كتب محرر مجلة Forbes، مايكل نوير، مقالاً بعنوان "Don't marry career women"، يتحدث فيه عن مناقم الزواج من امرأة ذات تعليم عالٍ وطموح مهني لا يتوقف.
كان النص المنشور في المجلة الشهيرة ملفتاً للانتباه بحق. إذا كنت للنص قارئاً فإنه يعطيك انطباعاً أولياً بمخاطر الزواج من المرأة المتعلمة والعاملة. وقد يحدث أن يحفز نفسك إلى توسل الزوجة المحظية، ربة المنزل.
أما إذا كنت منه قارئاً ناقداً فسيذكرك المقال بما قالته فاطمة المرنيسي في كتابها الموسوم "شهرزاد ترحل إلى الغرب"، والذي تحدثت فيه عن ذلك الشوق الذي يكتنف بطانة الرجل الغربي إلى الحريم، فلا يشفي غليل ما يبغيه سوى زيارة المتاحف الاستشراقية المتناثرة في أصقاع أوروبا، ليتأمل لوحات حريم الحقبة العثمانية. ولا أشك أن كثيراً من رجال الغرب، وإن كانوا لا يمثلون السواد اﻷعظم، ليغبطون رجال العرب أيما غبطة، ولهم من الموروث الثقافي ما يبرر ذلك ويلطفه.
يستعرض نوير في مستهل محاججته: "وجدت الدراسات الحديثة أن المرأة العاملة، معرضة أكثر للطلاق، والسقوط في الخيانة، والنفور من الإنجاب، كما أنها تكون عرضة للتعاسة".
بتلك الكلمات، يصوب نوير سهام المسؤولية واللوم على المرأة داخل مؤسسة متعددة اﻷطراف والعوامل مثل الأسرة، ويتلاعب بمقصد الدراسات المفترضة ونتائجها. إن شهدنا ارتفاعاً لمعدل الطلاق لدى الزوجات العاملات، فلا يعود ذلك بالضرورة إلى عمل المرأة. إنما إلى العلاقة الزوجية ذاتها، وتصور الزوجان لأدوار ومسؤوليات بعضهما البعض، وطريقة تدبيرهما للحياة اليومية.
كما ترتفع قدرة المرأة العاملة، على عكس غير العاملة، على طلب الطلاق دونما خوف من العواقب الاقتصادية بالمقام الأول، والاجتماعية بالمقام الثاني، والتي قد تعترضها بعد الانفصال، إذ تتمتع المرأة العاملة باستقلالية اقتصادية تمنحها براحاً اجتماعياً وسلطة في محيطها.
أما فيما يخص الخيانة، فلا أدري كيف يمكن ربطها بعمل المرأة أو قعودها، الخيانة مرتبطة بعوامل أخرى، مثل عدم الرضى على الحياة الزوجية، ولهذا أبعاد متعددة (عاطفي، جنسي، مادي..)، وسياقات أخرى. ولو افترضنا ارتفاع معدلات خيانة المرأة العاملة لاحتكاكها اليومي بالرجال في العمل، لكان الرجل أكثر خيانة ومدعاة للشك من الزوجة لانخراطه الكامل في العمل والحياة الاجتماعية. ولو قبلنا بذلك الافتراض لضاعت الثقة بين الزوج والزوجة والأب والبنت والأخ والأخت وتقطعت أواصر المجتمع بأكمله.
. "كلما كانت [الزوجة] أكثر نجاحاً، زاد احتمال عدم رضاها عنك".
لماذا عدم الرضى؟ وهل هو مرتبط بالضرورة بالنجاح التي تحققه الزوجة في ميدان العمل، أم بعناصر داخلية في العلاقة الزوجية؟
أولاً، ومن حيث المبدأ، لا يليق بالرجل الشكوى من تفوق المرأة على الرجل في ميدان مثل العمل. ثانياً، لا يقبل العقل تحميل طرف واحد، الزوجة الناجحة عملياً في هذه الحالة، مسؤولية فشل الزيجة. لا يمكن حصر فشل أي مشروع، زواج أو غيره، في سبب واحد أو تحميل مسؤولية الإخفاق لطرف واحد.
. "طبعاً ثمة نساء عاملات كثيرات يعشن حياة سعيدة ومثمرة، المشكل فقط أنهن أقل سعادة من النساء غير العاملات".
هذا حكم قيمي آخر، نسمعه عن المرأة منذ ولجت ميدان العمل. وكغيره من الملاحظات يقدم المرأة في الواجهة دوماً، ويجعلها قطب الرحى الذي تدور حوله كافة الانعطافات غير المحسوبة. لكن لنذكر بشيء، إن المرأة التي تعمل تتضاعف مسؤولياتها أكثر، وتزداد ضغوطها أكثر، وذلك طبعاً لا ينجيها من مزاولة الدور التقليدي الذي هو العمل البيتي. وفي ذلك طبعاً هيمنة مزدوجة عليها، خارج المنزل وداخله. لكن التعميم بأن النساء غير العاملات أكثر سعادة من النساء العاملات أمر لا يقبله عقل ولا يجيزه المنطق. كل أسرة، كل زوج وزوجة، لهم ظروفهم الخاصة، اجتماعياً واقتصادياً وعاطفياً. كما أن كل تجربة زوجية، تمر بتقلبات ومنعطفات فريدة عن أي تجربة أخرى، صمود الزيجة والأسرة يعتمد على قدرة الرجل والمرأة في الصمود في وجه منعطفات الحياة سوياً وقدرتهم على توليد السعادة في أسرتهم رغم كل الظروف. وتلك السعادة المنشودة مسؤولية مشتركة، بل يجب على رب الأسرة الأخذ بزمام المبادرة والبحث عن السعادة لزوجته.
