هل شاهدت يوماً شخصاً يضحك في عزاء؟ هو لا يقصد الإهانة.. فلماذا نضحك في المواقف الحزينة إذاً؟

مَن شاهد فيلم "الكيف" يتذكر جيداً مشهد الضحك الهستيري للدكتور صلاح أبو العزم (يحيى الفخراني) خلال العزاء. وأراهنك أنك أو أحد معارفك تكرَّر معه هذا المشهد، ولم يستطع منع نفسه من الضحك أثناء جنازة أو موقف ما سيئ لا يتحمل الضحك. لكن لماذا نضحك في المواقف الحزينة؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/06/29 الساعة 15:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/29 الساعة 15:13 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية - iStock

– حضرتك جاي تعزي ولا جاي تهرج؟

– لأ، أنا جاي أهرج.

مَن شاهد فيلم "الكيف" يتذكر جيداً مشهد الضحك الهستيري للدكتور صلاح أبو العزم (يحيى الفخراني) خلال العزاء. وأراهنك أنك أو أحد معارفك تكرَّر معه هذا المشهد، ولم يستطع منع نفسه من الضحك أثناء جنازة أو موقف ما سيئ لا يتحمل الضحك. لكن لماذا نضحك في المواقف الحزينة؟

لماذا نضحك في المواقف الحزينة؟

يبدو أنك لست وحدك الذي تُحوِّل المواقف الغاية في الجدية إلى مواقف مضحكة، أو هكذا قال علماء النفس عن تكرار هذا الأمر مع كثير من الأشخاص، وإن تغيَّر من شخص لآخر، ومن موقف لآخر.

فأحياناً نضحك في المواقف الحزينة؛ في محاولة للهرب من المشاعر السلبية، وعدم رغبتنا في التعمق والانخراط بهذه المواقف، لذا نلجأ إلى الضحك، وفق تفسير المستشار النفسي كيلي هوبكنز-ألفاريز لمجلة Reader's Digest الأمريكية.

قد يحدث هذا الأمر بوعيٍ من الإنسان وتعمُّد للهرب من المشاعر السلبية أو بشكلٍ غير واعٍ، فيكون طريقةَ دفاع نفسية من العقل لمكافحة انخراطه في هذه المشاعر، وفق تفسير جوردن رين، باحث الدكتوراه في "النطق الصوتي غير اللفظي" بجامعة ساسكس البريطانية، لموقع Vice

الضغط النفسي قد يكون مُحركاً عاطفياً كبيراً يزيد من هستيريا الضحك، وعندها يكون الضحك محاولة للتخلص من التوتر، ما يفعله جسدك بشكل واعٍ أو غير واعٍ له تفسير علمي، فعندما يضحك الإنسان فإن إفراز هرمون الإجهاد الكورتيزول (Cortisol) يقل، كما يخف الشعور بالألم الجسدي.

كذلك قد يكون الضحك وسيلة العقل الباطن ليقنعك من خلالها بأن كل شيء على ما يرام ويهدئ من مخاوفك، خاصةً مع الأحداث التي قد تشكّل صدمة أو خوفاً كبيراً، وهذا قد يتكرر مع كثيرين منا عند مشاهدة برامج المقالب والأفلام التي يتعرض فيها أبطالها للعنف والأذى.

ففي ستينيات القرن الماضي، أجرى عالم النفس الأمريكي ستانلي ميلغرام تجربة لتفسير سبب ضحك الناس على من يعانون الألم، حيث شاهد الشخص في التجربة شخصاً آخر لم يكن يعرف بالتجربة بينما يتعرض لصدمة (لم تكن الصدمات حقيقية)، وعندما رد الأخير بالصراخ، لاحظ ميلغرام أن العديد من المشاركين في التجربة ضحكوا بإفراط، وهو ما سماه الضحك العصبي؛ أي الضحك من فرط التأثر العصبي والانفعال مع حدث مثير للتوتر، والذي قد يكون بدافع حماية أنفسنا من تصديق الطبيعة الحقيقية لما نشهده. 

قد نضحك في المواقف الحزينة، لأنه ببساطةٍ "الممنوع مرغوب"، فإذا كانت هناك رقابة مجتمعية تمنع الضحك في موقف معين، ربما يجد أشخاص مبرراً لأنفسهم للضحك، كما استعرض رائد التحليل النفسي سيغموند فرويد، في كتاب "النكتة وعلاقتها باللاوعي-Wit and its relation to the unconscious"، فالضحك عند فرويد بمثابة تنفيس للطاقة أو الضغط الواقع على الإنسان.

لكن الضحك الهستيري قد يكون مرَضياً

هناك مصطلح في علم النفس اسمه "التأثير البصلي الكاذب-Pathological laughter and crying(PBA)"، وقد يسبب ضحكاً أو بكاء هستيرياً في وقت غير مناسب، ويرجع ذلك إلى مشكلة عصبية سواء كانت مؤقتة مع الموقف، أو عامة.

عندها يحدث خلل في المسارات التي تربط مناطق معينة من الدماغ -القشرة الدماغية- المسؤولة عن تقييم المعلومات حول حدث ما (ومن ثم نوع الاستجابة المناسبة) والمخيخ، الذي يساعد على تنظيم هذه الاستجابات العاطفية.

وبالنسبة للأشخاص الأصحاء -غير المصابين بأمراض عصبية- يمكن أن يصابوا بهذا الاختلال بشكل مؤقت، مع بعض الأحداث التي لا تستطيع القشرة الدماغية مواكبة الضغط الزائد على الأعصاب الحسية بها، فيحدث خلل في الاتصال بالمخيخ؛ ومن ثم تقييم الاستجابة العاطفية المناسبة.

إذا كنت شاهدت فيلم Joker فستتذكر كيف كان آرثر فليك (الممثل الأمريكي خواكين فينيكس) يتعرض لمواقف محرجة وأحياناً خطيرة، بسبب ضحكه في مواقف لا تستدعي الضحك، لكن في هذه الحالة تحديداً كان الضحك نتيجة "الاختلاج أثناء نوبة صرع، وهو نوع نادر للغاية من النوبات. تشير التقديرات إلى أنه يمثل 0.2% من إجمالي نوبات الصرع.

السبب الأكثر شيوعاً لهذا النوع من الصرع "هو ورم صغير في منطقة ما تحت المهاد، نطلق عليه اسم الورم الوعابي الوطائي، لكن يمكن أن يكون نتيجة مسببات أخرى مثل نمو الأورام في الفص الجبهي الصدغي أو الصدغي"، وفق تفسير الدكتور فرانسيسكو خافيير لوبيز، منسق مجموعة دراسات الصرع في الجمعية الإسبانية لطب الأعصاب، لموقع BBC Mundo.

هذا الأمر يشكل معاناة كبيرة لصاحبه، إذ يوضح لوبيز: "تشكل أزمات الاختلاج ضغطاً إضافياً، لأنه إذا كان أحدهم يعاني من أي نوبة وفقد وعيه فلن يحدث له شيء، ولكن إذا كان واعياً ويضحك في مواقف غير مناسبة، فهذا يسبب معاناة كبيرة"، وعادةً ما يتم التحكم في هذا النوع من الحالات عن طريق الأدوية المضادة للصرع أو بواسطة عملية جراحية.

علامات:
تحميل المزيد