سواء كنت محباً للتسوق والشراء قبل ذلك أو لا، فغالباً خلال جائحة كورونا سقطت رهانات معظمنا، وأصبحنا نتصفح أسعار المنتجات على الإنترنت ومواقع الشراء كثيراً، ويظل العائق النفسي لضغط زر "إتمام عملية الشراء" لدى البعض هو خشية إضافة أعباء أكثر على العاملين المرهقين بالمحال التجارية ومكاتب البريد.
كما تشهد العديد من الصناعات ارتفاعاً حاداً في المبيعات في الوقت الحالي، ففي أمريكا وحدها ارتفعت مبيعات الملابس "الكاجوال" بنسبة 340٪ وفقاً لـ Criteo، كما زادت مبيعات السلع المنزلية والإلكترونيات الاستهلاكية والسلع الرياضية ومستلزمات الحيوانات الأليفة؛ حتى أنه كان هناك "ارتفاع حاد" في مبيعات أقنعة الوجه.
كما أشارت أستاذة التسويق في جامعة ولاية ميشيغان الأمريكية، التي تدرس سلوك المستهلك، أيالّا روفيو، فقد ارتفعت مبيعات الأطعمة والمشروبات غير الضرورية أيضاً، فشهدت مبيعات الكحول عبر الإنترنت زيادة بنسبة 243%؛ وزادت مبيعات الرقائق المحلاة بنسبة 50%، وزادت مبيعات الألعاب بنسبة 28%.
وفي حين أننا في فترة من عدم الاستقرار الاقتصادي ونشهد ارتفاعاً غير مسبوق في أرقام البطالة وهي إشارات لا تؤشر إلى زيادة في الإنفاق الاستهلاكي، فضلاً عن أزمة صحية تواجه العالم بأسره، لكن بالعودة إلى أزمات سابقة هزت العالم مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، نجد زيادة استهلاك الناس وقت الأزمات بطريقة غير مفهومة.
موقع Mashable البريطاني استعرض آراء متخصصين لتفسير الأسباب النفسية وراء ممارسة هذه "الهواية" في أوقات الأزمات، دعنا نستعرضها:
لماذا ما زلنا نتسوق؟ نشعر بالملل وفقدان السيطرة!
المحرك والدافع السطحي لشهوة التسوق هو الملل، وفقاً للطبيب والمعالج النفسي أنتوني ب. دي ماريا، إذ يؤدي الملل للاندفاع، خاصةً أولئك الذين لم يعتادوا البقاء في المنزل، يمكن للتسوق عبر الإنترنت أن يملأ الفراغ بداخلهم. كما أنه شكل من أشكال الترفيه، وفقاً للدكتور بريان ويند، الذي يرى أن التسوق "يبعد عقلك عن فوضى العالم ويمنحك شيئاً ممتعاً للقيام به".
على مستوى أعمق، يعاني العديد من الأشخاص حالياً من فقدان السيطرة، وقد يكون التسوق طريقة للتعامل مع الأمر، إذ إنه يمنح الناس شعوراً بالتحكم والقوة والسلوك الإرادي على حياتهم غير المستقلة، حيث يتعين عليهم البقاء في المنزل ومشاهدة ما يحدث للعالم الخارجي وهو يتكشف أمامهم.
يقول الدكتور دي ماريا: "بعض السلوكيات الإرادية يشعرون من خلالها بأنهم يسيطرون على الأشياء، بما في ذلك أفعال مثل إعداد خزانة ملابس أو جعل بيئتهم المنزلية تبدو بالطريقة التي يرغبون فيها، وحتى شراء أغراض جديدة يمكن أن يوفر لهم بعض الإحساس بالتحكم في بيئتهم الخاصة، بعض الإحساس بالتحكم في شكل ومجرى حياتهم".
يتحدث ويند حول نقطة مماثلة: "في كثير من الأحيان، يميل الأشخاص الذين يشعرون بأنهم عاجزون تحت ظروف معينة إلى محاولة الوصول إلى أشياء لديهم السلطة عليها؛ مثل التسوق عبر الإنترنت".
يوضح دي ماريا أيضاً أن التسوق يمكن أن يوفر نوعاً من تحقيق الرغبات لأنفسنا في المستقبل، حتى لو لم يكن لدينا أي فكرة عما سيبدو عليه المستقبل. واستخدم مثالاً لشراء أشياء تذكرك بالصيف، مثل ملابس السباحة، وملابس الصيف التي تعيد إلى أذهان المشترين خططهم لما سيفعلونه عندما يعود كل شيء إلى طبيعته.
الأمر غير مقتصر على عقلك، التسويق أيضاً يلعب دوره
بينما يوفر التسوق مهرباً أو راحة نفسية، فهذا ليس التفسير الوحيد. إذا زاد استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي، ومن المحتمل أنك تعرضت للتأثير والخداع من جانب شخصيات الإنترنت المؤثرة، وهذا ليس من قبيل الصدفة.
إذ تنفق العلامات التجارية المزيد من الأموال لدعم التسويق عبر الشخصيات المؤثرة أكثر من أي وقت مضى، وفقاً لكلايتون ديورانت، الشريك الإداري ومؤسس CAD Management، وهي شركة استشارات ترفيهية مقرها في نيويورك تقدم المشورة لكل من الشخصيات المؤثرة والفنانين.
