كيف تبتكر فكرة مشروع جديد؟ وما أهمية عامل الوقت؟

تم النشر: 2021/03/25 الساعة 08:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/03/25 الساعة 08:37 بتوقيت غرينتش
ابتكار أفكار مبدعة

قد يظن البعض أن الفكرة الرائعة تأتي للشخص العبقري، الذي يمتلك مزية استثنائية أو مَلكة لا يمتلكها غيره، أو أن الفكرة تأتي كالصاعقة من السماء، بغير مجهود أو قصد، وهذا قد يكون صحيحاً في أحد أبعاده، ولكن الأصح أن صاحب الفكرة الرائعة يستطيع أن يضع نفسه تحت تلك الصاعقة أو في الظروف التي تستوجب استجلابها.

سأقرب المفهوم بنموذج استخدمه مُحاضر في فن صناعة الأفكار.

قام هذا المحاضر بتقسيم طلابه إلى ثلاث مجموعات متساوية، مجموعة ١ ومجموعة ٢ ومجموعة ٣، وكانت كل مجموعة تتكون من ١٠ طلبة تم اختيارهم عشوائياً.

وطلب المحاضر من كل مجموعة أن تعطي مجموعة من الأفكار لمشكلة سيطرحها عليهم على أن يعطي كل مجموعة منهم مساحة زمنية مختلفة، مجموعة ١ سيعطيها دقيقة، ومجموعة ٢ سيعطيها دقيقتين ومجموعة ٣ سيعطيها ٥ دقائق.

ستكتب كل مجموعة أفكارها في ورقة مجمّعة خاصة بالمجموعة، وطالما وقت المجموعة يسمح ستكتب المجموعة كل الأفكار التي تخطر لأفرادها وتتوقف عند انتهاء الوقت.

وبدأ يطرح المشكلة بعد أن وزع ورقة بيضاء على كل مجموعة.

قال المحاضر: "هل تتذكرون حين كنا نجد نقوداً وألعاباً في أكياس الشيبسي والحلويات ونحن صغار؟".

– نعم.

"في تلك الأيام كانت أفضل الألعاب وأقيمها توجد في أكياس حبوب الإفطار (الكورن فليكس) لأنها الأغلى، وحين تكون السلعة أغلى فإنها تسمح بوجود لعبة أقيم، فلن تجد في كيس الشيبسي الذي يباع بجنيه ما تجده في علبة الحبوب التي تباع بثلاثين جنيهاً".

ضحِك أفراد المجموعات.

قال المحاضر: "إليكم المشكلة، تخيلوا أن علب حبوب الإفطار هذه كانت تباع في أمريكا في عصور رعاة البقر، كيف كانت ستكون الألعاب حينها؟ هذه هي المشكلة وأنتم فريق عمل يقترح نماذج لألعاب لتنفذها شركة تصنيع حبوب الإفطار، ابدأوا في طرح الأفكار، وقتكم يبدأ الآن". وضغط على زر في ساعته.

وبدأ أفراد كل مجموعة يتهامسون فيما بينهم بينما أخذ أحدهم الورقة البيضاء وقلماً وأخذ يكتب ما يمليه عليه زملاؤه في سرعة وحرص.

بعد دقيقة أوقف المحاضر المجموعة الأولى، وبعد دقيقتين أوقف الثانية، وبعد ٥ دقائق أوقف الثالثة.

الطبيعي أن المجموعة الثالثة تقترح أفكاراً أكثر من الثانية، والثانية اقتراحاتها أكثر من الأولى، وهو ما حدث، لكن الغريب كان الآتي:

1. الأفكار التي خرجت في أول دقيقة عند كل المجموعات أكثر من الأفكار التي خرجت في ثاني دقيقة في المجموعة الثانية والثالثة وأقل الأفكار عدداً خرجت في آخر ثلاث دقائق عند المجموعة الثالثة، في الحقيقة كانتا فقط فكرتين، ولكنهما كانتا أكثر الأفكار إبداعاً.

