أصاب فيروس كورونا المستجد ملايين الأشخاص حول العالم، ورغم ذلك فإن العلماء لا يزالون حتى الآن يحاولون معرفة من هم أكثر الأشخاص عرضة للإصابة بهذا المرض، ومن هم الأكثر تعرضاً للإصابة بأعراضه الخطيرة.
من هم الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا؟
وفق موقع News Cientist فمن الواضح أن الأشخاص الأكبر سنّاً ومن يعانون من حالات صحية مزمنة مثل داء السكري والسرطان أكثر عرضة للخطر.
ولكن ظهرت الآن العديد من التقارير عن وفاة مصابين في ريعان شبابهم، وأفراد أصحّاء لا يعانون من أي مشكلات صحيّة أخرى، حتى بين المجموعات الأكثر عرضة للخطر يتفاوت التهديد الذي يمثله فيروس كورونا على صحتهم بشكل كبير جداً.
كما أن المعلومات الواردة من العديد من الدول الآن تشير إلى أن الأفراد من بعض الأقليّات العرقية أكثر عرضة للوفاة، وكذلك الرجال والأشخاص الذين يعانون من السمنة.
ولأن كورونا يهاجم الرئتين، توقع العلماء أن يكون الأشخاص المصابون بالربو مثلاً من بين الفئات الأكثر تهديداً. ولكن حتى الآن، لا يبدو أنهم في خطر أكبر من غيرهم.
سبب اختلاف عوامل الخطر
من أجل فهم سبب اختلاف عوامل الخطر بهذا الشكل الكبير سوف نحتاج إلى المزيد من إمعان النظر، ليس فقط في الفيروس، بل في أنفسنا أيضاً.
تقول بريا دوغال، أخصائية الأمراض الجلدية بجامعة جونز هوبكينز في ماريلاند: "المرض الفعلي يتمثل في استجابتنا للفيروس مُسبب المرض. لمعرفة من يُصاب بالمرض ولماذا؟ لذلك نحتاج إلى فهم ما يحدث بمجرد أن يُصبح الفيروس داخل أجسامنا، والدور الذي تلعبه جيناتنا الوراثية في استجابة أجسامنا للفيروس".
يمكننا من خلال ذلك المساعدة في توفير حماية أفضل للفئات الأكثر عرضة للخطر، فضلاً عن تسليط الضوء على تطوير علاجات تتيح لنا في النهاية إمكانية "التعايش" مع كورونا.
بلغة الأرقام
تشير التقديرات إلى أن من نصف إلى أكثر من ثلاثة أرباع المصابين بالعدوى لا تظهر عليهم أي أعراض.
كما يبدو أن الأطفال معرضون للإصابة بفيروس كورونا المستجد مثل البالغين، ولكن حتى الآن هم أقل عرضة لتطوير أعراض خطيرة أو قاتلة.
كما أنّ هناك العديد من الفرضيات المختلفة حول سبب ذلك، من حقيقة أن الأطفال لديهم مستقبلات سطح خلية أقل في مجاريهم الهوائية والتي يحتاج إليها الفيروس لاختراق الجهاز التنفسي، إلى فكرة أن تعرض الأطفال المعتاد لفيروسات كورونا المسببة لنزلات البرد توفر لهم نوعاً من "الحماية المتقاطعة" من هذا الفيروس.
الرجال أكثر عرضة من النساء
السبب الرئيسي لكون الأكبر سنّاً أكثر عرضة للخطر عند الإصابة بالعدوى هو أن أجهزتنا المناعية تصبح أضعف مع تقدم العمر.
فعندما بدأ علماء الأوبئة فحص إحصائيات من أُدخلوا إلى المستشفيات بسبب فيروس كورونا ومن توفوا نتيجة الإصابة بالعدوى، لاحظوا شيئاً غريباً: يبدو أن الرجال يتأثرون على نحو أسوأ.
ووجد تحليل حديث للبيانات من عدة دول أوروبية أن الرجال كانوا أكثر عرضة للإصابة بعدوى فيروس كورونا المستجد بما يزيد عن الضعف. وفي الصين، كانت مخاطر وفاة الرجال أكثر من النساء بمقدار 1.7 مرة.
بينما تكشف أرقام ولاية نيويورك أن أكثر من 60% من وفيات كورونا من الرجال.
