساعة 10:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/16 الساعة 10:53 بتوقيت غرينتش
مسنّ مصري في أحد شوارع القاهرة/ Istock

ما هو الاكتئاب؟

تُعرّف منظمة الصحة العالمية الاكتئاب بأنه من العلل الشائعة على مستوى العالم، حيث يؤثر على أكثر من 300 مليون شخص، وتبيّن أن الاكتئاب لا يُقصد به التقلبات المزاجية المعتادة والانفعالات العاطفية التي لا تستمر طويلاً، والتي يمكن أن تكون استجابة لتحديات الحياة اليومية، فعندما يكون الاكتئاب لفترات طويلة الأمد، سيلحق الأشخاص بالضرر والمعاناة، وإنما ومن ناحية علمية ينتج ذلك الاكتئاب عن نوع من التفاعل المعقد بين العوامل النفسية والبيولوجية والاجتماعية، وأكثرهم تعرضاً للاكتئاب من واجهوا أحداثاً حياتية صعبة مثل البطالة والضغوط الاقتصادية والصدمات النفسية.

من جاور السعيد يسعد.. ومن جاور الحداد ينكوي بناره

استمد هذا المثل الشعبي المعنى من حقيقةٍ ثبتت صحتها واقعياً، فالمشاعر يمكن لها أن تنتقل بين الناس كالعدوى، وكذلك المزاج العام للمجتمع يمكن أن يكون معدياً بشكل اجتماعي، بطريقة قد نسميها "العدوى الاجتماعية"، التي تنتقل إما بالاتصال المباشر والحوار والتعرض للمواقف، وربما تنتقل بين سكان منطقة معينة عبر شبكاتهم الاجتماعية ووسائل التواصل على الإنترنت، فإذا صادف أشخاصاً يظهرون بمعنويات مرتفعة ارتفعت حالته المعنوية، وإذا تصادف بأشخاص أصحاب مزاج سيئ، فربما تصيبه نفس هذه الحالة المزاجية السيئة، هنا انتقل الشعور بالسعادة والكآبة من خلال العدوى، ولا يخفى أن الشبكات الاجتماعية قد تحولت إلى خيوط متداخلة تتلاعب بعواطف ومزاج الناس طوال الوقت، تارة بالسلب وأخرى بالإيجاب.

لكني أعتقد أن عدوى الاكتئاب لا تنتقل بمجرد المساس والتقارب مع مشاعر سلبية، بل لا بد أن تشكّل هذه المشاعر حالة عامة في المجتمع ومنتشرة بقوة ويشعر بها الجميع، فلديها قوة سلبية محيطة بالناس ناتجة عن عوامل حياتية ومعيشية، يعيشها الجميع!

الأمن الاجتماعي

تعاني المجتمعات العربية بشكل عام من مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية عديدة وتناقص مستمر في الجودة الاجتماعية التي تتمثل في الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي، ويعتبر ذلك حاجة أساسية من احتياجات الأفراد في المجتمع، وترتبط بها مجموعة من المتغيرات المتعلقة بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في مجالات الموارد المالية والعمل والسكن والتعليم والرعاية الصحية.

يتحقق الأمن من خلال تحقيق جوانبه المختلفة، وأهمها الأمن الاقتصادي والغذائي والاجتماعي والصحي، وأي عيوب أو تغييرات فيها ستؤدي إلى مخاطر كثيرة في أنماط الحياة اليومية والتأثير بشكل مباشر على فرص العمل.

وكذلك فإن تمتع المجتمع بالاستقرار السياسي وتوفر القانون والدستور وحرية الفرد بالمشاركة السياسية، وتوفر متطلبات الحياة الأساسية من مسكن وغذاء وكساء ودواء، بالإضافة لتوفر المؤسسات التعليمية التي تكسب الطالب المهارات والمؤهلات اللازمة لتحقيق الحياة الاجتماعية المتوازنة، كل ذلك له دور بتحقيق الشعور بالأمن الحياتي والاقتصادي.