قبل الجائحة، كان متوسط عدد استفسارات العلامات التجارية حول الشخصيات المؤثرة لدى CAD Management هو 5 في الشهر. الآن، ارتفع الرقم إلى 10، وهذه العلامات التجارية تطلب من المؤثرين توجيه متابعيهم إلى مواقع التسوق الإلكتروني الخاصة بهم. والأكثر من ذلك أنه، نظراً لأن "إعلانات الرعاية المعتادة لمنتج ما" قد تبدو بلا طعم في وقت الأزمات، تطلب العلامات التجارية من المؤثرين إخفاء عنصر الدعاية الصريحة، وقال ديورانت: "من الواضح أن العديد من العلامات التجارية الاستهلاكية قد أعادت التفكير في استراتيجيتها للتجارة الإلكترونية لجعلها أكثر سهولة في الوصول والاستخدام على كل من الهاتف المحمول والحواسيب الشخصية، وخاصة العلامات التجارية التي كانت لديها متاجر واقعية ولم تعد قادرة على تشغيل تلك المواقع".
وتابع ديورانت: "أعتقد أن المستهلكين في جميع المجالات يستشعرون هذه التعاونات المؤثرة أكثر من أي وقت مضى، لأن حجم نشاط الصفقات أكبر من ذي قبل. هذه العلامات التجارية تظهر في الكثير من المحتويات الرقمية المختلفة وهي تعزز صورة العلامة التجارية وروحها في ذهن المستهلك ما يساعد في نهاية المطاف على دفع مبيعات التجارة الإلكترونية".
هذا يعني، أنه في حين أنك قد تستخدم التسوق عبر الإنترنت كآلية للتكيف مع الوضع الطارئ، إلا أنك قد تتأثر أيضاً بزيادة الدعاية التسويقية التي تهدف فقط إلى دخولك إلى مواقع التجارة الإلكترونية هذه.
ماذا يحدث بعد النقر فوق زر "شراء"؟
إذا كنت تلاحق هذا الشعور بالراحة الذي يتسبب فيه الاندفاع لشراء شيء جديد، فقد تلاحظ أنه لا يدوم طويلاً، فبعض الأشخاص بمجرد أن ينقروا على زر "شراء"، فإن الأغراض الجديدة التي كانوا يعتقدون أنه سيكون من الرائع الحصول عليها، بطريقة ما، تصبح قديمة.
إذ تقول أيالا: "يحتاج المستهلكون إلى معرفة أن هذا في الواقع علاج قصير المدى، فبعد شراء غرض ما بوقت قصير، يشعر الكثيرون بانخفاض قلقهم ومن الممكن حتى أن يشعروا بالإثارة. لكن احذر: إن هذا الشعور لا يدوم طويلاً ومع وجود اقتصاد هش، فإن آخر شيء يحتاجه الناس هو ارتفاع ديون بطاقات الائتمان".
هذه هي الحلقة التي تدور فيها ردود الأفعال مع نماذج التسوق، كما يحدث مع الأنشطة الإدمانية الأخرى: تشتري شيئاً، تشعر بالراحة والسعادة، ثم ينهار هذا الشعور، وترغب في شراء المزيد.
ماذا عن الشعور بالذنب الذي قد يتملكك؟
بصرف النظر عن استخدام التسوق عبر الإنترنت كآلية للتكيف، هناك شعور بالذنب يصاحب هذا الفعل، وهو منفصل تماماً عن أي شعور بالذنب على أساس مالي قد يواجهه المرء، حتى في الظروف "العادية". إنه شعور بالذنب بشأن سلسلة التوريد، والعمال الذين يغادرون منازلهم من أجل إيصال طرودنا وأغراضنا إلينا.
في حين أن هذا الشعور بالذنب قد لا يكون قوياً بما يكفي لثنينا عن الشراء، يقول دي ماريا إنه يمكن أن يكون له تأثيرات إيجابية في المستقبل. ويوضح: "قد ترى أشخاصاً يتجهون نحو أشياء مثل الاستثمار المستدام نتيجة لذلك، ويفكرون حقاً في طرق أكثر أخلاقية للانخراط في سلوك واقتصاد قائم على السوق".
وهذا يعود إلى جوهر سبب شعورنا بالذنب: إنه أمر مؤلم ويجعلنا نفكر في ما يجب علينا فعله في المستقبل. لذلك إذا كان هناك شيء جيد ينتج عن الاستهلاك (أو ربما الإفراط في الاستهلاك) والاحساس بالذنب الناتج عن ذلك، فهو أنه سيجلب المزيد من الوعي بالعواقب ويدفعنا نحو نمط حياة أكثر استدامة.
إذا وجدت نفسك تبالغ في الإنفاق، فأنت لست وحدك. من المحتمل أن تكون هناك نهاية في الأفق، على الرغم من أنه من غير المؤكد متى سيكون ذلك. وستستمر في الإنفاق بعد هذه المحنة بالطبع، لكن أيالّا تتوقع أن تتغير عادات الإنفاق.
بعد الوباء، تتوقع أيالّا أن ينخفض التسوق لشراء الأغراض المادية، لكن الإنفاق على الأنشطة الترفيهية مثل حضور الأفلام، والمهرجانات، وتناول الطعام في الخارج سيرتفع، وهو أمر غير مفاجئ، إذ لا يمكننا الانخراط في أي من هذه التجارب الاجتماعية في الوقت الحالي، فبسبب التباعد الاجتماعي، ستكون هناك حاجة ماسة للتفاعلات الاجتماعية. وسيبحث الناس عن طرق وأماكن للاستمتاع بإعادة الشمل مع أحبائهم.