عندما يواجه الناس ضغوطاً لا تصدق يعتبر الشعر أول الضحايا، والمتهم الأول هرمون التوتر بالتأكيد؛ فكيف تؤثر تلك الهرمونات على الشعر، بحيث توقف نموه فتنقطع الصلة نهائياً بين بصيلات الشعر وجلد الرأس للأبد؟
يوجد ما يقرب من 100 ألف بصيلة شعر على فروة الرأس (على الرغم من أن هذا العدد قد يختلف بناءً على لون الشعر)، وتمر البصيلات المختصة بإنبات الشعر بدورتين هما "النمو" و "الراحة" أو "الخمول"، حيث تنتج البصيلات أولاً شعراً جديداً بشكل نشط ثم تدخل في حالة سبات.
عندما تنتقل بصيلات الشعر إلى مرحلة الراحة يتساقط الشعر.
وغالباً ما يحدث محفز في حدوث تحول مفاجئ وغير طبيعي للشعر ويدخله في طور الخمول دفعة واحدة.
أحد المحفزات المحتملة لهذا التحول المفاجئ هي بدون شك الضغوط العاطفية والإجهاد.
ما الذي يوصف بأنه ضغوط عاطفية كبيرة؟
من الأمثال الجلية على ذلك حدث سلبي كبير في الحياة (مثل فقدان أحد الأحباء أو الطلاق).
وبين أن اجتياز يوم سيئ في العمل لا يؤدي لهذا التحول، ولكن الإجهاد الشديد والمطول أو اليومي يساهم في العوامل، ناهيك عن التأثير النفسي لجائحة كورونا، على سبيل المثال.
تساقط الشعر لدى الفئران يكشف الصلة
في الفئران، تُبقي المستويات المرتفعة بشكل مزمن من هرمون الإجهاد الكورتيكوستيرون -الموازي لهرمون الكورتيزول البشري- البصيلات في مرحلة الراحة لفترة أطول من المعتاد.
ووفقاً لدراسة نُشرت في 31 مارس/آذار 2021، في مجلة Nature، تمنع هذه الاستجابة بصيلات الشعر من الدخول إلى مرحلة النمو، والتي تقوم خلالها الخلايا الجذعية في البصيلة بإنتاج شعر جديد.
على وجه التحديد، يوقف الكورتيكوستيرون نمو الشعر عن طريق اتصاله بمستقبل في الخلايا الموجودة أسفل قاعدة كل بصيلة.
بمجرد التصاقه بها، يمنع الكورتيكوستيرون إنتاج بروتين يسمى GAS6، والذي من دونه لا يمكن تنشيط الخلايا الجذعية لبصيلات الشعر لنمو الشعر من جديد.
بدورها قالت كبيرة مؤلفي الدراسة، الأستاذة المشاركة في الخلايا الجذعية في جامعة هارفارد يا شي هسو لموقع Live Science: "بدلاً من تنظيم الخلايا الجذعية بشكل مباشر يؤثر الإجهاد المزمن على إشارات تنشيط الخلايا الجذعية".
وبينما قد يكون رد الفعل المتسلسل هذا مختلفاً قليلاً في بصيلات شعر الإنسان، إلا أن الآلية قد تكون متشابهة جداً، لأن هرمون القوارض الكورتيكوستيرون وهرمون الكورتيزول البشري ينتميان إلى نفس عائلة الهرمونات، ويتفاعلان مع نفس النوع من المستقبلات، على حد قول مؤلفة الدراسة.
وأشارت هسو إلى أن "الشعر في مرحلة الراحة عند البشر يمكن أن يتساقط بسهولة أكبر من الشعر في مرحلة النمو"، وهو ما يفسر كيف يؤدي الإجهاد إلى تساقط الشعر.
في الدراسة، أوقفت هسو وزملاؤها في البداية إنتاج هرمونات التوتر في مجموعة من الفئران، عن طريق إزالة الغدد الكظرية للحيوانات، وهي عضو من أعضاء الغدد الصماء التي تنتج هرمونات التوتر.
