يعتقد الأطباء أنه وبسبب التزام معظم الناس بإجراءات الوقاية مثل التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات وتعقيم اليدين بشكل منتظم فقد تأخرت موجة الإنفلونزا لهذا العام، لكن في المقابل لا تزال أعداد المصابين بفيروس كورونا المستجد تتزايد في مختلف أنحاء العالم.
مع ذلك قد ترتفع أيضاً أعداد المصابين بالإنفلونزا التي تبلغ ذروتها عادة في منتصف فبراير/شباط كل عام، الأمر الذي يجعل حدوث "جائحة مزدوجة" وارداً للغاية هذا الشتاء.
مخاطر الجائحة المزدوجة
مثلما حذَّر خبراء الأمراض المعدية، فمن شأن حدوث جائحة مزدوجة أن يفرض مزيداً من الضغوط على نظام الرعاية الصحية الذي يعاني بالفعل بسبب تزايد مرضى كورونا.
وقد يمرض جزء كبير من السكان بأحد الفيروسين (الإنفلونزا أو كورونا) نتيجة العدوى في غضون أسابيع أو أشهر قادمة، أما سيئو الحظ فقد يلتقطون العدوى بالفيروسين معاً في وقت واحد، كما ورد في موقع Huffpost الأمريكي.
وبالفعل، أُصيب عدد قليل من الأشخاص في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين بفيروسي كورونا والإنفلونزا معاً.
ومع أن البيانات محدودة بشأن كيفية تفاعل الفيروسين مع بعضهما البعض وتأثيرهما معاً على الجسم، فإن الدلائل الأولية تشير إلى أن أولئك الذين يصابون بكلا الفيروسين يواجهون وضعاً أصعب.
كيف لأحدهم أن يُصاب بكلا الفيروسين في وقتٍ واحد؟
أول ما يجب معرفته عن الإصابة المزدوجة بفيروسي كورونا والإنفلونزا هو أن الأمر ممكن لأن الفيروسين يرتبطان بمناطق مختلفة من الجسم.
فهما لا يتنافسان مع بعضهما البعض حين يتعلَّق الأمر بإصابة خلايانا.
ووفقاً لدين وينسلون، اختصاصي الأمراض المعدية لدى مركز "Stanford Health Care" (مركز ستانفورد للرعاية الصحية)، تشير بعض الدلائل حول الإصابة المزدوجة بكورونا والإنفلونزا إلى وجود فرصة صغيرة يمكن لعدوى فيروسية فيها أن تمنع عدوى فيروسية ثانية من النجاح بإصابة خلايانا.
لكن بحسب ما قال وينسلون لموقع Huffpost الأمريكي، فإن هذه "الفرصة صغيرة للغاية ولا يمكن التنبؤ بها".
لذا في حين قد يتجاوز بعض الأشخاص عدوى مزدوجة إذا كان التوقيت مناسباً تماماً، قد لا يكون آخرون محظوظين بنفس القدر.
وقال وينسلون إنه من غير الواضح كذلك ما إن كانت هذه الحماية توجد فقط بين سلالات الإنفلونزا، أم أنها تظل موجودة مع فيروسات أخرى مثل فيروس كورونا.
العدوى المزدوجة غالباً ما تقود إلى نتائج أسوأ
الاعتقاد السائد هو أنَّ العدوى المشتركة بكوفيد 19 والإنفلونزا قد تكون مدمرة.
قال ماثيو هاينز، وهو طبيب باطني يعالج مرضى كوفيد 19 في مدينة توسون بولاية أريزونا الأمريكية، إنه عالج العديد من المرضى المصابين بعدوى مزدوجة من الإنفلونزا وفيروسات أخرى شائعة من سلالة كورونا في الماضي.
وصرَّح هاينز لموقع Huffpost قائلاً: "كانت حالة أولئك المرضى أسوأ، واستغرقوا وقتاً أطول للتعافي".
تشير البيانات المبكرة إلى أنَّ الأمر نفسه ينطبق على كوفيد 19.
