أغلب ماركات التجميل والأزياء العالمية أسسها نساء أو رجال عاشقون للموضة والجمال، لكن لا تنطبق هذه القاعدة على ماركة لوريال "L'Oréal" الشهيرة؛ إذ تأسّست على يد كيميائي شغوف بالعلوم وذي نشاط سياسي داعم للنازية.
سنروي لكم قصة تأسيس لوريال، وكيف تحوّلت من فكرة خطرت ببال كيميائي طموح إلى شركة تحقق أرباحاً بمليارات الدولارات سنوياً:
تأسيس شركة لوريال L'Oréal
عندما بدأ العالم الكيميائي الشاب "يوجين بول لويس شويلر" تجاربه في مختبره المتواضع في باريس، لم يكن يدري أنه على وشك تأسيس ما ستصبح أكبر شركة لمستحضرات التجميل في العالم دون منازع.
كانت البداية في العام 1919، عندما تمكّن الكيميائي الفرنسي ذو الأصول الألمانية من تطوير صيغة مبتكرة لصبغ الشعر، أطلق عليها اسم "لوريال" تيمناً باسم تسريحة شعر كانت رائدة في فرنسا آنذاك.
فكّر يوجين بأن يبدأ مشروعاً تجارياً انطلاقاً من الصبغة المطورة التي تمكّن من الوصول إليها بعد العديد من التجارب، وبدأ ببيع منتجه لمصفّفي الشعر في باريس.
وبعد فترة قصيرة من نجاحه والإقبال الشديد على الصبغة التي طوَّرها، قام بتسجيل شركته التي سمّاها في البداية Société Française de Teintures Inoffensives pour Cheveux، أي "شركة صبغ الشعر الآمن الفرنسية"، والتي أصبح اسمها فيما بعد L'Oréal.
وقد كان المبدأ الأساسي الذي تعمل الشركة على تطبيقه هو البحث العلمي والابتكار في مجال التجميل، الأمر الذي ميّزها بشدة عن الشركات الأخرى.
لوريال.. شركة الكيميائيين
بدأت الشركة بثلاثة كيميائيين إلى جانب مؤسسها يوجين شويلر، وبحلول عام 1950 باتت عدد الكيميائيين الباحثين في الشركة يتجاوز الـ100 شخص.
وبعد وفاة شويلر استمرت الشركة في النمو والازدهار، لتضمّ ألف كيميائي بحلول عام 1984، واليوم يتجاوز عدد أفراد فريق العمل 82 ألفاً.
لوريال إبان الحرب العالمية الثانية
قبل الحرب العالمية الثانية لم تكن شركة لوريال مجرد شركة تجميل تهتم بتطوير صبغات الشعر والمنتجات التجميلية الأخرى، بل كانت كذلك مقر اجتماعات سرياً لجماعة La Cagoule "كاغول" المؤيدة للنازية.
وقد كانت كاغول مجموعة فاشية فرنسية مناهضة للشيوعية، استخدمت العنف للترويج لأنشطتها من عام 1935 إلى عام 1941، وقد كان هدفها هو إسقاط الجمهورية الفرنسية بقيادة حكومة الجبهة الشعبية المؤلفة من تحالف عدة مجموعات يسارية.
وقد دعمهم شويلر مؤسس ماركة لوريال مالياً، إلى حدٍّ كبير، كما جعل من شركته مقراً لاجتماعاتهم السرية، إلا أنَّ الشرطة الفرنسية استطاعت إلقاء القبض على مؤسسي الحركة والكثير من رجالها، وقد تم إطلاق سراح بعضهم خلال الحرب العالمية الثانية للمشاركة في القتال.
أما "لوريال" فقد عادت لتمارس نشاطاتها كشركة للصناعات التجميلية فحسب، بعد انتهاء الحرب، وقد بات عدد من أعضاء سابقين في مجموعة "كاغول" مديرين تنفيذيين في الشركة.
تطور شركة لوريال
بعد الحرب العالمية الثانية استقرت شركة لوريال بشكل أكبر، وبدأت أعمالها في الازدهار، وسرعان ما ازدادت أعداد موظفيها، ولم يتهاون ورثة الشركة بعد وفاة شويلر، واستمروا في تطويرها، لتشمل منتجاتها صبغات الشعر ومنتجات العناية بالبشرة والحماية من الشمس والمكياج والعطور ومنتجات العناية بالشعر.
اليوم تملك الشركة 6 مراكز أبحاث وتطوير عالمية، اثنان منها في فرنسا، والباقي في الولايات المتحدة واليابان والصين والهند.
وقد توسّعت لوريال لتسيطر على عدد من الشركات الأخرى الرائدة في مجال البحث الكيميائي والتجميل، حتى إنها اشترت في العام 2006 شركة مستحضرات التجميل The Body Shop الشهيرة، وتقوم حالياً بتسويق أكثر من 500 علامة تجارية وآلاف المنتجات الفردية في جميع قطاعات الأعمال التجميلية.
متحدثات رسميات باسم لوريال وجوائز لتحفيز النساء الباحثات في مجال العلوم
في العام 2015، أصبحت عارضة الأزياء الكورية "سو جو بارك" أول متحدثة رسمية باسم لوريال من أصول آسيوية.
وقد كانت الممثلة الهندية الشهيرة أشوارايا راي المتحدثة الرسمية باسم الماركة منذ عام 2003، فيما أصبحت الممثلة الأمريكية فيولا دافيس متحدثة باسم لوريال منذ العام 2019.
ومن الجدير بالذكر أن الشركة أسّست جوائز L'Oréal-UNESCO للنساء الباحثات في مجال العلوم، وذلك لتشجيع الباحثات البارزات اللواتي أسهمن في التقدم العلمي.
لوريال والبيئة
تعتمد لوريال حديثاً خططاً جديدة في عملها، تهدف من خلالها إلى الحفاظ على البيئة وإنتاج المستحضرات المستدامة.
ففي عام 2009، أعلنت لوريال عزمَها خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، مثل ثاني أكسيد الكربون، من خلال استخدام الطاقة الشمسية والغاز الحيوي والكهرباء والمياه الساخنة، المنتجة من احتراق غاز الميثان المستخرج من النفايات الزراعية.
ومنذ عام 2012، بدأت الشركة تعلن عن مستويات أقل من الانبعاثات الغازية الناتجة عن فروعها، وكذلك استهلاك أقل للمياه وإنتاج أقل للنفايات، وحرصت على استخدام مواد خام غير مضرة بالبيئة، وتستثمر حالياً في إجراء بحوث لإيجاد بدائل عن اختبارات المنتجات على الحيوانات.