لماذا الرجال؟
من أجل التحقق من هذه الفكرة سنعود إلى دراسة أُجريت على الفئران وفيروس "سارس".
إذ وجد أن الفئران الذكور غير القادرة على إنتاج هرمون الإستروجين أكثر عرضة للوفاة بعد العدوى.
وفي العام الماضي، افترضت مجموعة أخرى أن هرمون الإستروجين يعزز تطوير استجابة مناعية أقوى، وهو ما يمنح الأفراد الذين ينتجون كمية أكبر من الهرمون أفضلية في مقاومة المرض.
ولكن في المقابل قد يجعلهم ذلك عرضة أكبر للإصابة بأمراض المناعة الذاتية، مثل التصلب المتعدد، الذي يصيب النساء بنسبة أكبر كثيراً.
لنمط الحياة الصحي دور أيضاً
عوامل نمط الحياة قد تكون من عوامل الخطر المؤثر لدى الرجال؛ فالرجال أقل اهتماماً بمسألة غسيل الأيدي، لذا من الممكن أن يكونوا أكثر عرضة للإصابة في المقام الأول أو أن يحملوا فيروسات أو بكتيريا أخرى تجعلهم أكثر عرضة لتطوير أعراض خطيرة عند الإصابة بفيروس كورونا.
وهناك حقائق أخرى، فالرجال أكثر تدخيناً من النساء، وأكثر إصابةً بالانسداد الرئوي المزمن، وتبيّن أن كلاهما من عوامل زيادة خطر تطوير أعراض خطيرة والوفاة عند الإصابة.
كما يبدو أن المشكلات الصحية المزمنة مثل مرض السكري وارتفاع ضغط الدم والسرطان تجعل المصابين بها أكثر عرضة لخطر تطوير أعراض خطيرة، بالرغم من أن أسباب ذلك كانت محل جدال ونقاش شديد. يعتبر ضعف وظائف المناعة في مرضى السكري والسرطان تفسيراً منطقياً، ولكن علاقة ارتفاع ضغط الدم بتطوير أعراض أكثر حدة يظل غير واضح.
مناعة ضد العدوى
في منتصف تسعينات القرن الماضي اكتشفت فرق بحثية في نيويورك وبوسطن أن هناك أفراداً تمكنوا بشكل ما من تجنّب الإصابة بفيروس العوز المناعي البشري، الذي يؤدي إلى "الإيدز"، برغم تعرضهم عدة مرات لإمكانية الإصابة من خلال حقن المخدرات المستخدمة من مرضى آخرين، أو ممارسة الجنس دون أي وسائل وقاية مع أشخاص مصابين.
وتبيّن أن هؤلاء الأشخاص يحملون طفرات معينة في جين يُطلق عليه CCR5، يجعلهم مقاومين للإصابة بفيروس نقص المناعة البشري.
نُشر هذا الاكتشاف عام 1996، وكان سبقاً وإنجازاً كبيراً في سبيل فهم كيفية دخول فيروس نقص المناعة البشري إلى الخلايا، ووجهنا نحو أساليب جديدة قوية فعالة في ابتكار العلاجات المضادة للفيروسات.
لذلك قال مارتن فيريس، عالم الوراثة بجامعة نورث كارولينا: "هذه هي النتائج التي نريد تحقيقها أثناء دراستنا لعدوى كورونا".
الروابط بين أنواع الدم وعلاقتها بكورونا
يعمل الباحثون الصينيون على القضية أيضاً، من أجل التعرّف على الروابط بين أنواع مُعيّنة من الدم -يُحدّدها حمضنا النووي- والزيادة الشديدة في المرض بين أكثر من 2200 شخص عولجوا من كورونا في مستشفيات ووهان، حيث تفشّى المرض للمرة الأولى.
ووجدوا هم والباحثون في نيويورك أنّ الناس الذين يمتلكون فصيلة دم O يبدون محميين نوعاً ما من المرض الخطير بعد الإصابة بعدوى فيروس كورونا.
لذلك فإن هذه الدراسات الأولية تُقدّم بعض الفرضيات الجيّدة، لكن العدد الصغير نسبياً من المرضى المُشاركين، وحقيقة أنّ النتائج لا تزال في حاجةٍ إلى مراجعة الأقران تعني أنّنا لا نستطيع الخروج باستنتاجات قوية.