فوجدت دراسة من المملكة المتحدة أنَّ الأشخاص المصابين بعدوى مزدوجة عادةً ما كانت النتائح أكثر سوءاً بالنسبة لهم.
فخطر الوفاة على سبيل المثال كان مضاعفاً لدى أولئك المصابين بعدوى مزدوجة مقارنةً بالمرضى المصابين بكوفيد 19 وحده (وكان خطر الوفاة أكبر بستة أضعاف مقارنةً مع غير المصابين بأي من الفيروسين).
وكانوا أيضاً أكثر حاجة لدخول وحدة الرعاية المركزة ولاستخدام جهاز تنفس. ونشر باحثون في الصين وإيران نتائج شبيهة.
ويمكن أن تضر الإنفلونزا الجسم على نحو شبيه بكوفيد 19، فكلاهما يسبب تراجع مستويات الأوكسجين في الدم، ومشكلات تنفسية، والتهابات.
قال وينسلون: "في الحقيقة، كل سلالات الإنفلونزا وكورونا المستجد من الممكن أن تتسبب في عدوى مميتة. والإصابة بكلا العدويين في نفس الوقت من الممكن أن يجعل رد الفعل الالتهابي أسوأ بكثير".
ويُتوقَّع أن يكون الخطر أكبر بين الأشخاص الأكثر تأثراً بأيٍّ من الفيروسين، مثل كبار السن وأصحاب الحالات الصحية الكامنة مثل السمنة والسرطان وأمراض الرئة.
الاستجابة المناعية قد لا تنجح مع كليهما
ووفقاً للأطباء، هناك استجابتان مناعيتان، عامة ومحددة، يتبعهما الجسم لمحاربة أي عدوى فيروسية. ومن الناحية النظرية، قد تكون هذه الاستجابة المناعية العامة قادرة على مقاومة الفيروسات الأخرى إلى حدٍّ ما.
فبمجرد زيادة نشاط (الاستجابة العامة)، بإمكانها تخفيف حدة عدوى ثانية مزدوجة.
لكن للأسف، قد لا تكون هذه الاستجابة المناعية العامة كافية لدى بعض الناس. ولن تكون الاستجابة الأكثر تحديداً، التي ينتجها جهازنا المناعي خصيصاً لكل فيروس بعينه، فعالة في محاربة مسببات الأمراض الأخرى.
قال هاينز: "ما يستخدمه الجهاز المناعي مع فيروس لا ينجح مع فيروس آخر، لذا عليه أن يكتشف طريقة للتعامل مع الاثنين. ومن المرهق للغاية للجهاز المناعي محاربة مرضين تنفسيين شديدين وعدوانيين في نفس الوقت".
اخضعوا لاختبار كلا المرضين هذا الموسم
ولأنه قد يكون من السهل إغفال إحدى العدويين أو تشخيص إحداهما خطأً على أنها الأخرى، من المهم للغاية الخضوع لاختبار كلا العدويين، خاصة أن علاجات كوفيد 19 والإنفلونزا مختلفة للغاية
قال هاينز: "معرفة أنَّ شخصاً ما مصاب بعدوى مزدوجة، ومعرفة الأثر الذي يتركه ذلك على حالة المرض ومعدل الوفيات، ومسار المرض بكامله، كل هذا يجعل المريض أكثر مُبادَرة وأسرع في التحرك".
لا يزال الأطباء يجمعون البيانات بشأن العدوى المزدوجة. ومع انطلاق موسم الإنفلونزا للتو، يشك الباحثون في أنَّ حالات العدوى المزدوجة المُسجَّلة أقل من الواقع.
وفيما نتجه نحو الأشهر الأكثر برودة، سنرى صورة أوضح لكيفية تطور العدوى المزدوجة لدى الأشخاص المختلفين.
وفي الوقت الراهن، يقول خبراء الصحة إنَّ أفضل طريقة لتجنب كلا العدويين هي مواصلة اتباع كافة التوصيات الخاصة باحتياطات السلامة في ظل الجائحة.