تخيل معي أن تستيقظ في أحد أيام الشتاء الباردة لتجد الشوارع وأسطح المنازل والأشجار مغطاة بالثلوج، إذا كنت من محبي الشتاء فسيكون الثلج الأبيض مصدر بهجة وسعادة لك بالتأكيد، لكن ماذا إن كانت تلك الثلوج قرمزية اللون؟ الثلج الأحمر ليس ضرباً من ضروب الخيال، فهو ظاهرة حقيقية ذُكرت بكتب التاريخ ولُوحظت كذلك في العصر الحديث، لكن لا داعي للقلق، إذ لم يتم رصدها سوى في المرتفعات الثلجية الشاهقة، بمعنى آخر لن تشاهدها يوماً في الشوارع أو التلال القريبة من منزلك.
تعرّف معنا أكثر على أسباب الثلج الأحمر وخصائصه:
الثلج الأحمر.. ظاهرة لوحظت منذ قرون خلت
هل تساءلت مسبقاً عن سبب اللون الأبيض للثلوج؟ ببساطة، لأن البلورات التي تُشكِّل كتل الثلج تعكس كل ألوان الطيف المرئي ثم تفرقها، وعندما ترتد أشعة الشمس عن تلك البلورات تمتزج ألوان الطيف معاً وتمنح الثلج لونه الأبيض.
ورغم أن ما ورد أعلاه يعتبر حقيقة علمية ثابتة، فإن الطبيعة تستطيع مفاجأتنا دائماً.
تحدَّث العالِم الروماني بلينيوس الأكبر، الذي عاش من عام 23 إلى 79 في أحد كتبه عن ثلج أحمر اللون شاهده بعض المسافرون القدامى.
وافترض بلينيوس الأكبر آنذاك أنَّ لون الثلج يتغير بمرور الوقت، مثل قطعة الحديد التي قد تصدأ ويتغير لونها مع مرور الوقت والتعرض للعوامل الخارجية.
شتاء بلونٍ أحمر.. ما بين التاريخ والعصر الحديث
بلينيوس الأكبر ليس الوحيد الذي تحدث عن الثلج الأحمر، فقد ورد ذكره أكثر من مرة في كتب التاريخ والعلوم، وقد أثار هذا الثلج المصطبغ باللون القرمزي هلع الناس في القرون الوسطى.
وفي العصر الحديث تحدث عنه بإسهاب البروفيسور في جامعة ولاية أريزونا، راندال سيرفيني، في كتابه الذي يروي قصص المناخ الغريبة والمثيرة للاهتمام، والذي يحمل اسم "Freaks of the Storm- غرائب العاصفة".
كما عُثِر على الثلج في الحديقة الوطنية الجليدية الأمريكية، ببركة من المياه الحمراء، تبين أنها كانت غطاءً جليدياً قرمزياً ثم ذاب، وذلك في عام 2018، أي أن هذه الظاهرة ليست حدثاً تاريخياً فحسب.
لكن هل من تفسير علمي لتلك الظاهرة؟
في بعض الحالات يُسهم الغبار القرمزي في تشكل ظاهرة الثلج الأحمر كما يقول سيرفيني، ويضيف: "يرتبط (الثلج الدموي) الذي ظهر في الماضي في أوروبا باختلاط الرطوبة بالغبار الصحراوي الأحمر الذي يتناثر شمالاً إلى أوروبا، ويتساقط بعد ذلك إما على شكل أمطار أو بلورات ثلجية حمراء".
إلى جانب الغبار القرمزي من الممكن أن تسبب الطحالب كذلك ظاهرة الثلج الأحمر وفقاً لما ورد في موقع HowStuffWorks الأمريكي.
ينتج الثلج الأحمر عموماً عن أنواع معينة من الطحالب الخضراء، بما في ذلك نوع كلاميدوموناس الثلجي، وتعيش هذه الكائنات في حقول ثلجية شاهقة الارتفاع في مختلف أنحاء العالم.
وعلى الرغم من كونها خضراء اللون فعلياً، فإنها تُنتِج صبغة حمراء خلال المواسم الدافئة؛ ما يساعد في حمايتها من الإشعاع الشمسي المفرط.
وتقول عالمة الأحياء أروين إدواردز إن هذه الكائنات تدخل في وضع سبات خلال فصل الشتاء، وبحلول الربيع تشق طريقها نحو سطح الثلج وتزدهر.
لكن لكي تنمو، تحتاج إلى ماء سائل. وتقول أروين: "عندما تكون الخلايا الطحلبية في الثلج الرطب تكون قادرة على السباحة وإتمام عملية التمثيل الضوئي بسهولة". وهذا سبب آخر يجعل الصبغة الحمراء مفيدة جداً.
إذ تمتص الأجسام ذات الألوان الداكنة حرارة أكثر من الأجسام الفاتحة.
وفي الحقول الثلجية، حيث توجد طحالب الكلاميدوموناس، نجد مجتمعات كثيفة من الكائنات الحية الدقيقة. ويمكن أن يحتوي المليمتر الواحد من الثلج على 500000 من أشكال الحياة هذه.
لذلك عندما تبدأ مجموعة كبيرة من الطحالب في إطلاق الصبغة الحمراء جماعياً، فإنها تجعل الثلج الذي تعيش فيه ذا لون وردي مائل إلى الحمرة.
الثلج الأحمر برائحة البطيخ
أبرز ما يميز الثلج الأحمر إلى جانب لونه الجميل بكل تأكيد هو رائحته التي تشبه إلى حد كبير رائحة البطيخ، وهي في الغالب رائحة الصباغ الذي تنتجه الطحالب.
ومن الممكن ملاحظة هذه الظاهرة في بعض الأماكن شديدة البرودة مثل القطب الشمالي، وجبال الألب، وكذلك في القارة القطبية الجنوبية، وفقاً لما ورد في موقع Independent.
لكن هل تعتبر ظاهرة الثلج الأحمر ظاهرة طبيعية أم مثيرة للقلق؟
كيف تؤثر طحالب الثلج الأحمر على المناخ؟
في عام 2016، نشرت مجلة Nature تقريراً توصل فيه العلماء لنتيجة مفزعة بعد فحص 40 عينة من الثلوج الحمراء.
وتقول أروين: "إنَّ ورقتنا البحثية هي الأولى بين أوراق عديدة رصدت تسارعاً بنسبة 5 إلى %15 في معدلات ذوبان الأنهار الجليدية نتيجة لوجود الطحالب على سطح الأنهار الجليدية، وهو تأثير بيولوجي سيئ".
بعبارة أخرى، يذوب الغطاء الجليدي بنسبة 5 إلى 15% بسرعة أكبر عند وجود الكلاميدوموناس أو أنواع مماثلة من الطحالب التي تسبب الثلج الأحمر، وهذه ليست أخباراً جيدة.
لماذا؟ ببساطة، نتيجة اللون الداكن للثلج والذي يسببه صباغ تلك الطحالب، يمتص الثلج المزيد من الإشعاع الشمسي؛ ما يزيد من احتباس الحرارة وذوبان الثلج، ويُسهم بالتالي في تغير المناخ العالمي الحاصل بسبب الاحتباس الحراري.