2. الأفكار الأولى كانت شبه متكررة عند كل المجموعات، فالثلاث مجموعات كتبوا (مسدس خشبي، حصان، وهكذا)، وهذا بالطبع مبرر ومفهوم لأنه بمجرد التفكير في عصور رعاة البقر تحضُر صورة ذهنية تجبر العقل على إخراجها على الورق وعادة ما تأخذ عملية التفريغ هذه الدقائق الأولى.

أكثر الأفكار إبداعاً كانت آخر فكرة عند آخر مجموعة، فكروا في توزيع قطع مدينة كاملة في علب الحبوب التي توزع في حي أو محل في منطقة بعينها، وأن تكمل هذه القطع بعضها في تكوين مدينة بكل عناصرها، فهذا سيجعل أطفال الحي الذين اشتروا الحبوب يتفاعلون ويتواصلون معاً لتكوين المدينة الكاملة، وهذا سيجعلهم يقولون اسم الحبوب ونوعها ليشتريها زملاؤهم فيشاركوهم متعة التجميع، وقد يشتري الطفل أكثر من علبة ليجمع أكثر من قطعة في هذه الأحجية الكاملة، على أن تكون كل قطعة ممتعة وحدها وقائمة بذاتها لكيلا تُفقد الطفل متعة اللعبة بذاتها ويشعر أنه لم يستفد من هذا العلبة شيئاً، ولكن متعته ستكون أكبر إذا كوّن مع أقرانه باقي المدينة الكبيرة، فتكون القطع مثلاً سيارة إسعاف، وغرفة عمليات، وشرطياً بحصانه، وبرج ساعة، وهكذا.

وتفادياً لتكرار الحصول على نفس اللعبة سيتم توزيع كل القطع على العلب بحيث لا تكون هناك قطع متماثلة في الصندوق الواحد، ويوزع الصندوق على المحل في الحي فيحصل كل طفل على لعبة مختلفة من كل علبة.

كانت هذه الفكرة هي الأكثر تعقيداً وإبداعاً، وجاءت بعد أن فرّغ العقل كل الأفكار السهلة التي يمكن أن يفكر فيها الغير، وأهملها واستمر وأفرغ مجهوده لإخراج الفريد.

من هذا يظهر أن العنصر المؤثر في الفكرة المتميزة هو عنصر الوقت، أو كما يسميه باحثو علم الأفكار (عنصر الاستغراق).

وهذا ما يحدث لنا حين نفكر في أزمة ما مثلاً في شركاتنا، فمثلاً إن عقدنا اجتماعاً لمناقشة مشاكل ضعف المبيعات في الشركة سيقترح الجميع أن الحل هو الدعاية للمنتجات، وإن أخذنا هذا الحل ونفذناه في السوق سنجد أن كل الشركات تقوم بدعاية وسنجد أنفسنا وسط الآلاف من المنتجين نقوم بنفس الشيء.

ولكننا إن استمررنا في التفكير سنصل للعروض، وإذا استمررنا سنصل لبرامج ولاء العميل وإذا استمررنا سنصل لحلول فريدة أكثر، حتى إننا يمكن أن نصل لفكرة منتج يساعد في نقل الشركة كلها نقلة أخرى، كما فكرت محطات الوقود أنها لا تحتاج أن تكون ورش تصليح السيارات والإطارات لتكون هي منطقة الخدمات في المحطات بل أن تكون منطقة الخدمات هي منطقة مشروبات ومطاعم سريعة لأن من يأتون لمحطات البنزين في الأغلب لا يريدون أن يصلحوا سياراتهم بل يريدون مشروباً في بداية يومهم أو نهايته أو وجبة على طريق سفر.

الاستغراق

ومن هنا يظهر الإنصاف في توزيع رزق الأفكار، فهو عنصر يمتلكه الجميع، ولكن للمجتهد فيه أفضلية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بهاء الدين سليمان
كاتب مصري ومستشار في ريادة الأعمال
من مواليد الإسكندرية 1988، حاصل على بكالوريوس هندسة ميكانيكا الميكاترونيات من معهد الإسكندرية العالي للعلوم والتكنولوجيا عام 2010، صاحب مجموعة dots wear وdots space وdots store، كاتب كتاب "بابليو"، مستشار للشركات الناشئة في مجال الملابس الجاهزة والمنتجات المحلية
تحميل المزيد