بين “البكيني والبوركيني”.. ما الذي يجب أن ترتديه الفتاة في مصر؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/29 الساعة 09:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/29 الساعة 09:37 بتوقيت غرينتش
البوريكيني الذي تستخدمه المحجبات للنزول إلى حمامات السباحة والشواطئ العامة، حيث يكون أقل حدة في كشف أجسامهن/istock

في الوقت نفسه من كل عام، مع مطلع كل صيف تعود إلى الواجهة الصراعات الجدلية في مصر التي ربما انتهى البشر منها في كثير من البلدان حول العالم عدا بلادنا.

صراعات ما بات يعرف بالـ"بوركيني x البكيني" لا تزال تزدهر في مصر فلا يمر يوم حتى نسمع عن واقعة مؤسفة تعرضت خلالها إحدى الفتيات للتنمر أو العنف والاعتداء على خلفية مظهرها، فقبل نحو أسبوعين من الآن أعلنت طالبة منتقبة في جامعة بني سويف عن تعرضها لاعتداء عنيف من قبَل أحد الأشخاص، إذ قام بصفعها وتمزيق نقابها أمام بقية الطلاب؛ قد تظن في البداية أنه طالب ليس في وعيه، ربما كان تحت تأثير مخدر أو منشط، أو مادة من تلك المواد التي يتعاطاها الشباب في الآونة الأخيرة، لكن المفاجأة هنا أنه كان أستاذاً جامعياً! ليس مجرد أستاذ أيضاً، بل رئيس قسم التاريخ في جامعة بني سويف!

ما دفع الفتاة لتصوير مقطع فيديو كان ضمن الأكثر رواجاً خلال الأسبوع الماضي، لتسرد خلاله الواقعة التي على ما يبدو تركت بداخلها أثراً قد لا تنساه أبداً.

في الأسبوع ذاته تقريباً ولكن ليس في جامعة بني سويف، بل جامعة طنطا، تعرضت طالبة أخرى للتنمر والاستهزاء بصورة فجة أمام جمع من الطلاب، وقد كان السبب ملابسها أيضاً فقد ارتدت هذه الفتاة فستاناً عادياً قد ترتديه أي فتاة في الشارع، وسمح لها بالدخول إلى الجامعة وهي ترتديه وبالطبع قبل الجامعة قد سمحت لها عائلتها بارتدائه، لكن هذا لم يكن كافياً لموظفات الجامعة التي انهلن عليها بالسخرية والتنمر حسب روايتها للواقعة، ليس عليها فقط بل على بعض من سكان المحافظات المصرية في واقعة أخرى مريرة ستترك أثراً سيئاً بكل تأكيد في نفس ضحيتها.

دعنا نتوقف عن سرد ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية فالجميع يعرف المشكلة ويعرف أنها تعود للتشكل في وقائع جديدة لكنه الصراع ذاته من الأساس: "البوركيني x البكيني"، مهما تحولت صوره وتشكلت ففي النهاية الصراع دائماً بين طرفين، بعض المنتمين إلى هذا الطرف يقصون الآخر، وبعض المنتمين إلى ذاك يقصون الآخر، ليس لأي شيء إلا ملابسه وفقط!

ومن الجيد هنا أن أخبرك أنه شيء مؤسف بكل تأكيد أن يكون معيار تفضيل إنسان على آخر هو مظهره أو رداءه حتى وإن كان ذلك في أحد الشواطئ أو المقاهي.

هذا الصراع انتشر في مصر خلال السنوات الأخيرة وقد بدأ فعلياً مع انتشار تقليعة "ممنوع دخول المحجبات أو المنتقبات" لبعض المنتجعات أو المطاعم وفي أقل تقدير المسابح، لكن المشكلة هنا ليست في منعهن من الدخول لمكان ما، بل هناك مشكلتان رئيسيتان في الأمر، تنطبق كلتاهما على أصحاب "البوركيني" أو أصحاب "البكيني".

المشكلة الأولى هي نغمة الإقصاء التي تزايدت بشدة في الفترة الأخيرة، خاصة من هؤلاء "دعاة الحرية" وتقبل الآخر؛ بدلاً من أن يتم توجيه اللوم على رافضي المحجبات والمنتقبات في الأماكن العامة أو بعض المرافق، فإنهن يطلبن من المحجبات والمنتقبات تجنب الذهاب لهذه الأماكن، بل اعتبروا وجودهن فيها اقتحاماً لحدود الغير وسلبهم لحرية الغير في قضاء وقت معين دون أن تقع أنظارهم على سيدة تردي ثوباً كاملاً!

وللأسف، فإن أكثر من ردد هذه الرواية حسبما رأيت بعيني هم هؤلاء المدافعون عن حق الملبس في أي مكان، رافضو الوصاية المجتمعية على أجساد البشر الذين بطريقةٍ ما يؤمنون بحرية أن يرتدي المرء ما يراه مناسباً له أياً كان، وفي الوقت ذاته هم يؤيدون منعه من دخول مكان ما بسبب مظهره إن كان لا يعجبهم، دون مراعاة لشعوره هو أو من حوله.

ولأنني أتحدث عن مصر فدعنا نتكلم بصراحة؛ من منا لا يملك في عائلته أو أصدقائه فتاة منتقبة أو محجبة! أكثرنا يقول إننا نعرف محجبات أو أمي وأختي وزوجتي محجبات، أو ستقول كثرة من الفتيات: إننا محجبات بالفعل.

فماذا سيكون شعور رافضي دخول المحجبات لبعض الشواطئ والمنتجعات إذا تعرضت إحدى قريباتهم لموقف مشابه؟

أما المشكلة الثانية فتمكن في أصل الموضوع: أي التضرر من وجود شخص آخر في نفس مكان تواجدنا يرتدي ملابس غير التي نرتديها.

أقف أمام هذا الأمر منذ أيام، ليس فقط أمام فكرة أن يشعر المرء بضيق لأنه يشاهد شخصاً أمامه بلباس كامل أو لباس خفيف، لكن الدفاع عن هذا الأمر في حد ذاته وتصنيفه كمشكلة يتضرر أحدهم منها، وعليه فإنه يصبح لأحدهم فجأةً الحق في إقصاء الآخر!

أي أنه بات من الطبيعي أن يقول أحدهم إن فلاناً لديه الحق في الإقصاء، فهو يتأذى من رؤيته لشخص آخر يرتدي ملابس محتشمة أمامه، والعكس صحيح. وتخيل الأمر بأن ينشئ أحدهم شاطئاً ثم يمنع دخول أصحاب الوزن الزائد أو أصحاب البشرة الداكنة إليه.

في النهاية، يجب ألا نغفل أن ثمة مسؤولية قوية على الدولة في هذا الأمر، فنحن نفتقد حتى اللحظة قوانين حقيقية تحسم هذا الجدل، وتضمن لكل المواطنين الحصول على حقوقهم كاملة، وتردع كل من يفكر في سلبهم تلك الحقوق، سواء بالسخرية أو التنمر أو الحظر أو الاعتداء أو الإقصاء.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر عادل
صحفي مصري
حاصل على بكالريوس الإعلام
تحميل المزيد