. "كلما زاد راتبها عن زوجها صارت أقل سعادة، وكذلك زوجها".
المسألة ليست بتلك البساطة. التفاوت في الرواتب بين الزوجين لا يشكل مشكلة، الذي يشكل مشكلة طبيعة العقد الاجتماعي الذي يربط بينهما، أي طرق الإنفاق، نمط العيش، التفاوت المادي بين الأسرتين قبل الزواج وأثناءه. الجانب اﻷقرب إلى الصواب في تلك الملاحظة هو أن الزواج في أغلب المجتمعات يتم على أسس التماثل الطبقي (Homogamy)، بحيث يكون الشريكان قريبين إلى بعض من الناحية الاجتماعية والمهنية. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن الترقية المادية للزوجة سوف تفضي إلى الطلاق، لأنه ثمة عوامل ذات طبيعة ثقافية واجتماعية وعاطفية وجنسية تؤثر في مسار الزواج الذي هو محصلة لكافة تلك العوامل.
"إذا كانت زوجتك تشتغل خارج البيت، فإنه من المحتمل أن تجد شخصاً أفضل منك".
إذا افترضنا أن الزوجة، أي زوجة، لا قدر الله، وجدت شخصاً أفضل من زوجها، فهذا لا يعني شيئاً آخر غير أن الزوج نفسه عجز عن تلبية الحاجات الزوجية المطلوبة، ليس لعيب في الزوج نفسه، ولكن لخلل جسيم في العلاقة الزوجية. وتمام الشيء ينطبق على الزوجة أيضاً. لا ينبغي صياغة الأسباب والحجج على مدار الزوجة دونما التطرق للسياق الذي يجمل العلاقة كلية.
ماذا تقول الدراسات؟
هل أتاك حديث الدراسات التي تثبت أن تواجد الزوجين في العمل، يقلل من فرصة التلاقي الروتيني بينهما، ومن ثم يقلص من احتمالات التوتر والمشاحنات ومن ثمة كل المشاكل التي تفضي إلى الشقاق.
ثمة الكثير من الدراسات التي تثبت أنه كلما تعلمت المرأة أكثر قل ميلها إلى الطلاق أكثر من المرأة غير المتعلمة .
كما أن الزيجات ذوات الدخل المزدوج، أي التي يشتغل فيها الزوجان، تمتلك فرصة الاستدامة والاستقرار أكثر من أي نوع آخر من الزيجات. وأن النساء العاملات أقل عرضة للطلاق بنسبة تتراوح من 5 إلى 6% مقارنة مع النساء غير العاملات.
نظرة على المغرب
مجمل القول أن كاتبي مثل تلك الأفكار ومروجي تلك الخرافات، دون أسانيد علمية، يحفزون هرمون الذكورة لدى الشباب فيعاد تدوير الفكرة ولكن بنهكة دينية. المشكلة أن هذه المقولات والأطروحات، القائمة على قلب اﻷسباب نتائج والنتائج أسباباً، تدفع بالمرأة إلى فوهة البركان، محملة إياها مسؤولية التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها العصر الحالي.
في بلدي المغرب، يؤمن معظم الشباب أن دور المرأة منزلي، وأن الرجل وحده له إمكان العمل وسدة القرار. وهذا ما أثبته مسح إحصائي أجري سنة 2018 بجهة الرباط -سلا-القنيطرة. بل بين المسح أن 77% من الذكور يعتقدون أن لهم وصاية تامة على الإناث. بينما يعتقد 62% أن على الرجل أن يكون شديد التعامل مع زوجته. ويؤمن 62% من الشباب أن على المرأة أن تتحمل عنف زوجها حفاظاً على العائلة. الظاهرة عامة، تتجاوز حدود وضيق البلدان والثقافات، والاعتقادات الذكورية لا تزال متجذرة في اﻷذهان، بحيث لا تزال تبرحها رغم التقدم المشهود في ثقافة الاتصال والاحتكاك بالثقافات والقيم الكونية.
الخلاصة
إن خروج المرأة إلى العمل واستقلالها المادي، رفع من قدرتها التفاوضية في المجال الخاص (اﻷسرة) في المجال العام (العمل، والحقلين الحقوقي والسياسي)، هذا طبعاً كان وما زال على حساب السلطة التقليدية للذكر، التي تتأسس على الوصاية والهيمنة بل والاستغلال. وإذا كانت اﻷسرة من المؤسسات التي تأثرت بتلك التحولات، فهذا لا يعني بالضرورة ربطها بالمرأة، والعودة إلى الحجة الدائرية القائلة: "لولا عملهن لما وصلنا إلى هذا الحد". لأن بتلك الحجة نغفل مسؤولية الزوج، ومشاكل التكيف. لكن السؤال الحق، هو هل يظفر المغاربة بحياة زوجية هانئة، بغض النظر عن عمل المرأة؟
يقول الباحث عبدالصمد الديالمي إنه "من النادر أن نعثر في مجتمعنا على شريكين يتوسلان بحياة مشتركة، فلا وجود لحياة زوجية إلا بالمعنى الضيق. فمن العادة أن يخرج الزوج قاصداً أصدقاءه، أو قاصداً مطعماً أو مقهى دون زوجته". وهذا يجعلنا نعيد النظر، فكراً وممارسة، في مجمل سلوكياتنا الزوجية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.