يوجد نوع من الدبابير يسمى "Emerald cockroach wasp" -دبور الصراصير الزمردي. هذا الدبور طريقة اصطياده لضحاياه تختلف عن باقي الحيوانات، فهو لا يقترب من فريسته ويخدرها أو يفترسها مباشرة، بل يحول الفريسة لعبد أشبه بالموتى الأحياء.
ولكن دعنا نعرف معلومات عنه في البداية:
يعيش الدبور الزمردي في شرق آسيا، وشرق إفريقيا وبعض المناطق في البرازيل، وسبب تسميته هو لونه الأخضر اللامع الشبيه بالزمرد، وينشط في الأجواء المعتدلة.
أثناء مراقبة علماء الأحياء للحياة البرية في غابات السافانا عام 1941، اكتشفوا أن أنثى الدبور الزمردي التي يكون طولها 22 مم لها آلية معقدة ونادرة في عالم الحيوان في اصطياد ضحاياها وخاصة الصراصير. وهي أنها تطير مُحلقة بالهواء ثم تنقض فجأة على ظهر الصرصور، ثم يأتي دور أرجلها المُدببة والتي تقوم بنغزه في منطقةٍ معينة بجسده تؤدي أن ينقلب الصرصور مباشرة على ظهره بحيث يكون صدره مكشوف لأعلى.
ثم بعد ثانيتين لخمس ثوانٍ -فقط- يفقد الصرصور السيطرة تماماً على أطرافه.. ويظل مُلتصقاً بالدبور ويسير معه في كل مكان مسلوب الإرادة.
اعتقد العلماء في بداية الأمر أنها تفعل ذلك من أجل الغذاء، لكن الأمر كان أكثر تعقيداً: حتى وقت ليس ببعيد لم يكن أحد قد توصل لماذا تفعل أنثى الدبور ذلك، لكن بتطور التكنولوجيا وكاميرات التصوير الدقيقة، استطاعوا أن يعرفوا كيف تصبح الصراصير خاضعة للدبور الذي لا يتعدى حجمه ربع حجم الصرصور.
اكتشفوا أنه في البداية يقوم الدبور بلدغ الصرصور بخلطةٍ كيميائية معقدة مُكونة من مواد سامة تستهدف قنوات "حمض بيتا أمينوبوتيريك" داخل مخ الصرصور، ومختلط معها مادتان كيميائيتان بنسب ضئيلة وهما "كالتاورين Taurine – والبيتا آلانين Betaalaninele.
وظيفة هذه التركيبة هي تعطيل جزء دقيق في الجهاز العصبي الموجود في صدر الصرصور -لهذا السبب كان يجب على الدبور قلب الصرصور على ظهره في البداية- وهو الجزء المسؤول عن إعطائه أوامر الحركة والسير للأطراف بصورة مؤقتة وبهذه الطريقة تضمن أنه لا يستطيع الحركة أو الفرار.
مفعول اللدغة الأولى مؤقت، لذلك لا بد أن تأتي اللدغة الثانية، والتي تكون أكثر تركيزاً وتتكون من مجموعة سموم عصبية وتكون موجهة للجهاز العصبي وذلك لتعطيله عن استقبال الإشارات من ناقل عصبي يدعى "أوكتوبامين Octopamine" وظيفته نقل الأوامر للأطراف لتتحرك تلقائياً وهكذا حوّل الصرصور لكائن مسلوب الإرادة، ولكنه حيّ قادر على الحركة.
وبطبيعة الحال هذا المجهود يستنزف طاقة الدبور، ولذلك يقوم بإزالة قرون استشعار الصرصور ويتغذى على دمه لتعويض الجهد المبذول في ضخ السموم والمركبات الكيميائية.
بعد ذلك تقوم أنثى الدبور بسحب الصرصور الضحية لجُحر تم اختياره بعناية مسبقاً وهي ملتصقة بجسده، وتقوم بفعل غريب ونادر وهو استخدام جسد الصرصور مسلوب الإرادة كحاضن لبويضاتها عن طريق وضعها فوق ظهره، ولتأمينها، تقوم بردم الجُحر عليهم بعد الانتهاء وتتركه لمدة شهر.
ولكن كيف تتغذى اليرقات خارج جسد أنثى الدبور؟
بعد يومين تتحول البويضات ليرقات وبمجرد خروجها تقوم بإفراز مادة تذيب ظهر الصرصور كي تشقّ طريقها للأسفل وصولاً للمعدة، وهناك تستكين في الدفء حيث المأوى والغذاء والأمان، حتى تكبر وتخرج للعالم الخارجي.
وللعلم كل هذا يحدث والصرصور المسكين لا يزال حياً خلال جميع تلك المراحل.
يا لها من عبقرية، حشرة لا يتعدى طولها ربع عقلة إصبع، لديها مفاعل كيميائي قادر على مزج مكونات بنسب دقيقة لتصنيع سلاح بيولوجي قادر على شلّ ضحاياه عصبياً، ويترك أطرافه قادرة على الحركة، لكي يستطيع جره لقبره.
بالإضافة لذلك فإنه يمتلك جهاز أشعة فائق الدقة قادراً على كشف أماكن دقيقة في جهاز الضحية العصبي والذي يحتوي على آلاف الخلايا والمُستقبلات العصبية، حتى يصيبها بدقة لا تقتله، ولا تستطيع معها الضحية الهروب.
بعض العلماء طرحوا تساؤلات قد تبدو بعيدة، ولكنها ليست مستحيلة..
وهي ماذا لو أن دبوراً بهذه الدقة والعبقرية حدثت له طفرةٍ ما واستطاع أن يطور حجمه، ماذا سيفعل بنا كبشر؟ ماذا لو استطاع العلماء في المختبرات أن يسخروا قدراته كسلاح بايولوجي في الحروب؟ أي قوة تدميرية سيمتلكون؟ ماذا لو استطاعوا أن يعرفوا مكونات التركيبة وتأثيرها على البشر واستخدموها في إخضاعهم؟
مصادر:
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.