اكتئاب فئة الشباب

في حين أن سنّ الشباب من المفترض أن تكون أسعد أوقات الإنسان، قد أصبح في مجتمع مثل وطننا العربي من أتعس فترات الحياة عند الأغلبية، فقد واجهوا متطلبات الحياة بأيدٍ قصيرة وجيوب فارغة وخيارات معدومة، وعندما حاولوا مواجهة هذا الواقع والاعتراض عليه صدموا بتخلي الجميع عنهم، من حكومات ومؤسسات وحتى من أصحاب المهن والأعمال.

فإذا سعى الشباب للحصول على فرصة عمل تعوقه الواسطة والمحسوبية، وإذا استمع الشباب لخطابات القادة السياسيين والحكوميين عن تمكين الشباب والتغني بقدراتهم وطاقاتهم وأنهم رواد المستقبل يجد الشباب الحكومات عاجزة عن تطبيق الأمر على أرض الواقع، فيضطر هذا الجيل المغلوب على أمره انتظار تشغيل مؤقت هنا أو مساعدة هناك.

وإذا قرر الشباب البحث عن عمل خارج البلاد، وجد نفسه عاجزاً عن التحرك لأي مكان، فهل أصبحت هناك وصمة على فئة الشباب حالت بينهم وبين بلوغ مرادهم؟

هذا الواقع أثّر على مشاركة الشباب في الكثير من الأنشطة الاجتماعية والسياسية والفكرية والثقافية، فلا صوت لهم ولا تأثير.

تلك الضغوط العامة بين جيل كامل مثقل بالخيبات يمكن أن تكون عاملاً مؤثراً في ترويج وانتشار الأفكار السوداوية التي تؤدي للسير في حلقة مفرغة توصلهم في نهاية المطاف إلى الإحساس بالعدمية.

البطالة العامة

تؤثر البطالة بشكل أساسي على رضا الشباب عن أنفسهم، وتشكل لهم هاجساً عند التفكير بمستقبلهم، ما يؤثر على علاقاتهم الاجتماعية.

ينتج اكتئاب الشباب بسبب التأخر في تحقيق أهدافهم في الحياة، وقد يشعرون بالعار لعدم تمكنهم من الحصول على عمل، وعدم توفر الوظائف للخريجين، لأسباب سياسية واقتصادية، فضلاً على شعورهم بالخوف مع مرور الوقت والسنوات أمام أعينهم وهم عاجزون عن توفير متطلبات الزواج وتحقيق حياة الاستقرار، لعدم توفر المأوى والمسكن!

اكتئاب جماعي

كيف تنتشر الطمأنينة داخل المجتمع في زمن القلق؟ وكيف تأتي راحة البال بدون أمان اجتماعي؟ فبدون الراحة النفسية ينحل الكيان الإنساني ويصبح هشاً أمام تحديات عواصف الحياة الهوجاء، خصوصاً إذا تعلّق القلق بسبل العيش الكريم وتوفر المال في ظل الحصار الشامل.

ليس فقط انحسار للقدرة الشرائيّة، وانخفاض نسب النمو؛ ففوق كل ذلك يشهد المجتمع حالة غريبة من اقتطاع عام في الرواتب الحكومية والمؤسسات الخاصة، بل والدولية، فلم يبقَ اقتصاد ولا تنمية ولا مجال لمحاولات إنعاشه، فنتج عن ذلك كله انتشار حالات الاكتئاب بصورة عامة في المجتمع بأكمله مع ما يترافق معها من عُقد وهواجس تؤدي لانعكاسات نفسيّة وجسدية خطيرة، وحالة سلبية عامة عنوانها "البلادة المجتمعية".

تبعاً لما سبق ربما يمكنني وصف ما يصيب سكان وطننا العربي بـ"الهستيريا الجماعية"، والسلوك المضطرب الذي ينتقل عبر العدوى إلى المجتمع ككل، وأشير هنا إلى أنّ هذا الانهيار غير ناجم عن مرض نفسي، بل نتيجة طبيعية لتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الراهن، الذي لا تظهر له حلولٌ جذرية في الأفق.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر أبو دف
كاتب وباحث فلسطيني
كاتب وباحث فلسطيني
تحميل المزيد