دخلت بصيلات شعر هذه الفئران مرحلة النمو حوالي ثلاثة أضعاف عدد الفئران غير المعدلة. كما تم تقصير مرحلة الراحة بشكل ملحوظ لتبقى أقل من 20 يوماً، مقارنةً بالمدة المعتادة من 60 إلى 100 يوم في الفئران العادية.
وجد مؤلفو الدراسة أنهم إذا قاموا بإطعام الفئران المعدلة بالكورتيكوستيرون، فإن دورة بصيلات الشعر لديها تتراجع، مقارنة بتلك الموجودة في الفئران العادية.
يشير هذا الأمر إلى أن الهرمون قمع بطريقة ما نمو الشعر الغزير.
اختبر المؤلفون هذه النظرية على الفئران العادية، عن طريق تعريضها لضغوط خفيفة متقطعة لمدة 9 أسابيع، ووجدوا أنه مع ارتفاع مستويات الكورتيكوستيرون لدى الحيوانات المجهدة توقف نمو شعرها الطبيعي.
عند رؤية هذا الرابط بين مستويات الهرمون ونمو الشعر، ركز الباحثون بعد ذلك على بصيلات الشعر نفسها، لمعرفة ما إذا كان الكورتيكوستيرون يتفاعل مباشرة مع الخلايا الجذعية بداخلها.
ولأن الهرمون يتصل بما يسمى "مستقبلات الجلوكوكورتيكويد"، أزال العلماء بشكل انتقائي هذا المستقبل في الخلايا المختلفة المشاركة في نمو الشعر، ثم حقنوا الفئران بالكورتيكوستيرون.
لم تُحدث إزالة المستقبلات من الخلايا الجذعية لبصيلات الشعر أي فرق، إذ تمكن الهرمون مجدداً من إعاقة نمو الشعر.
وأخيراً، بينما يتساقط الشعر عادة أثناء حالة الراحة، فإنه من غير المعروف بالضبط لماذا يفك الشعر الخامل ارتباطه بفروة الرأس.
وفي حين تظل العديد من الأسئلة بحاجة إلى إجابات، فإن دراسة الفئران تشير إلى حلول محتملة لتساقط الشعر الناجم عن الإجهاد، والتي يمكن استكشافها يوماً ما لدى البشر.
وقالت هسو: "يمكنني أن أتخيل أن التلاعبات المتعلقة بمسارات بروتين GAS6 قد تكون لها إمكانات، إذا تم تأكيد النتائج على البشر في المستقبل".
وقالت إن دراسة الفئران تمثل "الخطوة الأولى الحاسمة" نحو تطوير تلك العلاجات.
هل هناك طريقة لمنع تساقط الشعر في هذه المرحلة؟
لسوء الحظ، لا توجد طريقة مثبتة لمنع أو إيقاف نوبة تساقط الشعر، ويجب أن تحل من تلقاء نفسها مع مرور الوقت.
ومع ذلك، هناك بعض الأشياء التي قد تساعد في دعم صحة الشعر بشكل عام:
تناول نظاماً غذائياً متوازناً، وعلى وجه الخصوص، استهلك كمية كافية من البروتين (0.8 غرام لكل كيلوغرام في اليوم).
يتكون الشعر بشكل أساسي من البروتين (الكيراتين)، لذا فليس من المستغرب أن يكون البروتين الكافي أمراً حيوياً للحفاظ على الشعر ونموه.
تأكد أيضاً من تجنب تسريحات الشعر المشدودة جداً، أو تصفيف الشعر على حرارة عالية، أو استخدام العلاجات الكيميائية، حيث يمكن أن تساهم في تساقط الشعر أو تُسبب تقصّفه.
قد يكون الاهتمام بالصحة العاطفية وممارسة استراتيجيات مثل التأمل مفيداً أيضاً في تقليل تأثير الضغوطات.
أما إذا كان تساقط الشعر مزمناً أو غير مكتمل، أو يزامنه احمرار أو حكة أو ألم فلا بد من مراجعة طبيب الأمراض الجلدية.